تحليل صيني: «حرب باردة إقليمية» بين السعودية وإيران في اليمن وأخواتها، تخدم إسرائيل

بقلم/ تيان وين لين، باحث مساعد في المعهد الصيني لأبحاث العلاقات الدولية المعاصرة

شهدت الأزمة في اليمن تصعيدا مستمرا في عام 2015، خاصة بعد التدخل العسكري السعودي ضد الحوثيين، ما أعلن عن تحول الصراع في اليمن من صراع داخلي إلى صراع إقليمي. لتتحول الأزمة إلى "حرب وكالة" سعودية إيرانية، وساحة جديدة من الحرب الباردة السعودية الإيرانية التي تجري في كل مكان. وإجمالا، تسبب الصراع السعودي الإيراني في تبعات ثقيلة على المنطقة بأسرها.
تكمن التناقضات الرئيسية بين البلدين في الجوانب التالية:

أولا، المجال الأمني. تسعى إيران إلى البروز كقوة إقليمية، وتعمل على تطوير ترسانتها العسكرية، وتحرص على إمتلاك التقنية النووية. ورغم أن إيران قد صرحت في عدة مرات بأن مشروعها النووي سلمي، إلا أن السعودية تخشى من أن تستغل إيران ذلك في تطوير سلاح نووي، ودعت الدول الغربية بإستمرار إلى محاصرة المشروع النووي الإيراني.

ثانيا، الصراع الجيوسياسي. ينقص السعودية وإيران على حد السواء القوة الكافية لإرضاخ الطرف المقابل، لذلك يتجه الصراع بين البلدين إلى الدول الضعيفة كساحات صراع لتصفية الحسابات، مثل البحرين، العراق، لبنان، سوريا والعراق واليمن، في ما يعرف بحرب الوكالة. وتعد اليمن مثالا حيا على هذه الحرب.

ثالثا: حرب أسعار النفط. تعد السعودية وإيران دولتين غنيتين بإحتياطي النفط، لكن هناك تباين في السياسات النفطية بين كلا البلدان، حيث ترى السعودية، التي تمتلك أكبر إحتياطي للنفط في العالم، وتعداد سكاني قليل نسبيا، مصلحة على المدى الطويل في "زيادة الإنتاج وتراجع الأسعار"؛ لكن إيران ذات التعداد السكاني الكبير، ترغب في "الحد من الإنتاج ورفع الأسعار" من أجل تحقيق التصنيع ورفع مستوى معيشة مواطنيها. ووفقا للتقارير الإعلامية، فإن إيران تحتاج إلى بلوغ أسعار النفط مستوى 135 إلى 140 دولار للبرميل لتحقيق توازن في الموازنة المالية. أما الأمر فيختلف بالنسبة للسعودية، حيث أطلقت منذ يوليو 2014 حرب أسعار، جعلت أسعار النفط تتراجع إلى حدود 50 دولار للبرميل. طبعا يدخل ضرب صناعة الغاز الصخري والحفاظ على حصتها في السوق في حسبان السعودية، لكن إضعاف إيران يعد أحد المحركات الأساسية لحرب الأسعار.

رابعا، حرب الرأي العام. تشعر إيران بصفتها دولة شيعية فارسية بالعزلة في الشرق الأوسط، لذلك، تركز إيران بشكل إستثنائي على الدعاية الإيديولوجية وحرب الرأي العام في مسعاها للهيمنة الأقليمية. حيث تنتقد من جهة علاقات السعودية مع أمريكا وإسرائيل، ساعية بذلك إلى كسب التأييد الشعبي السعودي في معارضتها للحكومة السعودية، في المقابل تصف السعودية إيران بأن دولة "أجنبية"(شيعية صفوية) ، لرد التأثير الإيراني. وكان وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل قد وصف إيران في 20 أكتوبر 2014 بأنها "جزء من المشاكل وليس جزء من الحل."
نلاحظ أن أبعاد الحرب الباردة الجديدة التي تجري في كل مكان بين السعودية وإيران تؤثر على مختلف الصراعات التي تدور في المنطقة. لذلك، يرى بعض الخبراء أن "أفضل إطار لفهم شؤون الشرق الأوسط هو الحرب الباردة التي تقودها كل من السعودية وإيران في المنطقة."

تبعات خطيرة للصراع السعودي الإيراني

تسبب الصراع السعودي الإيراني في المنطقة في تأثيرات كبيرة على المنطقة. يمكن تلخيصها في نقطتين هامتين:

أولا، يشهد الصراع الطائفي تصعيدا مستمرا، وتزداد مختلف دول الشرق الأوسط تمزقا سياسيا، الأمر الذي خلط قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وعمّق الفوضى في المنطقة. كان "قتال العرب للعرب " من المحرمات السياسية التي طالما إلتزمت بها الدول العربية. وإذا كان إجتياح العراق للكويت في سنة 1990 قد مثل السابقة الأولى، فإن الإضطرابات التي بدأت تشهدها المنطقة منذ 2011 قد ألغى هذا المحرم. ما يعني أن الخلاف الطائفي قد حل مكان خلاف الدولة القومية بعد إنهيار بنية القوى القديمة في الشرق الأوسط، لتصبح الطائفية إحدى الخلافات الرئيسية في المنطقة. لكن الخلافات التي تأخذ نزعة طائفية، عادة ما تكون أعسر على الحل من خلافات مصالح الدول.

