لقاء- د.فولكر فيسترباركاي: من يحقق في ضرب الأهداف المدنية في اليمن؟

من جديد تتعرض السعودية لانتقادات دولية بسبب قصف طائرات التحالف لمستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في عبس/ حجة، عقب يومين من قصف مدرسة للأطفال في حيدان/ صعدة وأهدافا مدنية أخرى في محافظات متفرقة من بينها العاصمة صنعاء حيث قتل واصيب العشرات في قصف مصنع أغذية خفيفة.

ومع وعود التحالف السعودي، المعتادة بإجراء تحقيق "مستقل"، تهاجم صحف سعودية المنظمات الدولية وتتهمها بالتحيز.

لكن منظمة أطباء بلا حدود أعلنــت يوم الخميس في أقوى رد حتى الآن عن سحب طواقمها من 6 مستشفيات في شمال اليمن بسبب مخاطر الاستهداف المستمر والضمانات التي لا يعتمد عليها. (بيان منظمة أطباء بلا حدود).

منظمة العفو الدولية كانت وصفت في بيان الغارات على المستشفى بالهجوم الوحشي و"جريمة حرب". (بيان المنظمة).

وكشفت فورين بوليسي الأمريكية أن الأمم المتحدة هددت السعودية بإعادتها وحلفائها إلى القائمة السوداء حول قتل وتشويه الأطفال في اليمن. (اقرأ التقرير كاملاً).

للعام الثاني منذ تدخل التحالف العسكري بقيادة السعودية في اليمن، تتواصل معاناة السكان المدنيين في اليمن جراء تعرض بيوتهم ومنشآت البنى التحتية على اختلافها لغارات طائرات التحالف. علاوة على الحرب والمعارك البرية.

آخر تلك الأحداث المأساوية مقتل 19 شخصا (وفقا لآخر إعلان من منظمة أطباء بلا حدود) بينهم احد كوادر منظمة أطباء بلا حدود وجرح 19 آخرين على الأقل في ضربة جوية أصابت يوم الاثنين مستشفى في مدينة عبس بشمال اليمن، حسب ما أعلنت المنظمة الدولية. وهو الهجوم الرابع ضد موقع للمنظمة "في أقل من 12 شهرا في اليمن، وفق تيريزا سان كريستوفال مسؤولة علميات المنظمة العالمية في اليمن.

وإثر هذه الأنباء المحزنة وعقب ردود فعل قوية من جانب المجتمع الدولي، بينها الأمم المتحدة والبيت الأبيض، أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية انه فتح "تحقيقا مستقلا" في "التقارير" التي تحدثت عن قصف مستشفى تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في اليمن ومدرسة أيضا بعد أن كان تملص من مسئولية قصف الأخيرة في حيدان صعدة قبل وقت قصير.

من يحقق؟

في السياق نفسه، يعلق موقع التلفزيون الألماني/ القسم العربي في تقرير ولقاء مع مسئول إنساني نشره يوم "لكن الأحداث المأساوية في الماضي والتي فتح بشأنها تحقيقات محلية وإقليمية لم تسفر عن أية نتيجة أو على الأقل لم توقف تكرار مثل هذه الحوادث والتي يكون المواطن اليمني ضحيتها نهاية الأمر. فما جدوى مثل هذه التحقيقات؟ وكيف ستتعامل المنظمات الدولية العاملة في اليمن مع تلك المخاطر التي يتعرض لها السكان المدنيون وموظفو المنظمات؟".

مستشفى عبس في حجة بعد تعرضه لغارة جوية الاثنين 15 أغسطس/آب 2016
مستشفى عبس في حجة بعد تعرضه لغارة جوية الاثنين 15 أغسطس/آب 2016

تجدر الإشارة في هذا الخصوص أيضا إلى تفنيد، لإعلان وعمل ما سميت لجنة تحقيق سعودية باسم التحالف في وقائع وأحداث قصف مأساوية نفتها كلها تقريبا، كتبته مسئولة منظمة هيومن رايتس ووتش في اليمن بلقيس ويلي (اقرأ المقال).

مجلس الأمن الدولي معني بضمان توفير تحقيق مستقل

وحول إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية إجراء "تحقيق مستقل" في الحادث، قال الدكتور فولكر فيسترباركاي، وهو أحد المسؤولين عن أنشطة منظمة أطباء بلا حدود في ألمانيا في حديث مع DW: "إن أطراف النزاعات المسلحة في كل مكان ملزمون وفق القانون الدولي بالحرص الشديد بعدم استهداف المستشفيات المعلنة والمعروفة لديها وعدم ضربها وتدميرها. وبغض النظر عما إذا كانت الضربة عن طريق الخطأ أو متعمدة، فإن المجتمع الدولي اتفق على ضرورة توفير الحماية للمستشفيات".

