تدمير الآثار جزء من جرائم الحرب.. ينبغي أن يمتد هذا ليشمل اليمن وخاصةً عاصمتها

Belkis Wille
Yemen and Kuwait Researcher, Middle East and North Africa Division

James Ross
Legal and Policy Director

شرعت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للمرة الأولى بإجراءات متعلّقة بجرائم الحرب ضد ميليشيا إسلامية متشددة متّهمة بتدمير معالم تاريخية.

تعكس هذه الاتهامات الاهتمام العالمي المتزايد بشأن سلامة الآثار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها مواقع التراث العالمي المسجّلة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو". يشنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" والمجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة على نحو متزايد هجمات متعمدة على المعالم الدينية القيّمة.

ينبغي أن يمتد هذا الاهتمام ليشمل اليمن وخاصةً عاصمتها.

كم هي مذهلة مشاهد البلدة القديمة في صنعاء من مطعم على سطح فندق برج السلام. تتزاحم المساجد والمآذن في العاصمة اليمنية "كمدينة داخل مدينة". وتتكدس المباني متعددة الطوابق والمبنية من التراب والطوب المضغوط لتشكل أنماطاً هندسيةً بيضاء معقدة يمكن مقارنتها بكعكات الزفاف المحشورة معاً على طول الشوارع الضيقة، وتضيف الحدائق الصغيرة دفقات خضراء.

أدرِجت مدينة صنعاء القديمة والمأهولة منذ أكثر من 2500 عام، ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1986، وفيها ما يقارب 6000 منزل وأكثر من 100 مسجد بُنيت قبل القرن الحادي عشر. أسكنت هذه الهياكل العائلات لأجيال عديدة، وبعد كل ذلك هي الآن في خطر داهم.

تسلّلت قوات أنصار الله، المعروفة أيضاً باسم الحوثيين، قبل عام من شمال اليمن واحتلّت العاصمة، وبحلول فبراير/شباط طردت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وفي 26 مارس/آذار بدأت قوات التحالف من 9 دول عربية تقودها السعودية حملة جوية ضد الحوثيين، فيما تقدم الولايات المتحدة لها الدعم الاستخباري واللوجستي.

كانت الحملة الجوية مسؤولة عن معظم ما يقرب من 2100 حالة وفاة بين المدنيين نتيجةً للقتال، وفقاً للأمم المتحدة. استخدمت عديد من الغارات الجوية على صنعاء وعلى معقل الحوثيين شمال صعدة وعلى غيرها من المدن، الذخائر العنقودية وهي القنابل أو الصواريخ أو القذائف التي تحتوي على قنابل صغيرة عديدة مصمّمة لتنفجر بعد انتشارها على مساحة واسعة. تؤذي هذه الأسلحة المدنيين دون تمييز في انتهاك لقوانين الحرب. كما ارتكب الحوثيون انتهاكات، بما فيها الهجمات الصاروخية العشوائية.

انتقل الحوثيون الى مدينة صنعاء القديمة منذ عام 2011، وقد يعرّضها تموضع القوات أو تخزين الأسلحة فيها لهجمات عسكرية. في الآونة الأخيرة، تتقدم القوات اليمنية الموالية والمدعومة بقوات من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تجاه مدينة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تقع على بعد 170 كيلومتراً شرق صنعاء، ويعتقد بعض العلماء أنها عاصمة مملكة سبأ المذكورة في الكتاب المقدس. يمكن أن تصبح هذه المدينة قاعدة للهجوم البري على صنعاء.

لاحظت اليونسكو الخطر الذي يهدّد المدينة القديمة، وأضافتها إلى قائمة عام 2015 للتراث العالمي المهدد بالخطر. وبعد انفجار 12 يونيو/حزيران في البلدة القديمة الذي دمر عديداً من المباني وقتل خمسة أشخاص، حثّت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، كافة الأطراف إلى حماية التراث الثقافي في اليمن.

قالت بوكوفا: "أشعر بالأسى العميق لفقدان الأرواح البشرية فضلاً عن الأضرار التي لحقت بواحد من أقدم جواهر العالم للتراث الحضري الإسلامي"، وأضافت:" يصدمني مشهد هذه الصور الرائعة، والمنازل المتعددة الطوابق والحدائق الهادئة وهي تتحول إلى ركام."

نفى التحالف في الوقت نفسه أن الانفجار كان نتيجة غارة جوية، ولكن في 19 سبتمبر/أيلول ضربت غارة جوية لقوات التحالف مبنى سكنياً في المدينة القديمة، ما أفضى إلى مقتل 9 أفراد من عائلة واحدة حسب تقارير.

ومنذ أعمال التدوين الأولى لقوانين الحرب في القرن التاسع عشر، هناك اعتراف بأن أكثر كيانات الحضارة قيمةً تستحق رعاية خاصة وحماية. أدى الدمار الهائل للتراث الثقافي البشري خلال الحرب العالمية الثانية - دير مونتي كازينو في إيطاليا أحد الأمثلة المأساوية العديدة – إلى تقديم دفعة لصياغة اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية صادقت عليها حتى الآن 111 دولة، بما في ذلك اليمن.

تسعى اتفاقية لاهاي وبروتوكولها لعام 1999 إلى حماية "الممتلكات ذات الأهمية الكبيرة للتراث الثقافي لكل الشعوب" من خلال منع الأطراف في أي نزاع مسلح من استخدام هذه الممتلكات لأغراض قد تعرّضها للتدمير أو الضرر. لا يجوز ارتكاب أعمال عدائية ضد هذه الممتلكات إلا إذا تم استخدامها لأغراض عسكرية، وكان هناك ضرورة عسكرية ملحّة للقيام بذلك.

حدّد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مهاجمة الآثار التاريخية من بين غيرها من المباني عمداً على أنها جريمة حرب، ما لم تكن أهدافاً عسكرية.

هذا يعني أنّه يجب على الحوثيين تحريك قواتهم بعيداً عن المدينة القديمة، ويعني أيضاً أن على قوات التحالف أخذ اتفاقية لاهاي للحماية في الحسبان إن قررت مهاجمة أي قوات للحوثيين هناك.

لا يمكن للقانون الدولي وحده أن يوقف التحالف السعودي عن مهاجمة مدينة صنعاء القديمة إذا تم نشر قوات عسكرية الحوثيين هناك، إذ يجب على الولايات المتحدة ومؤيدي التحالف الآخرين، بما في ذلك بريطانيا، إظهار قلقهم تجاه هذا التهديد الوشيك لتراث اليمن والإنسانية الثقافي.

ينبغي ألا تصبح المشاهد من سطح برج السلام مجرد ذكرى.

 
* لقراءة المقال الأصلي من المصدر- هيومن رايتس ووتش