المونيتور الأمريكية: العصابات البلطجية تهدد حياة اليمنيين في مصر

رغم هروب اليمنيّين من الصراعات الدّائرة فى بلادهم والحرب التي تقودها السعودية، ومحاولاتهم تأمين أنفسهم وأسرهم بالفرار إلى مصر ، كوسيلة لتفادي الاشتباكات والحرب هناك، إلا أنّ حياتهم لم تبعد عن المخاطر ولم يجدوا الحياة الآمنة الّتي سعوا إليها في مصر.

ففي مصر، نشأت عصابات مسلّحة وعناصر من البلطجيّة، تستهدف اليمنيّين المقيمين في القاهرة وتروّعهم وتبثّ الذعر والخوف في نفوسهم بهدف الربح وكسب مبالغ شهريّة، وذلك من خلال فرض "إتاوات"، وهذا كلّه في غياب واضح لجهات الأمن المصريّة والسفارة اليمنيّة .

من أمام السفارة اليمنيّة الكائنة في حيّ الدقي، يتابع أحد عناصر البلطجيّة تحرّكاتهم. وبعد الرّصد والمتابعة، يعرض المساعدة في الحصول على المسكن المناسب وتلبية كلّ حاجاتها في مقابل "إتاوات" تسدّدها كلّ شهر، وإلا اختطفها وسرقها، وكلّ ذلك تحت تهديد السلاح .

ولم يستطع محمّد مخيمر، وهو أحد اليمنيّين المقيمين في القاهرة، إلاّ الرضوخ إلى مطالب البلطجيّة، وإعطائهم مبلغاً شهريّاً، قيمته 2000 جنيه، مقابل حمايته وعدم التعرّض له،"هذه المجموعات الشعبية "مجهولة الهوية" تنجح في توفير الحماية له من أي أذى قد يتعرض له، وتقوم بإرشاده وتحميه من فساد التجار، وابتزاز أهالي المنطقة له" وإنهاء كلّ مستلزماته المعيشيّة من دون المساس بها .

ويقطن مخيمر، الّذي يبلغ من العمر 51 عاماً، في منطقة "فيصل" الكائنة بمحافظة الجيزة، ثاني أكبر محافظة في مصر، وهو متزوّج ولديه ثلاثة أبناء. يقول لـ المونتور: أثناء خروجي من السفارة اليمنيّة، وبمجرد وصولي إلى القاهرة، بعد محاولة الفرار من الموت المحدق في اليمن واشتداد الحرب الّتي شنّتها قوّات التّحالف بقيادة الممكلة العربيّة السعوديّة وبمشاركة مصر، قابلني ثلاثة أشخاص، يرتدون بذلاً سوداء، فعرّفوني بأنفسهم على أنّهم ضبّاط شرطة، وطلبوا مني جواز السفر للتأكّد من سلامته. ثمّ اصطحبوني إلى عربة خاصّة، وطلب أحدهم من الآخر تفتيشي، وكان معي في حينها 900 دولار، فشرحوا لي خطورة الأوضاع في مصر ومدى حاجتي للحماية في مقابل 2000 جنيه شهريّاً. وتحت تهديد السلاح، أدفع لهم ذلك المبلغ شهريّاً . وقال مخيمر: "لم أتجرأ على الرّفض حتّى لا تتعرّض حياتي وحياة أسرتي للخطر".

وطبقاً للمستشار إبراهيم الجهمي، مسؤول شؤون المغتربين في السفارة اليمنيّة الحالي: يقطن في مصر 25 ألف يمنيّ إقامة كاملة، إضافة إلى 15 ألف طالب يدرسون في الجامعات المصريّة، و135 يأتون إلى مصر سنويّاً.

