نيويورك تايمز- عرض مليئ بـ "الأسرار": هكذا ورّط السعوديون أمريكا في اليمن

ترجمة - بتصرف - لتقرير موسع، من أكثر التقارير شمولية حول الملف اليمني التي نشرت في الصحافة الأمريكية والغربية. كتبه كل من مارك مزيتي، وإيريك سميت، في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعنوان "الدعم الهادئ للسعوديين يوقع الولايات المتحدة في شرك اليمن" ( "أسرار المملكة" سلسلة الصفحة الأولى، من عدد الـ 14 مارس). للاطلاع على الموضوع الأصلي في المصدر الأمريكي من هنــــا.
 
وصل عادل الجبير إلى البيت الأبيض في مارس الماضي، على أمل الحصول على دعم الرئيس أوباما لحرب جديدة في الشرق الأوسط.
 
وقال الجبير لكبار مستشاري أوباما، إن إيران انتقلت إلى الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية بمساعدتها الحوثيين في اليمن، الذين كانوا قد تجاوزوا عاصمة البلاد، وأنهم كانوا يحاولون إقامة مواقع للصواريخ الباليستية في مجموعة من المدن السعودية.
 
وقال الجبير، إن السعودية وجيرانها في الخليج مستعدون لبدء حملة لدعم الحكومة اليمنية العاجزة في هجوم سيكون سريعاً نسبياً.
 
أخذت المناقشات يومين في البيت الأبيض الذي كان في حاجة لاسترضاء السعوديين لإتمام صفقة نووية مع إيران.
 
وظهرت مخاوف لدى العديد من كبار مستشاري الرئيس أوباما إزاء الهجوم السعودي في اليمن، وبأنه سيكون طويلاً، ودموياً، وغير حاسم.
 
لكن أوباما ما لبث قليلاً وأعطى موافقته لوزارة الدفاع الأمريكية لدعم حملة عسكرية وشيكة في اليمن.
 
وحتى اليوم وبعد عام، أدى الهجوم العسكري السعودي إلى كارثة إنسانية في اليمن، حيث قتل الآلاف من المدنيين اليمنيين، وتوقفت محادثات السلام منذ أشهر. وخلصت وكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى أن المستفيد الوحيد والذي صار أقوى هو فرع تنظيم القاعدة في اليمن، والذي بات يسيطر على مواقع ومدن في ظل الفوضى التي خلفتها الحرب.
 
وفي الأثناء تزايدت الانتقادات على إدارة أوباما من جميع الجهات.
 
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قدمت لقوات التحالف التي تقودها السعودية الدعم الاستخباراتي، وصهاريج الوقود المحمولة جواً، وآلاف الذخائر المتقدمة، إلا أن حلفاءها يشكون أحياناً من أن "الدعم فاتر" (..).
 
ويقول منتقدو التدخل الأميركي، إنه لا ينبغي للبيت الأبيض أن يقدم أي مساعدات عسكرية على الإطلاق لما يسمونها "الحرب غير المتماسكة والمتهورة."
 
وحذر السناتور كريس ميرفي، وهو ديمقراطي من ولاية كونيتيكت وعضو في لجنة العلاقات الخارجية، أمام مجلس العلاقات الخارجية يوم 29 يناير، من المخاطر التي تتعرض لها الولايات المتحدة من خلال استمرار الدعم للرياض في حربها على اليمن.
 
وأضاف السيناتور ميرفي: "هناك أدلة متزايدة على أن دعمنا للتحالفات العسكرية التي تقودها السعودية في أماكن مثل اليمن تطيل أمد البؤس البشري وتساعد التطرف. تقول الحكومة، إن أولويتنا الأولى في اليمن هي هزيمة القاعدة في جزيرة العرب، لكن هذه الفوضى المستمرة خلقت فراغاً أمنياً مكن القاعدة في جزيرة العرب من الازدهار والتوسع".
 
وقال وزير الخارجية جون كيري، رداً على تصريحات عضو مجلس الشيوخ السيناتور كريس ميرفي: "إن الولايات المتحدة قدمت دعمها للمملكة العربية السعودية - الحليف الوثيق لأمريكا- لأن المملكة كانت عرضة للخطر من قبل المتمرين الحوثيين".
 
لكنه قال، إن الولايات المتحدة لن تدعم بالغريزة كل الحروب بالوكالة في المملكة العربية السعودية ضد إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
 
وقال روبرت مالي، المسؤول عن سياسة الشرق الأوسط في ادراة اوباما، إنه يؤيد دعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية في النزاع المسلح في اليمن لكنه يقول "هذه ليست حربنا".
 
