"المونيتور": الحرب السعودية على اليمن كمصدر "إذلال" للمملكة: 2،2 مليار دولار للرئيس السوداني

شكّلت حملة السعودية العسكرية الكارثية على اليمن مصدر إذلال للمملكة. وفي محاولة للمحافظة على سيطرتها على المتمردين الحوثيين، طلبت السعودية العون على الأرض من السودان ودول إفريقية أخرى. وتدريجياً، يجب تحليل قدرة السعودية على تأمين التزام من القوات المسلحة السودانية ضمن سياق المشاكل المحلية في السودان التي تركت البلاد على شفير التدهور الاقتصادي التامّ.

منذ عام 1997، أضعفت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بنك السودان المركزي قدرة البلاد على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية والعملة الصعبة. وقد استنزفت النزاعات المستمرّة بين القوات المسلحة السودانية والثوار في درفور ومحافظات جنوب كردفان والنيل الأزرق الموارد وأدّت إلى تراجع ثقة المستثمرين. عندما انفصل جنوب السودان في عام 2011، خسرت البلاد ثلث أراضيها ومعظم مواردها النفطية. وقد أدّت أسعار النفط المنخفضة إلى تقليص الإيرادات. نتيجة هذه الأوضاع الكئيبة، سعى المسؤولون في العاصمة خرطوم إلى التماس المساعدة المالية من حلفائهم في الخليج العربي.

وبالفعل، أمّن أعضاء مجلس التعاون الخليجي شريان حياة مالية مهمّ للسودان الذي يخضع لعقوبات صارمة. وقد أعلنت البلاد حديثاً أنّ المسؤولين في الرياض أودعوا مليار دولار في بنك سودان المركزي في بداية هذا العام. كما أودع القطريون 1،22 مليار دولار بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير للدوحة العام الماضي. كذلك، المساهمون الثلاثة الرئيسيون في مصرف خرطوم هم مصرف دبي الإسلامي ومصرف أبوظبي الإسلامي ومصرف الشارقة الإسلامي.

ولكنّ الدعم لا يُقدّم إلى السودان من دون أيّ مقابل.

فالسودان يدفع الآن ثمن المساعدات التي وصلته عبر المحاربة في اليمن. وفي الأسابيع القليلة الماضية، انضمّ مئات الجنود والضباط إلى جنود القوات المسلحة السودانية الذين يبلغ عددهم ألف جندي تقريباً والذين سبق أن انضمّوا إلى أرض المعركة. في شهر تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، "ثمّة 6 آلاف جندي من القوات الخاصة والقوات البرية وقوات النخبة وجميعها مستعدّة للمشاركة عندما تطلب منها قيادة التحالف ذلك. حتى لو برزت الحاجة إلى المزيد من الجنود والمساهمة العسكرية، نحن مستعدّون لأيّ تطورات."

في الصورة الجيوسياسية الأكبر، إيران التي تدعم الحوثيين هي المشكلة الرئيسية التي يختار البعض التغاضي عنها.

انضمّ السودان إلى تحالف السعودية على الرغم من قضائه سنوات عديدة في ترسيخ علاقاته مع إيران. في عام 2008، وقّع المسؤولون السودانيون والإيرانيون على اتفاق تعاون عسكري، وفي عام 2013، ضاعفت إيران بناءها لقواعد بحرية ولوجستية في بورتسودان. يتشارك السودان وإيران أهدافاً جيوسياسية ويُعتبر السودان ممرّاً استراتيجياً إلى القارة الإفريقية لإيران. كما أنّ إيران تقدّم دعماً مالياً وعسكرياً للسودان. وقد كانت العلاقة بين البلدين مقلقة بشكل كبير للمسؤولين الإسرائيليين والغربيين والخليجيين. (في شهر آب/أغسطس 2013، منعت السعودية الرئيس السوداني من اختراق أجوائها عندما كان مسافراً لحضور حفل ارتسام الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي كان قد انتُخب حديثاً. بالتالي، اضطُرّت الطائرة إلى العودة إلى الخرطوم).

ولكن في عام 2014، أخذت العلاقات بين السودان وإيران منحىً جديداً. ففي شهر أيلول/سبتمبر 2014، أغلقت السلطات السودانية المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم وفي مناطق أخرى، زاعمةً أنها محاولات من إيران لنشر الطقوس الشيعية في السودان. ولكن، في الواقع، لا تشكّل الأقلية الشيعية الصغيرة في السودان خطراً فعلياً على النظام الحاكم كما أنّ إغلاق المراكز الثقافية يمكن تفسيره ضمن سياق ميل السودان الجيوسياسي إلى السعودية.