إنه أمر لا ينبغي أن يحدث وإذا حدث ذلك، كما يقول الدكتور فيسترباركاي، فإن أطراف الحرب يتحملون مسؤولية ذلك. ويضيف: "لقد قلنا في مناسبات مماثلة سابقة إن تحقيق مستقل بهذه الحوادث المأساوية لا يمكن أن يقوم بها طرف من أطراف الحرب لوحده. وإلا فإن ذلك قد يشبه قيام متهم واقف أمام المحكمة بالتحقيق بنفسه في التهم الموجهة إليه". ولذلك يجب أن تكون هناك هيئة تحقيق مستقلة تقوم بهذه المهمة، كما يرى الطبيب الألماني.

ويشير الدكتور فيسترباركاي إلى أن هناك هيئات تابعة لمجلس الأمن الدولي معنية بضمان توفير تحقيق مستقل. كما إن هناك إمكانية أخرى في إطار معاهدة جنيف، حيث توجد هناك هيئة دولية معنية بالتحقيق في أحداث من هذا النوع. إذن هناك فرص دولية عديدة لإجراء تحقيق مستقل في مثل هذه الحالات، والمهم في الأمر هو أنه لا يجوز لأي طرف من أطراف الحرب أن يقوم بتحقيق أحادي الجانب.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تستطيع الأمم المتحدة فرض مثل هذه التحقيقات على أطراف نزاع ما؟

عن ذلك يقول الدكتور فيسترباركاي "حتى ألان كانت هناك مثل هذه الحالات ولكن بشكل مهمل لم يأخذ مداه الجدي. ففي أفغانستان تعرضت مستشفياتنا عدة مرات لهجمات وضربات عسكرية، فقامت لجان تحقيقية مستقلة بعملها، مرة باسم القيادة العسكرية الأمريكية و مرة أخرى من قبل الحكومة الأفغانية وأخرى باسم الأمم المتحدة".

المهم في الأمر، حسب رأي الخبير الألماني فسترباركاي هو أن يكون التحقيق في القضية بعيدا عن أصحاب القرار السياسي وأن لا تكون النتائج تحت سقف سياسي لهذه الجهة أو تلك. وللأسف لم تصل التحقيقات بشأن حوادث أفغانستان إلى نتائج مرضية فلم تحقق نجاحا مذكورا.

اتهامات سعودية ورد المنظمة

وبعيدا عن قرار التحالف العسكري العربي ورغبته في تحقيق مستقل في حادث المستشفى الأخير، اتهم الإعلام السعودي المنظمات الدولية، بينها منظمة العفو الدولية وغيرها، بعدم التزام الحيادية وفقدان توازنها في الشأن اليمني.

وقد هاجمت صحيفة عكاظ في عددها الصادر يوم الثلاثاء(16 آب/أغسطس) المنظمات الدولية وكتبت مقالات ادعت فيها أن مدرسة حيدان صعدة هي مركز تدريب مقاتلين حوثيين ومتهمة بلا حدود بالتدليس (..) كما اتهمت المنظمة بعدم التركيز على ما يحدث في إيران..الخ.

 مستشفى لمنظمة اطباء بلا حدود في حيدان صعدة بعد قصفه بغارة سعودية في ديسمبر العام الماضي © Rawan Shaif/GlobalPost
مستشفى لمنظمة اطباء بلا حدود في حيدان صعدة بعد قصفه بغارة سعودية في ديسمبر العام الماضي © Rawan Shaif/GlobalPost

على ذلك يرد الدكتور فولكر فيسترباركاي بالقول: "جوابنا على هذه التهم واضح تماما وهو أن منظمتنا ليست منظمة سياسية، ونكتب تقاريرنا عن معاناة الناس في الحروب وعن احتياجاتهم الإنسانية، خاصة الطبية منها، بشكل مستقل وغير متأثرين بهوية الناس وثقافتهم وجذورهم العرقية أو الدينية".

ويضيف "إننا نكتب تقاريرنا عما تراه أعيننا، ولا نكتب التقارير من مصادر أخرى أو من طرف ثان. تقاريرنا نابعة من معايشتنا لظروف الناس الذين نلتقي بهم في مستشفياتنا وهذا ما يعزز مصداقيتنا عندما نتحدث عن هذه الأمور. ولهذا السبب لا نستطيع أن نكتب أي شيء عن إيران لأننا لا نتواجد فيها. ولهذا السبب اعتبر هذه التهم الموجهة إلينا لا أساس لها إطلاقا".

من ينصف الضحايا؟

ويذكر موقع DW: على صعيد آخر، كشف مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور عبدالله المعلمي عن زيارة مرتقبة لوفد أممي إلى السعودية قريباً للحصول على مزيد من المعلومات حول سير العمليات العسكرية في اليمن. ويبدو أن هدف الزيارة هو دعم مساعي السعودية الهادفة إلى رفع أسمها من قائمة الأمم المتحدة الخاصة بارتكاب مخالفات دولية في حربها في اليمن (القائمة السوداء). فمن يستطيع يا ترى أن يقوم بتحقيق مستقل يحصل فيه الضحايا نهاية الأمر على حقوقهم ويساهم في وضع حد لمثل هذه الحوادث المأساوية التي يدفع ثمنها المواطنون فقط.