مفاوضات جنيف "طبخة بحص".. الضمانات التي طلبتها معارضة الرياض تبخرت!

عندما سألت أحد المشاركين في مفاوضات جنيف السورية التي تأتي تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 بحضور “وفود” السلطة والمعارضة، قال لي بالحرف الواحد إنها “طبخة بحص”، ومجرد عرض فلكلوري، ولا يوجد أي أفق لإمكانية التوصل إلى اتفاق.

السيد بشار الجعفري، رئيس الوفد الرسمي السوري، الذي يتحرك مثل “الطاووس″ في أروقة الفندق الذي يقيم فيه وفده، واختارته الأمم المتحدة (من نوع 4 نجوم فقط)، ويقول إنه مستعد للبقاء حتى يتم التوصل إلى “حكومة ذات مصداقية”، وفقاً للقرار الأممي، غامزاً بذلك في قناة من يتحدثون عن هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة.

المشهد السوري في جنيف عبارة عن أحد العروض السياسية بقيادة ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي، الذي حتى هذه اللحظة لم يقدم أي توصيف لهذه المفاوضات، وهل بدأت بالفعل، أم أنها مجرد مشاورات تحضيرية؟ وأعلن تعليقها مساء أمس إلى 25 من شباط (فبراير).

***
اللاعبون، او الممثلون في هذا العرض، المشهد، مجرد ادوات في معظمهم، وليسوا اصحاب قرار، ولن يكونوا، فالقوى العظمى هي التي تملك القرار، وهي التي حددت الاتفاق الذي تريد تطبيقه في نهاية المطاف، سواء كانت دولية (امريكا وروسيا)، او اقليمية (السعودية).

وفد الرياض هدد بالانسحاب من المفاوضات، ولا نقول “المؤتمر”، قبل ان يحضر، وعندما وصل مكرها الى جنيف، جرى اكرامه بوضعه في فندق خمسة نجوم، ورصد حوالي مليون ومئتي الف فرنك فرنسي لتغطية نفقات اقامته الفاخرة لمدة اسبوعين، وما زال يتحدث عن الضمانات التي حصل عليها برفع الحصار المفروض على بعض المناطق، والافراج عن معتقلين، والتركيز على القضايا الانسانية مثل ايصال الاغذية، ووقف القصف الروسي والحكومي، وذلك كبادرة حسن نوايا من جانب النظام في دمشق، ولكن النظام يؤكد حسب مصدر مقرب من وفده، انه لم يطلب منه اي ضمانات، او اجراءات حسن نوايا، والشيء نفسه يقوله السفير الامريكي الذي ينوب عن حكومته، ويؤكد فيه ان جون كيري وزير خارجية بلاده لم يلتزم باي شيء، وان العنوان الرئيسي للقاءات جنيف هو الانخراط فيها دون شروط مسبقة.

القوات الحكومية تحقق مكاسب على الارض، وتستعيد العديد من القرى في الشمال بغطاء جوي روسي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي يقوم بجولة تشمل الامارات وسلطنة عمان، آملا ان تعمل الاولى على تخفيف التشدد في الموقف السعودي تجاه الملف السوري، بينما ينشغل الوزير كيري بالتحضير لغزو جديد لليبيا، حيث حضر مؤتمرا في روما شارك فيه 23 وزير خارجية للتهيئة لهذا الغزو، والتمهيد لاجتماع آخر لوزراء الدفاع في بروسكل لاعتماد الخطة، وتهيئة القوات الخاصة والطائرات التي ستنفذ هذه المهمة في غضون اسابيع معدودة.

بمعنى آخر، الملف السوري سيوضع على الرف في المستقبل المنظور، لتقدم اولوية تمدد تنظيم “الدولة الاسلامية” في ليبيا، وما لقاءات جنيف الا لكسب الوقت، واشغال اعضاء وفود المعارضة بالتسوق وممارسة رياضة المشي على شواطيء بحيرة جنيف الجميلة لكسر حاجز الملل والضغط النفسي، ولم يكن من قبيل الصدفة ان فندق “البريزدنت” الذي حجزت السفارة السعودية كل قاعاته للوفد المفاوض، يطل عليها.

وفد المعارضة في الرياض رفض لقاء دي ميستورا الا بعد تلبية طلباته، ولكنه سحب تهديده بالانسحاب خلال 24 ساعة، ربما بتعليمات من الرياض، ولعل وصول السيد رياض حجاب رئيس الهئية العليا للمفاوضات الاربعاء الى جنيف وفر الحجة او الذريعة لهذا التراجع.

***
كنا في بداية الازمة نقول ان الحل العسكري غير ممكن لان اي من الطرفين غير قادر على حسم الموقف لصالحه على الارض، الآن وبعد التدخل العسكري الروسي انقلبت المعادلة، وبات الحل العسكري يتقدم على السياسي الذي بات مجرد “لاهاية” لاشغال المعارضة وداعيمها.

امريكا تستعجل تشكيل حكومة ليبية وفقاً، أو تطبيقاً، لاتفاق الصخيرات للحصول منها على ضوء أخضر للتدخل عسكرياً مرة اخرى، وتسعى لحكومة وحدة وطنية في سورية لاشعال فتيل حرب اخرى، عمادها الجيش العربي السوري للقضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” في سورية والعراق.

الحقيقة الوحيدة التي يمكن الوصول اليها من خلال متابعة لقاءات جنيف تراجع الحديث، وبالتالي الخلاف، عن مصير الرئيس بشار الاسد في العملية السياسية الحالية، وكان الشرط الوحيد الذي يحفظه الجميع في اروقة جنيف هو تناسي هذه المسألة كليا، في الوقت الراهن على الاقل، وهذا ما يفسر ابتسامة الاطمئنان والارتياح المرسومة على وجه السيد الجعفري ووفده في اروقة مجمع الامم المتحدة في جنيف.

* راي اليوم ـ لندن ـ الأربعاء 3 فبراير/ شباط 2016