صراع بقايا الإمامة مع منجزات ثورة سبتمبر المجيدة

قُصفت آخر طائرة تُقل المرضى والطلاب والحجاج اليمنيين على يد الكيان الإسرائيلي، في مشهد يُجسد كيف يدفع الشعب اليمني ثمن العدوان الخارجي  وعدوان واستبداد الداخل ممثلاً بميليشيا الحوثي، وما بين صواريخ المعتدين وقذائف العدو الداخلي، يظل اليمني وحيداً، بين عدو لا يرحم وعدو يتلذذ بموته.

في زمن تتسابق فيه الشعوب نحو الفضاء، ينتشي الحوثي بقصف الطائرات المدنية، لا لشيء إلا لأنه يحمل حقداً تاريخياً على فكرة الحياة، وعلى كل مقدرات ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيدة والخالدة، الطائرة التي أُستهدفت اليوم في مطار صنعاء ليست مجرد هيكل من حديد، بل رمز  لحق الإنسان اليمني في التنفس في الحركة، والنجاة من سجن الحوثي الكبير.

لم يكن القصف ردة فعل كما يروج الإعلام، بقدر ما كان رسالة واضحة، فجة ووقحة، بأن لا حياة لليمنيين إلا تحت أقدام الميليشيا، هذا ما يريده الكيان الإسرائيلي لأنه بذلك يخدم ميليشيا الحوثي ويصورهم على أنهم أعداء ومدافعين عن القضية الفلسطينية، بينما الميليشيا الحوثية الإرهابية، وهي تواصل هذا النهج التدميري، تُثبت يوماً بعد يوم أنها ليست مجرد جماعة انقلابية وعميلة، بل مشروع خبيث لتفريغ اليمن من كل ما يمت بصلة إلى المدنية والحياة، إلى النظام الجمهوري، إلى ثورة 26 سبتمبر التي حررت الإنسان من العبودية وكسرت السُلالة الإمامية البائدة، ولذلك لم يغفر الحوثي لليمن أنه قرر أن يكون جمهورياً.

إن ميليشيا الحوثي الإرهابية تواصل مشروعها الظلامي في هدم كل معلم من معالم الجمهورية، ومنذُ انقلابهم وهم يمارسون انتقاماً تاريخياً ممنهجاً ضد كل ما يمت بصلة لثورة الـ 26 من سبتمبر، وكأنها لعنة أصابتهم، لأنها ثورة حررت شعباً من الذل الإمامي إلى الكرامة الجمهورية.

لكن الأكثر إثارة للغضب، والاشمئزاز، أن الكيان الإسرائيلي الذي لا يكف عن التشدق بقتاله للتهديد الإيراني، يغمض عينيه تماماً عن مواقع ميليشيا الحوثي، بل ويتجنب استهدافهم، بينما يختار قصف مقدرات الدولة اليمنية التي لا تزال تخدم الشعب، كالمطارات والمنشآت الحيوية، والسؤال هنا؟ لماذا يصر الكيان الإسرائيلي ضرب الطائرات المدنية التي تنقل المرضى، بينما يقف صامتاً أمام الكهوف التي تخرج منها الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية؟ لماذا يتجنب الكيان الإسرائيلي ضرب من يرفعون شعار الموت لإسرائيل، ويضرب من يحاول أن يتنفس خارج مشروع الحوثي؟

هذا التناقض الفاضح يكشف عمق اللعبة، فمن يظن أن الكيان الإسرائيلي يسعى فعلاً لمواجهة أدوات إيران في اليمن فهو واهم، تل أبيب لا ترى في الحوثي تهديداً، بل أداة فوضى مثالية لإضعاف اليمن واستنزافه، تماماً كما تفعل إيران، كلاهما يستثمر في تمزيق الشعوب وإسقاط الدول.

من الواضح أن ميليشيا الحوثي تُكن الضغينة للدولة وللنظام والقانون، فمن عاش في الكهوف لا يمكن أن يفهم معنى البنية التحتية، ومن تربى على الحقد لا يمكن أن يقدر قيمة مستشفى أو مطار، إنهم خارج الزمن، يعيشون في عصور غابرة، حيث العلم كفر، والموت بطولة، والجهل مذهب.

ومع ذلك، فالمفارقة أن المتضرر ليس الحوثي، فقادة ميليشيا الحوثي، لا يحتاجون للطائرات اليمنية المدنية المقصوفة، لديهم البديل، طائرات الأمم المتحدة، وممرات سلطنة عُمان، وتنقلات آمنة لا يُقصف فيها شيء، أما الضحايا الحقيقيون فهم المواطنون البسطاء، كا المرضى الذين ينتظرون بصيص أمل، رحلة علاج، أو حتى وسيلة للهروب من الموت داخل وطن تحول إلى سجن كبير.

إن كل صاروخ اطلقه التحالف أو الولايات المتحدة أو الكيان الإسرائيلي على البنية التحتية، هو إعلان عداء صريح وواضح للجمهورية اليمنية، وكل استهداف للطيران المدني هو صفعة في وجه إنسانية هذا العالم المتخاذل، ولذا لا تندهشوا من فرحة قرود مران من قصف الطائرات، هؤلاء لا يحلمون بالتحليق، لأنهم خلقوا ليتغذوا على الأنقاض، لا يعيشون إلا وسط الركام، وما نشهده اليوم ليس صراعاً سياسياً، بل صراع بين مشروع دولة، ومشروع إمامة رجعية متخلفة تُريد دفن اليمن حياً كما تُدفن الكرامة في عصور العبودية ومقابر الكهوف.

ختاماً:
إن ثورة سبتمبر لا تُمحى بقصف مطار، ولا يخنقها تحالف بين ميليشيا ودول إقليمية، هذه الأرض أنجبت جمهورية من العدم، وستحميها وتُعيد بنائها مهما كانت التحديات.