بعد شهر على إغلاق المراكز الثقافية، سعى البشير إلى إبعاد السودان عن إيران أكثر بعد وأعلن أنّ النظرة السلبية للسعودية إلى العلاقة الفعلية بين السودان وإيران مرتكزة على معلومات "خاطئة ومركّبة ومبالغ فيها." وقلّل من شأن العلاقات بين إيران والسودان عبر الإشارة إلى رفض إيران دعم السودان عندما واجه مشاكل اقتصادية بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011. وقال البشير، "نحن السودانيون تمكّنا من تخطّي هذه الفترة العصيبة بتميّز من دون دعم إيران، حتى بقرش واحد. لم تقدّم لنا إيران سوى وعود فانية ولذلك لا نعتبر علاقاتنا معها إستراتيجية." لعلّ أولى علامات ميل السودان إلى دول الخليج وبعيداً عن إيران برزت في شهر آب/أغسطس 2013 عندما أفادت صحيفة "نيو يورك تايمز" أنّ السودان منح الثوار السوريين أسلحت سودانية وصينية الصنع عبر قطر.

كما أنّ المحكمة الجنائية الدولية تريد محاكمة البشير لجرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها، لذا فإنّ مشاركة السودان في التحالف الذي ترعاه الولايات المتحدة أثارت صدمة ناشطي حقوق الإنسان في الغرب. ووفقاً لأكشايا كومار من "هيومن رايتس ووتش"، "تغاضى الجنود السودانيون عن قوانين الحرب واعتدوا على المدنيين وفرّوا من العقاب (في جنوب كردفان والنيل الأرزق)...في حين لا نعرف أيّ وحدات أُرسلت إلى اليمن، نحن متأكدون من أنّها تتحدّر من جيش لديه نسب مروّع."

لا شكّ في أنّ إدارة أوباما تواجه معضلة إذ أنها وجدت نفسها أمام شراكة عسكرية محتمة مع نظام عاقبته بالعقوبات الاقتصادية والحظر على توريد الأسلحة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها، بما في ذلك الإبادات الجماعية والإرهاب الذي ترعاه الدولة.

أما السعودية، بالطبع، فهي لا تفرض أي اختبار لحقوق الإنسان على شركائها في التدخل في اليمن. فالحقيقة هي أنّ القوات المسلحة السودانية تملك سنوات من الخبرة في مجال مكافحة التمرّد ونظراً لرفض بعض الحلفاء العسكريين التقليديين للسعودية إرسال قوات برية إلى اليمن، كان من البديهي أن تلجأ المملكة إلى السودان لجمع المزيد من القوى.

على الرغم من أنّ التوتر بين السعودية والسودان كان ينبع سابقاً من دعم السودان لحماس والإخوان المسلمين في مصر، يبدو أنّ هذا التوتر يتبخّر. وفي حين يسعى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز السعود إلى توحيد العالم العربي السنّي خلف المملكة لمواجهة التأثير الإيراني، ترى السعودية السودان كلاعب رئيسي في هذه الاستراتيجية المتعلقة بالسياسة الخارجية. وبالفعل، إنّ السودان الذي هو عضو في الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ويقع على ضفاف البحر الأحمر الإستراتيجي يلعب دوراً مميزاً في النظام الجيوسياسي للشرق الأوسط، وغالباً ما يتجاهل المحلّلون هذا العامل الأساسي.

واليوم، يقف اقتصاد السودان المتزعزع على شفير الانهيار وباتت العقوبات تضيّق على البنك المركزي بشكل كبير. وقد نجح القادة السودانيون في تفادي الربيع العربي حتى الآن، ولكنّ معدّلات التضخم المرتفعة والبطالة (تحديداً في صفوف الشباب في المدن) ومستويات الفقر قد تغذي المعارضة المتزايدة للحكم. وقد برزت هذه القدرة في مواجهة الحكم في شهر أيلول/سبتمبر 2013 عندما تصادم المتظاهرون ضدّ التقشف مع قوى الأمن في الخرطوم، ما أدّى إلى العديد من القتلى والجرحى والاعتقالات. وبشكل عام، تشكّل استمرارية الحكم مصدر قلق للبشير وسط التماس الخرطوم المساعدة من دول الخليج لتخفيف المخاطر المرتبطة بتدهور الأزمة الاقتصادية في البلاد.

ويدفع السودان ثمن الشريان الحيوي المالي الذي يستمدّه من دول الخليج عبر مشاركته في الحرب الأهلية المتصاعدة في اليمن.