عندما خاطب صالح زعماء عرباً: اسحبوا جنودكم فإننا نكره أن نقتلهم!

يوم الأربعاء، 9 ديسمبر كانون الأول 2015، توجه بالدعوة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، إلى أربعة من الحكام العرب بصفة تخصيصية، وبالإشارة إلى أسماء دولهم يحثهم فيها بصيغة مزجت بين النصح والتحذير على مراجعة مواقف دولهم وحكوماتهم من العدوان على اليمن، وسحب جنودهم فوراً.

كانت قد مضت نحو من تسعة أشهر منذ بداية الحملة الجوية والحرب الشاملة بما فيها الحصار الاقتصادي والعقاب الجماعي ضد اليمن واليمنيين من قبل تحالف هجين تقوده المملكة السعودية، وسقط عشرات الآلاف من المدنيين والنساء والأطفال بين شهيد وجريح، علاوة على ملايين المشردين داخلياً في أزمة بشرية وإنسانية كبيرة الحجم عززتها مفاعيل وتمويلات الحرب الداخلية والاقتتال الأهلي المدعوم والممول سعودياً بصورة رئيسية ومعلنة.

تمادي وتعنت العدوان ضرب عرض الحائط بكافة الدعوات الدولية إلى وقف الضربات الجوية ضد المدنيين والتجمعات السكانية والبنية التحتية والخدمية. عشرات التقارير العالمية ومئات الندوات والبيانات والمقالات والإعلانات لم تكن تساوي شيئاً لدى قيادة تحالف تدمير اليمن وقتل اليمنيين. استخدم نفوذ البترودولار في المؤسسات الدولية والأممية لإحباط تمرير قرار تشكيل لجنة تحقيقات محايدة في انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب والقانون الإنساني الدولي. وكان المال قادراً على شراء الجنود والجيوش عربية وغير عربية.

في المقابل توسعت الجماعات المتشددة طولاً وعرضاً وواكبت الصحافة الغربية والأمريكية، بوجه أخص، تمدد وصعود القاعدة وداعش في ظل عمليات وحروب التحالف السعودي. كل هذا حمل اليمن واليمنيين تكاليف جسيمة، ولم يكن من خيار إلا التصدي للعواصف وردها مهما كلف الثمن.. فالخسارة واقعة في الحالتين.

بالتوازي والتزامن مع عمليات حدودية وفي العمق الجنوبي من المملكة كانت القوات اليمنية (وما تبقى) من الجيش اليمني المهيكل، الممزق، المنهك، والمثخن بالخيانات والطعنات، مسنوداً باللجان ودعم شعبي، تنازل في خلال جبهات كثيرة داخلياً قوات غازية وآلاف المرتزقة الأجانب.

مساء الثلاثاء الفارط، وعشية الأربعاء، كانت ضربة كبيرة وموجعة لحقت بتجمعات المرتزقة من أمريكا اللاتينية في جبهة باب المندب - العمري (ذباب) وقتل 15 على الأقل من كولومبيين واسترالي ومكسيكي وثم بريطاني وسنغاليين، علاوة على أفارقة وآسيويين وجنود سودانيين في جبهات غرب ووسط اليمن من تعز إلى لحج.

غداة الموقعة المدوية تماماً تحدث ونشر علي عبدالله صالح، دعوة إلى دول الأشقاء (مصر والسودان والمغرب والأردن) وعلى خلفية الدوي والتداول الإعلامي العالمي للأعداد الكبيرة للقتلى من المرتزقة في التحام بشري لا مفر منه مع القوات اليمنية.

أراد صالح أن يعيد الكرة ناصحاً ومذكراً أشقاء عرب بكلفة الحرب والعدوان وحتمية دفع خسائر لا سبيل لتجنبها يمنياً في مواجهة غزاة معتدين:

"أدعو الأشقاء في المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية وجمهورية السودان والمملكة الأردنية الهاشمية إلى مراجعة مواقفهم وقراراتهم المُتسرعة للتحالف مع نظام آل سعود للعدوان على اليمن منذ تسعة شهور بدون أي ذنب اقترفه الشعب اليمني، أو مسوغ قانوني أو أخلاقي يُجيز لهم العدوان على شعبٍ شقيق لهم.. كما أدعوهم إلى اتخاذ قرارٍ جريئ وحازم بسحب قواتهم التي زجوا بها إلى أرض اليمن ليقاتلوا أبناء الشعب اليمني، وكذا إيقاف مشاركات طياريهم وخبرائهم في العدوان على اليمن، والإمعان في قتل الأطفال والنساء والشباب والشيوخ والمرضى والعجزة، وارتكاب مجازر إبادة جماعية، وتدمير مساكننا ومقدرات وطننا وكل مرافق العمل والإنتاج والبنى التحتية، وفرض الحصار الجائر والشامل على ما يزيد عن خمسة وعشرين مليون يمني، ومنع وصول الغذاء والدواء وكل ضروريات الحياة للإنسان.. وذلك بدون أي ذنب اقترفه اليمنيون".

