د/عبد العزيز المقالح: من انتفاضة الحجر إلى انتفاضة السكين

يا للعدد الهائل من الكتابات النثرية والشعرية التي رافقت "انتفاضة الحجارة" في زمنها الخالد والنابض بالحيوية والشعور القومي الصادق. ثم ياللصمت المزري الذي يرافق "انتفاضة السكين" الآن . حين جاءت انتفاضة الحجر كان ما يزال الجسد العربي ينبض وما يزال روح المقاومة متقداً.

ولهذا كانت تلك الثورة اللاهبة من الكتابات التي ساندت الانتفاضة وأشعلت الوجدان العربي من المحيط إلى الخليج، وهي التي جعلت قادة الكيان الصهيوني يحنون رؤوسهم قسراً للحجر ويسعون لدى حُماتهم طالبين البحث عن حلول لإيقاف ذلك المد الأسطوري الذي تزعمته حجارة أرض فلسطين. كان المناخ مختلفاً، وكان الشعب العربي ما يزال يتحفّز لياخذ بعض حقوقه المسلوبة تدريجياً وقادراً على الضغط المتواصل على الأنظمة لكي تحدد موقفها بوضوح من المبادرات الاستسلامية والابتعاد عن لعبة المناورة والمساومة على ما ليس لهم فيه حق، وما لا يجوز المساس به وهو "القضية المركزية" للأمة العربية في شتى أقطارها.

والآن ليس غريباً في مناخ متراجع ومريض كهذا أن يبدو الحديث عن فلسطين ومأساتها المتجددة والمتصاعدة خافتاً ومحصوراً في نطاق ضيق تمارسه قلة أكثريتها من الفلسطينيين، وأن تأتي الكتابات في نبرة واحدة، نبرة رثائية حزينة تبدأ من الحديث عن صراع الأخوة أبناء القضية فيما بينهم وتنتهى بالحديث عن التشرذم العربي الذي يساعد بدوره على نشر مزيد من التشاؤم والقنوط مما ينعكس سلباً على الواقع العربي عامة والفلسطيني خاصة. وقد رافق واقع الانخذال هذا أصوات لا تتردد عن القول بوقاحة تامة "لن نكون فلسطينين أكثر من الفلسطينيين!!" وهي عبارة ذات دلالة لا تخفي الرغبة في التخلي عن القضية والبحث عن مبررات للهروب والتقاعس عن الواجب العام نحو أهم قضية عربية هي في رأي العقلاء وعلماء السياسة مفتاح كل القضايا الثانوية التي يعاني منها الوطن العربي بأقطاره التي تناسخت وصارت أكثر من عشرين قطراً. وليس لمندوبي هذه الأقطار فيما سمي بالجامعة العربية سوى حضور الاجتماعات أو بالأحرى الحفلات الدورية والتقاط الصور التذكارية.

من انتفاضة الحجر إلى انتفاضة السكين -------------------------------------------يا للعدد الهائل من الكتابات النثرية وال...

‎Posted by ‎عبد العزيز المقالح‎ on‎ 3 نوفمبر، 2015

لقد نجحت انتفاضة الحجارة وحقق أطفالها تقدماً كبيراً وواضحاً في الواقع الفلسطيني آنذاك. والآن يحدونا أمل لا محدود في أن تحقق انتفاضة السكاكين نقلة أهم وأوسع لصالح القضية بمساندة عربية وتعاون عالمي تمكن من وضع حد للاستيطان المستمر والمتوسع في هدم بيوت المواطنين الفلسطينيين لتبني مكانها بيوت للمستوطنين في عمليات هي الأقسى والأفظع في تاريخ العدوان على البشر وحياتهم وممتلكاتهم. لقد عانى اشقاؤنا كثيراً وهم الآن يعانون من قهر أسوأ وأمرّ نظراً للحروب التي تخوضها بعض الأقطار العربية مع نفسها ومع بعضها ولتراجع مستوى الاهتمام بالقضية المركزية إلى مادون الحد الأدنى، واستقواء العدو الصهيوني مقابل الضعف العربي الراهن وانخراط معظم الأقطار العربية في معارك لا تأخذ معها في واقع الحال القادة وحدهم وإنما تستأثر كذلك باهتمام الملايين الذين باتوا يتابعون ما يجري أو يشاركون فيه متجاهلين أو ناسين قضايا أساسية كانت موضع اهتمام الشارع وانشغالاته اليومية.

ويمكن لنا، هنا والآن، استرجاع صرخة الشاعر الكبير محمود درويش "ياوحدنا"!! تلك التي أطلقها في بيروت أوائل الثمانينيات في أثناء حصار جنود الاحتلال الصهيوني لهذه المدينة العربية وقتل الأطفال الفلسطينيين والتمثيل بأجسادهم والإصرار على قطع رأس المقاومة الفلسطينية التي اضطرت تحت ضغوط متعددة إلى الانتقال إلى تونس، أقول يمكن لنا، هنا والآن استرجاع تلك الصرخة فالحال لم يختلف ولم يتغير فالاحتلال يحاصر الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة وفي كل من غزة والضفة ويمارس التقتيل والتهجير وتدمير المنازل واقتلاع الاشجار المثمرة. وكل ذلك يتم في غياب تام للموقف العربي والتضامن الإنساني العالمي. وفي هذه الانتفاضة الجديدة "انتفاضة السكين" ما أحوج اشقائنا إلى مساندة جادة ومواقف صارمة تجعل هذه الحركة الاستثنائية تؤتي نتائجها وتضع حداً لبطش الكيان العدواني المفرط في وحشيته.