الحوار الوطني..

دخل مؤتمر الحوار الوطني الشامل مرحلة حاسمة بتوزيع أعضاء المؤتمر على تسع فرق التي ستبدأ عملها الفعلي الأسبوع المقبل، وستناقش على مدى شهرين تسع قضايا محورية سترسم معالم الدولة اليمنية "الجمهورية الجديدة". ومع غياب الوصفات الجاهزة، التي نفى أمرها المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر، جميع المتحاورين ملزمون أمام الشعب بأن يخلصوا البناء وأن يستحضروا التاريخ لتجاوز مآسيه والتوجه صوب بناء سياسة إدماجية لا اقصائية تأخذ كل القرارات والاهتمامات في الحسبان. وبغض النظر عما ساد جلسات المؤتمر العامة خلال الاسبوعين الماضيين من لغة عالية، وضغط كبير من الجماهير المترقبة، وضغط الوقت، وحتى لا يكون حوار اللجان التسع "حوار طرشان"، ينبغي أن يعي الجميع أن الوقت حان للتفكير الجدي والبناء بالمستقبل حيث الاستثمار والاستدامة اللتان هما أساسان متينان للتنمية المحلية. ويأمل المواطن اليمني أن يعي الجميع مسؤوليته ويترفع عن المصالح والولاءات الضيقة ويتجهوا صوب بناء اليمن الجديد والمستقبل الأفضل لليمنيين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم، الذين يترقبون وأيديهم على قلوبهم لما ستؤول إليه نتائج المؤتمر معلقين كل الآمال على المشاركين في المؤتمر على بناء أسس دولة المواطنة المتساوية والحرية والكرامة والعدالة التي ينشدونها، وأن تبقى اليمن واليمن فقط "مظلة المتحاورين الذين أقسموا أن يعملوا بإخلاص لها بعيداً عن ولاءاتهم وأحزابهم ومصالحهم". وفي هذا الصدد يقول عضو مؤتمر الحوار الوطني فارس السقاف إن "الحوار الوطني تجربة فريدة ونادرة وغير مسبوقة في القضية اليمنية، وان اليمنيين الذين كانوا يتصارعون الان يلتقون على طاولة واحدة، لابد ان تكون تستدعي الماضي ولكن مع ذلك نحن قررنا انه لا يمكن حل الخلافات الا بالحوار، معتبراً ان هذه المسألة اظهرت نوع من جدية اليمنيين". من جانبه، تساءل عضو مؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد عبيد بن دغر بقوله "إذا لم نصنع توافقاً وحلولاً في هذا المؤتمر، متى سنصنعها"، مشيراً إلى أن "كل الخيارات ضاقت أمامنا وعلينا ان ندرك هذا جيدا أو ان الذين جاءوا الى المؤتمر يجب ان يأتوا بروح متفائلة ويفكروا بالمستقبل اكثر مما يفكروا بالماضي". وقال: "أن نتخندق حول صراعاتنا وماضينا هذا لا يوفر الامن والاستقرار ولا يحافظ على اليمن الموحد"، مشددا على ضرورة "تضميد الجراح والنظر الى المستقبل والاجيال اللاحقة"، لافتاً إلى "الوحدة لا يمكن ان تكون لطرف ضد طرف آخر ، وتحقيق العدالة والمساواة ليمن اليوم والمستقبل هو الاساس لضمان حل كافة الاشكاليات". من جانبه يؤكد رئيس تحرير موقع المشهد اليمني عبدالرحمن البيل، أن "مؤتمر الحوار أصبح ضرورة من اجل الوصول الى توافق والخروج برؤى موحدة من خلال الطرح والأخذ والرد ومن خلال الاجماع بحسب لوائح الحوار واللجان المنبثقة". وقال: "على الرغم من وجود اخطاء وتجاوزات في مسيرة الحوار سواءا في النسب الممثلة وأشياء اخرى الا انه لا مناص من القول إن الحوار يجب ان يكتمل ويصل الى حلول تخرج اليمن من ازمته الحالية". وأضاف: "يجب تجاوز الاخطاء التي قد لا تصل الى حد الاخلال بكل شيء من اجل انجاح الحوار"، مشيراً إلى أن "التجاوز بحد ذاته دليل على ان اليمنيين يسعون جادين الى البدء بوضع أفضل يحققه الحوار لتأسيس دوله قد تكون توافقية بامتياز". ويؤكد المواطنون اليمنيون على ضرورة أن تصب مخرجات المؤتمر الوطني في التفرغ لبناء الإنسان الذي ظل على مدى العقود الماضية طي النسيان، ووقوداً لصراعات حولت "اليمن السعيد" إلى "غير السعيد" وجعلت من الإنسان الذي كرمه خالقه وحمله على البر والبحر، يساق كالأغنام إلى "المسالخ"، رغم أن صلاحه أساس بناء المجتمعات والحضارات التي كان الإنسان اليمني السبّاق في بنائها وتشييدها ولنا في التاريخ عبرة. ويقول المواطن محمد السماوي، (35 عاما) والذي يملك محلاً تجارياً: "منذ أن قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر ونحن نتجرع الويلات، وما إن نخرج من أزمة حتى ندخل في أخرى وتكون أشد من سابقتها، ونأمل أن يخرج مؤتمر الحوار الوطني بصورة تشرف كل اليمنيين، وتعيد للمواطن كرامته التي انتهكت لسنوات، وتجعل من اليمن قبلة للشرق والغرب في الحضارة والتقدم". ورغم أنه يمكن القول إن التحول بالكاد بدأ وبدأ العمل الشاق ، ورغم إن بدا النجاح صعب المنال فإن الفشل سيكون حتمياً إن نسي المتحاورون لماذا خرج الناس إلى الشوارع في المقام الأول، "فالبداية جيدة لكن ستظل مسيرتها طويلة الأمد في سن القوانين وبناء المؤسسات". ويكمن التحدي الأساس للمشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، في اتخاذ قرارات على أساس مصلحة أجيال المستقبل لا على أساس ما ينتقم من الماضي، فبعد عقود طويلة من التسلط سيكون اليمنيون بحاجة إلى أكثر من الطوب وبطاقات الاقتراع لبناء المستقبل، فالأمم التي تعيش في "غرف الإنعاش" بحاجة إلى مصالحة مع ماضيها لكي تبني مستقبلاً أفضل".