متاعب منذ البداية
 
عند وصول السيد الجبير إلى البيت الأبيض العام الماضي، انخرط بمعية المسؤولين السعوديين في محادثات غير رسمية مع وزارة الدفاع الأمريكية حول المساعدات العسكرية الأميركية المحتملة لحملة تقودها السعودية في اليمن.
 
وقال الجبير لكبار مستشاري أوباما، إن الحوثيين اجتاحوا العاصمة اليمنية صنعاء، وكانت الحكومة اليمنية طلبت من المملكة العربية السعودية ودول "سنية" أخرى لمساعدتهم في ضرب ظهر الحوثيين.
 
وتحدث السيد الجبير، أيضاً، عن مخاوفه من سيطرة إيران في الشرق الأوسط، والتي تحمل أصداء "نظرية الدومينو" التي عبر عنها مسؤولون أميركيون خلال الحرب الباردة.
 
وقال المسئول السعودي، إن إيران في السنوات الأخيرة سيطرت على العراق، لبنان، وسوريا. مضيفاً أنه إذا تمكن الحوثيون من السيطرة على اليمن، فإن إيران للمرة الأولى سيكون لها موطئ قدم استراتيجي في شبه الجزيرة العربية.
 
لكن مسؤولين استخباراتيين أميركيين يعتقدون، منذ فترة طويلة، أن السعوديين يبالغون في مدى الدعم الإيراني للحوثيين، وأن إيران لم تُرَ لها علاقة مع جماعة الحوثيين إلا مجرد مصدر إزعاج للسعوديين.
 
وبعد إذن أوباما بالمساعدة في الحملة العسكرية السعودية في اليمن، سرعان ما تتابعت المتاعب.
 
وكانت المشكلة الأولى تتمثل في قدرة الطيارين السعوديين، الذين كانوا عديمي الخبرة في التحليق فوق الأجواء اليمنية وتحديد الأهداف بدقة، وكذا خوفهم من النيران اليمنية الأرضية.
 
ونتيجة لذلك، حلقت طائرات التحالف على ارتفاعات عالية لتجنب التهديد من النيران اليمنية. لكن ذلك - كما يقول المسئولون الأمريكيون - أدى إلى زيادة الخسائر في صفوف المدنيين وتدمير المنازل والبنى التحتية.
 
تباعاً لذلك، اقترح المستشارون الأميركيون "تكييف" الطيارين على تكتيكات أخرى وآمنة، وهو الاقتراب من الأرض.
 
وعلى الرغم من كل ذلك، إضافة إلى المشورة والمساعدة الأمريكية لهذه الحملة، والتي تضمنت معلومات استخباراتية من استطلاع بدون طيار وتحديد الأهداف والتنسيق من قبل مجموعة التخطيط العسكري الأمريكي والتي ضمت 45 استشارياً في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات، ويشرف على هذه المجموعة اللواء جن كارل موندي، نائب قائد مشاة البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن الضربات الجوية لا تزال تستهدف الأسواق والمنازل والمستشفيات والمصانع والموانئ والطرقات، وهي المسؤولة عن غالبية الآلاف من القتلى المدنيين خلال الحرب التي أكملت عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.
 
وقال الجنرال موندي، في مقابلة عبر الهاتف: "نحن نقدم لهم التدريب، لكن في النهاية هي مشكلتهم التشغيلية".
 
وبعد وقت قصير من بدء حملة القصف في الربيع الماضي، أيقن السعوديون والإماراتيون أن حملة القصف لم تؤدِ إلى النجاح، ولذا قررت الإمارات الدفع نحو عملية برية بحرية عن طريق عدن، المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية في جنوب اليمن.
 
إثر ذلك، لجأ الإماراتيون إلى قوات العمليات الخاصة الأميركية المتمركزة في أبو ظبي لتقديم المساعدة في التخطيط.
 
لكن مسؤولين في البيت الأبيض أبدوا تخوفهم وأدركوا أن الجيش الأمريكي سينزلق إلى مزيد من الصراع. كما أدركوا، يقيناً، أن نهاية مشاركته في العملية البرية ستكون فاشلة، لذا تم إصدار الأوامر للقوات الأميركية الخاصة بالتنحي وعدم المشاركة.
 
إلا أن الإماراتيين واصلوا التخطيط للعملية من تلقاء أنفسهم. وفي يوليو الماضي طلبوا المساعدة من البنتاغون في الإنزال البحري وغيره من المساعدات، في تنفيذ ما أصبح هجوماً كبيراً على عدن.
حينها رفض مسؤولون في البنتاغون الطلب، معتبرين أن عملية يشارك فيها آلاف من القوات - وكذلك الدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر الهجومية - تعد مخاطرة كبيرة جداً وتتجاوز قدرة الجيش الإماراتي. ومع ذلك أصر الإماراتيون وقادوا العملية دون مساعدة أمريكية.
 