ثانيا، الأطراف الخارجة عن الصراع هي المستفيد الأكبر. مع تمادي الصراع السعودي الإيراني في المنطقة، لم تعد الدولة الهشة وحدها الضحية، بل أصبح طرفي الصراع (السعودية وإيران) ضحية لهذا الصراع الطاحن. أما الرابح الأكبر من هذا الصراع فهي الأطراف التي همشت من طرف التيار السياسي الرئيسي في الشرق الأوسط.

المستفيد الأول، قوى التطرف والإرهاب. بعد الإضطرابات التي عصفت بالشرق الأوسط، مثلت الفوضى التي عمت المنطقة تربة خصبة لتفريخ التنظيمات الإرهابية، ومن ثمّ باتت مقاومة الإرهاب التحدي الرئيسي لدول الشرق الأوسط. إلا أن اللعبة السياسية بين السعودية وإيران التي إمتدت على كامل رقعة الشرق الأوسط، أدت إلى إحداث تمزق سياسي داخل الدول المعنية بالإرهاب، ما أدى إبعاد مقاومة الإرهاب عن أولويات السياسات المتبعة، ومن ثم إفقاد الدولة قبضتها القوية للرد على الإرهاب، وهو الأمر الذي مكن تنظيم داعش من التعاظم بإستمرار.

المستفيد الثاني، إسرائيل. ظلت إسرائيل زمنا طويلا تعيش في محيط عربي معادي لها، لذلك كانت تأمل دائما غرق الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في مستنقع، الأمر الذي سيسهم في كسر الطوق من حولها. وسبق لوزير الخارجية الإسرائيلي أديد يعلون أن أشار في فبراير 1982، إلى ضرورة تقسيم الشرق الأوسط إلى وحدات أصغر مايمكن أن تكون وفقا للعرق والطائفة. وعلى مدى سنوات من الإضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط، تصاعدت حدة التوترات بين الدول المعتدلة والدول الممانعة، وخاصة بعد تحالف السعودية وغيرها من دول الخليح مع الدول الغربية لمواجهة ليبيا وسوريا وغيرهما من الدول المعارضة للسياسات الأمريكية، ما سرّع إتجاه التفتت في دول المنطقة.

حقق الصراع الدائر بين السعودية وإيران في الوقت الحالي، عدة مصالح إلى إسرائيل، فبعد أن كانت هناك مقاطعة عربية لإسرائيل بسبب القضية الفلسطينية، دفعت الرغبة في إحتواء إيران السعودية إلى الإقتراب أكثر من إسرائيل. وسواء إعترفت المملكة بذلك أم لا، فإن المراقب يلاحظ وجود تناغم بين السعودية وإسرائيل في الوقت الحالي، وهذا سيتسبب في إحداث آثار عميقة للشرق الأوسط. ومع تراجع الإهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، سيشهد الوضع الجيوسياسي لإسرائيل تحسنا، وستتعامل بأكثر لامبالاة.

من جهة أخرى، سيمكن الصراع السعودي الإيراني والإستنزام الداخلي كل من أمريكا وروسيا وغيرها من الدول المصدرة للسلاح من تحقيق عائدات ضخمة. وفي هذا السياق، تشير بيانات مركز ستوكهولم لأبحاث السلام، إلى أن الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط قد إرتفع بـ 57% منذ سنة 2005. من بينها العراق بـ 286%، والإمارات بـ 135%، والبحرين بـ 126% والسعودية بـ 112%. وبلغت قيمة الصفقات السعودية من السلاح في 2014 أكثر من 80 مليار دولار، محققة أعلى مستوى لها في التاريخ. وكانت أمريكا المصدر الرئيسي لهذه الأسلحة. من جهتها، ولتعزيز أمنها، لجأت إيران إلى زيادة عمليات شرائها للسلاح من روسيا.

تطلعات

ليس هناك دولة في الشرق الأوسط قادرة على أخذ الريادة وصناعة نظام إقليمي كما تريد. ومع وجود توازن في القوى بين السعودية وإيران، فلن يستطيع أي منهما إرضاخ الآخر، وهذا ما يجعل اللعبة السياسية بين الطرفين أكثر إحتداما، لكن مع بقائها في المجال القابل للسيطرة. وإذا أخذنا الحالة اليمنية كمثال، نجد أن السعودية قد إكتفت بالضربات الجوية ولم تجرؤ على التدخل البري، تفاديا لتوسيع دائرة الحرب. أما إيران فقد إكتفت بإدانة التدخل السعودي والتأكيد على رغبتها في الحل السياسي. كما طرح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مخطط من 4 نقاط لمعالجة القضية اليمنية. وبلغة أخرى، يمكن القول أن الصراع السعودي الإيراني شبيه بالحرب الباردة الأمريكية الروسية، والصدام بين الجانبين يعد صدام ذي "حدة منخفظة"، ولا يمكن أن يتحول إلى "حرب الثلاثين عام" جديدة. ويبقى المخرج الوحيد للأزمة، هو تعزيز التعاون بين الجانبين، لتخليص الشرق الأوسط من الإضطرابات والأزمات وفتح صفحة جديدة من السلم والتنمية في المنطقة.