مضمون الكلام وما بين الأسطر علاوة على التوقيت يفيد تحذيراً صريحاً بصيغة نصح ودعوة وحث. مفاده بوضوح: اسحبوا جنودكم وأبناءكم فوراً... فإننا نكره أن نقتلهم كما حدث للمرتزقة من أمريكا اللاتينية وغيرها! فما بالكم أنتم لا تكرهون قتلنا؟

لكن، وكما قال صالح نفسه في ذات الرسالة "يبدو أن المال مُغْرٍ.. وسيظل بريق الدينار والدولار والدرهم أكثر إغراءً وأقوى تأثيراً من القيم والمبادئ والأخلاق"!
ولم يستجب أو يلتفت أحد، بل كان الرئيس السوداني يعلن عن اعتزام بلاده إرسال ألف وخمسمائة جندي آخرين وأرسل المغرب ألفاً وخمسمائة جندي (..).

حدث ما كره اليمنيون أن يحدث ولا مفر، مساء الأحد وليلة الاثنين 13/ 14 ديسمبر.. في باب المندب سقط العشرات من الجنود والمرتزقة في قوات التحالف السعودي من جنسيات عربية وغير عربية، في واحدة من أقسى الضربات التي وجهها الجيش اليمني للغزاة.

هل كان هذا ما نبه منه وحذر ونصح صالح بتجنبه وسحب الجنود؟!
هل يجرؤ العرب على أخذ موقف عروبي والتراجع عن مغامرة الدم والانتحار العبثي واستجرار ميراث داحس والغبراء؟!

ابتذال الجيوش العربية

لم يقتصر الأمر على استئجار واستجلاب قتلة مرتزقة أو "كلاب حرب" بالتعبير الغربي، إلى اليمن من دول أمريكا اللاتينية، كولومبيا وبنما والسلفادور وتشيلي لحساب الإماراتيين، كما يورد تقرير نيويورك تايمز، لكن الأسوأ هو ابتذال جيوش وقوات عربية رسمية وشبه رسمية كمرتزقة بالمثل مقابل المال لقتال اليمنيين وبذل خدمات القتل في اليمن!

عند هذا المستوى من التوحش وسمرة الدم والارتزاق، كيف يمكن أن يقال لليمنيين المستهدفين في بلادهم وديارهم ومدنهم لا تقتلوا عرباً؟! نكره أن نقتلهم ولكنكم لا تتركون لنا خياراً آخر إلا أن يقتلوننا ونتفرج، بما يعني هذا الكلام جاء في رسالة صالح لأربعة أنظمة عربية. وهو لم يستخدم في وصفهم "مرتزقة" بل قال جنوداً "جنودكم"!

الموقع الأمريكي كاونتر بونتش الأمريكي، نشر مؤخراً تقريراً بمعلومات جديدة حول مرتزقة بلاك في تقرير بعنوان "المرتزقة في اليمن – والعلاقة الأمريكية"، ويشير بوضوح إلى أن هذه الاستراتيجية التي وضعتها الدفاع الأمريكية تزيد من عدد القتلى المدنيين وتغذي أرباح الحرب.

ووفقاً للمحلل ويليام هارتونغ، فإن حكومة الولايات المتحدة قامت بتدريب ما مجموعه 30.000 جندي من 4 بلدان مختلفة، والتي يشكل بعض منها قوة من مرتزقة أمريكا اللاتينية في اليمن، كما تعقد معهم صفقات للقتال لصالحها وصالح حلفائها في مختلف دول العالم ويعملون بصفة رسمية مع الجيش الإماراتي.

وقال: إن الولايات المتحدة لها مصالح قوية في المنطقة، ولكنها لا ترغب أن يعود جنودها إلى الوطن في صناديق الجثث، لهذا كان الحل استئجار المرتزقة من بلدان أمريكا اللاتينية الفقيرة.

فهل أن الولايات المتحدة حريصة على حياة جنودها بعكس العرب الذين يبيعون جنوداً وجيوشاً بالأموال لا أكثر؟!