آفاق قاتمة
 
رغماً عن ذلك، زادت مشاكل التحالف الذي تقوده السعودية وباتت أكثر تطوراً وأكثر تعقيداً، بعد شهرين من العملية الإماراتية في عدن. 45 جندياً إماراتياً - وعدد من المقاتلين من دول عربية أخرى - قتلوا في هجوم صاروخي شنته القوات اليمنية والحوثيون في محافظة مأرب في اليمن.
 
في غضون ساعات من هجوم سبتمبر، كانت الطائرات الحربية الإماراتية تقصف المواقع العسكرية في صنعاء انتقاماً للمقتلة التي تلقاها جنودها في القصف الصاروخي في محافظة مأرب. وحينها طلب المسؤولون الإماراتيون إلى البنتاغون شراء طائرات إضافية للتزود بالوقود. لكن وزارة الدفاع الامريكية لم ترد على طلباتهم.
 
واكتشف بعد ذلك أن عدم تلبية البنتاغون لتزويد الإماراتيين بالطائرات - كما يقول مسئولون عسكريون أمريكيون - هو لمنع الإمارات من القصف الثقيل على العاصمة صنعاء والتي جاءت انتقاماً للقصف الصاروخي على الجنود الإماراتيين في محافظة مارب.
 
لكن سلسلة من المكالمات الهاتفية بين أوباما والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، بدات بعد ذلك لرأب الصدع في العلاقات المتوترة - ساعدت وزراة الدفاع الأمريكية بتزويد الإمارات 6000 ذخيرة إضافية، كما زود البنتاغون قنابل دقيقة للمملكة العربية السعودية بقيمة 1.29 مليار دولار أمريكي.
 
وبحلول ذلك الوقت، انهار الوضع الأمني في عدن. وأوقفت القوات الإماراتية دورياتها المنتظمة في شوارع عدن، ولذا لجأت إلى أن تحل محلها جنوداً من دولة السودان التي انضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية.
 
ومع تفاقم انهيار الوضع الأمني وتزايد أنشطة الجماعات الإسلامية المتشددة، انسحبت القوات السودانية أيضاً إلى مخيم عسكري كبير خارج عدن.
 
واليوم تعاني المدينة الاستراتيجية من خليط فوضوي من الجماعات المسلحة اليمنية وعلى نحو متزايد من القاعدة والجماعات الإرهابية المتطرفة الأخرى.
 
وقال بيتر سالزبوري، الخبير في شئون اليمن، والذي زار مؤخراً عدن (وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس/ هي منظمة بحثية بريطانية)، إن عدن في الوقت الحالي مدينة مقسمة إلى عدد من الأطراف والفصائل المقلقة جداً.
 
مبيناً أنه "لا يوجد مركز أو طرف واحد مهيمن على السلطة. والقلق هو أن بعض الفصائل المختلفة في عدن سوف تقاتل بعضها البعض، مما سيخلق فرصة مثالية لتنظيم القاعدة للتوسع".
 
ومضيفاً: "ما لم يكن هناك من قوة تسيطر على الأرض وتهيمن، فإن الأمور قد تخرج عن نطاق السيطرة بسرعة كبيرة".
 
ويرى محللون أن مستقبل بقية البلاد سيكون مماثلاً لما يحصل في عدن، حتى لو تمكنت الأطراف التي تعبت من الحرب من تسوية سلام هش.
 
كما أن عبد ربه منصور هادي، الرئيس اليمني المخلوع، من غير المرجح أن يلعب دوراً مهماً في البلاد تحت أي صفقة لتقاسم السلطة في المستقبل مع الحوثيين.
 
ويقول محمد باشا، محلل سابق في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة Navanti في ولاية فرجينيا، والمتحدث السابق باسم السفارة اليمنية في وشنطن، إن "التوقعات بالنسبة لليمن لا تزال قاتمة". مضيفاً، "سوف تعاني اليمن في مرحلة ما بعد الصراع، بسبب الآلاف من الضحايا والجيش المنقسم والمجتمع المنقسم وخليط الفصائل السياسية المسلحة".
 
وهناك كثر من الذين اعترفوا إزاء الكيفية التي يمكن أن تختتم الحملة العسكرية. واعترف وزير في المملكة العربية السعودية عند زيارته الأخيرة لواشنطن، صراحة، عن كيفية إنهاء الحملة العسكرية في اليمن.
 
وقال الوزير السعودي عادل الطريفي، خلال مناقشته في معهد كارنيجي للسلام الدولي: "كنا نأمل في بداية الأمر أن تلك الحملة العسكرية ستكون أمراً سريعاً، وأن الحوثيين سيرجعون إلى رشدهم".
مضيفاً، "والآن، كما يبدو، ليس هناك نهاية لتلك اللعبة" (..).