أمّا ابراهيم المحمّدي، وهو أحد اليمنيّين المقيمين في منطقة "فيصل" أيضاً، فرفض الرضوخ إلى مطالب عناصر البلطجيّة في مصر بدفع "إتاوات" شهريّة لها، وحرّر محضراً في قسم شرطة منطقة "فيصل"، إذ تمّت سرقة 150 ألف جنيه من منزله، وهو ما قابلته قوات الأمن باهتمام بالغ كما أشار المحمدي، وقامت بإرسال المحضر إلي النيابة العامة لتتولى التحقيق، ولكن المحمدي خشية على نفسه رفض الاستمرار في تعاونه مع قوات الأمن، وآثر الصمت بعد أن هدّده البلطجية بالقتل إذا تعاون معهم .

وفي هذا الإطار، قال المحمّدي لـ"المونيتور": لقد سرق البلطجيّة كلّ أموالي، الّتي كنت أحتفظ بها لشراء شقّة سكنيّة وفق نظام التّمليك، بدلاً من تلك الشقّة الّتي استأجرتها. والآن، لم يعد لديّ أموال للإنفاق فى المستقبل .

وعن دور السفارة اليمنيّة، قال المحمّدي: سرقت أموالي، ولم تفعل السفارة شيئاً. لقد أصبحت حياتنا مهدّدة بالخطر ولم تكلّف السفارة نفسها بتأمين. يموت اليمنيّون جوعاً في القاهرة، ولم تحرّك السفارة ساكناً، فما تقوله: "أترك رقم هاتفك وصورة عن جواز سفرك، وسنتابع معك الموقف .

وهذا ما نفاه مسؤول شؤون المغتربين في السفارة اليمنيّة بالقاهرة لـ"المونيتور"، إذ رأى أنّ السفارة اليمنيّة تقدّم كلّ أوجه الدّعم والمساعدة على أكمل وجه، معتبراً أنّ السفارة ليس في وسعها أن تفعل أكثر من ذلك .

وتعليقاً على عمليّات التّرويع والتّخويف للجاليات اليمنيّة في مصر، قال: "جاء إلينا الكثير من اليمنيّين يطالبون بحمايتهم من عناصر البلطجيّة ومن فرض الإتاوات، وطالبنا منهم السكن في أماكن قريبة من السفارة، كمنطقة الدقي والعجوزة والمهندسين والمنيل حتّى نستطيع حمايتهم، باعتبار أنّ في تلك الأماكن هناك تواجداً أمنيّاً مكثّفاً. وبالتّالي، سيكونون تحت مظلّة السفارة ".

أضاف: "هناك مشكلة في ثقافة المواطن اليمنيّ تسهل سرقته في القاهرة، وهي أنّه يسير في الشارع حاملاً كلّ الأموال الّتي في حوزته داخل جيبه، ولا يعلم جيّداً بأسماء الشوارع والميادين في القاهرة، فضلاً عن طريقة معاملته لعناصر البلطجيّة، فلا يتجرّأ على إبلاغ قسم الشرطة أو حتّى الاستنجاد بالمارّة في الطرق بسبب خوفه".

واعتبر الجهمي أنّ قرار السلطات المصريّة بفرض التأشيرات على اليمنيّين، أمر لا بدّ من تصحيحه فوراً، لأنّه سيؤثّر سلباً على العلاقات بين الدولتين، خصوصاً أنّ هناك 135 ألف يمنيّ يأتون سنويّاً إلى مصر للسياحة العلاجيّة، وإنفاقات بقيمة 670 مليون دولار على شراء الأدوية منها.

ومن جهته، أشار الخبير الأمنيّ اللّواء مجدي الشاهد لـ"المونيتور" إلى أنّ تأمين الجاليات اليمنيّة هو جزء أصيل من اختصاصات الأمن، مطالباً إيّاها بعدم دفع "إتاوات" إلى البلطجيّة وابلاغ جهاز الشرطة في حال تعرّضها إلى أيّ أذى.

ونصح الشاهد اليمنيّين بعدم التّواجد في أماكن عشوائيّة والحرص على السكن في أماكن بوسط القاهرة ذات كثافة أمنيّة، حتّى لا تسهل عمليّة الاستيلاء على أموالهم أو الاعتداء عليهم .