البيضاء في مواجهة الإمامة.. تتبُّع تاريخي

هنا في اليمن.. البيضاء اسم منطقة وصفحة تاريخ طويل مسطور بالتضحيات في مواجهة الكهنوت الأسود كلما حاول النيل منها ظُلْمه وظلامه وأزلامه طمسته برفضها ومقاومتها المتكررة، إنه امتداد عميق وعريق في التاريخ كامتداد المنطقة الواقعة في صدر اليمن، تقع البيضاء ذات المتسع الكبير في جغرافيا اليمن وتاريخها، على حدود ثماني محافظات من الشمال والشرق والجنوب هي: مأرب، شبوة، أبين، لحج، الضالع، إب، ذمار وصنعاء، ومن أشهر مدن المحافظة مدينة البيضاء ورداع عاصمة الدولة الطاهرية التي حكمت اليمن خلال النّصف الأوّل من القرن العاشر الهجري، ومن أبرز معالمها التاريخية مدرسة العامرية وكذلك المناطق الأثرية المنتشرة في كل أرجاء المحافظة وعلى رأسها قلعة شمر يهرعش التاريخية.

القرن العاشر الهجري

وردت إشارات حول تاريخ الرفض البيضاني لطاعة الإمامة خلال حكم الدولة القاسمية في القرن العاشر الهجري، سأذكر هنا بعضاً من الأحداث التاريخية في منطقة "بني أرض" -وهو الاسم الذي كانت تُعرف به بعض مناطق البيضاء الحالية- وقبائلها. وبعد قراءة واسعة حول كيفية سيطرة المتوكل اسماعيل على المحافظة وما وراءها سنة 1065هـ وكيف مثلت انطلاقة لامتداد دولته إلى حضرموت وضفار، استخلصت أن التاريخ فقط هو الذي تغير مع ما يحصل حاليا في محاولات حوثية متكررة لإخضاع المحافظة والسيطرة عليها.

لقد سعت الإمامة حينها إلى محاولة كسر شوكة الشيخ حسين الرصاص الذي كان يمثل حاجز الصد الكبير بين دولة المتوكل اسماعيل بن محمد وبين الوصول للسيطرة على البيضاء ومأرب ويافع ومناطق الجنوب عامة نتيجة لقوته ومنعته..

في البدء وكما ورد في المصادر التاريخية، تمت المحاولات والمراوغات بين المتوكل اسماعيل لإدخال الشيخ الرصاص تحت طاعته لكن الرصاص استمات في الرفض وردّ على إحدى الرسائل بقوله: "هذا لا يتقدر له الطاعة، ولا الائتمام، بل بيننا وبينه السيف والدفع لمن وصل والإلمام"، ويذكُر أحد المؤرخين يدعى "ابن عامر" بأنه: لما أراد الإمام دخول جيشه إلى حضرموت، كاتب الشيخ حسين الرصاص للسماح لجيش الإمام بالمرور من بلاده.. وكان للرصاص شوكة قوية، فرفض طلب الإمام، وقال: "إذا أراد الإمام التوجه إلى حضرموت فيدخل من بلاد الجوف، ويخرج من بلاد العوالق، وإلا فالحرب بيننا وبينه"، وهو الأمر الذي يذكرنا الآن بحيلة الخط الأسود التي حاول بها الحوثيون دخول كثير من المناطق خلال سيطرتهم على صنعاء وغيرها.

بعد المواجهة القبلية العصية أعد المتوكل جيشا كبيرا سنة 1065هـ استطاع هزيمة الشيخ الرصاص بعد معركة كبيرة قاتل فيها الرصاص ومن كان معه من القبائل بشراسة وذلك في منطقة تسمى بـ"نجد السلف". انتهت المعركة بالسيطرة على تلك المناطق، رغم المواجهة العنيفة.

وقد نشر موقع يسمى مجالس آل محمد كتابا ورد فيه: "فقد قاتل الرصاص ببسالة، لكنها رجحت كفة جيش الدولة القاسمية بقيادة أحمد بن الحسن. وانتهت المعركة بهزيمة الرصاص وقُتل وأُرسل برأسه إلى المتوكل في ضوران".

وهكذا وقعت بلاد البيضاء تحت سلطة القاسميين في أول الأمر، ورغم تعايش القبائل مع الوضع، لم تنتهِ أعوام ذلك القرن إلا بطردهم مجددا منها. فبعد وفاة المتوكل اسماعيل بن القاسم سنة 1087هـ تولى الهادي أحمد بن الحسن ثم المؤيد محمد بن المتوكل اسماعيل، وخلال إمامة الأخير، اشتدت المواجهات بين قبائل البيضاء ويافع ضد القاسميين وانتهت بطردهم خلال عامي 1092هـ-1094هـ. وهذه ثمار تحالف قبلي بين الشيخ معوضة بن محمد العفيف في يافع وقبائل الشيخ أحمد بن علي الرصاص في البيضاء في التخلص من ولاة الدولة القاسمية.

اضطر المؤيد سنة (1092ه‍/ أواخر أكتوبر 1681م) أن يرسل إليهم أخاه الحسين بن المتوكل، لكن دون جدوى، بل إن ابن أخيه الحسين بن الحسن، الذي عينه في وقت سابق والياً على يافع والبيضاء وما إليهما، كان قد خاطبهم بالسماح له بالخروج بعد أن تأكد له أن المعركة خاسرة معهم، وهو ما حصل، ولما رأت القبائل المجاروة ما حدث للدولة القاسمية في يافع والبيضاء من هزائم متكررة، تمرد زعماء بعض تلك المناطق وأصروا على عدم إرسال أي مطالب للدولة القاسمية، وفي سنة 1094هـ انهزم جيش الإمام القاسمي في جبل العر بعد مواجهة حشد لها أكثر من اثني عشر ألف مقاتل، لمقاتلة قبائل يافع التي قاتلت معها قبائل بلاد ابن شعفل، والحواشب، والرصاص، والحميقاني، ودثينة، حيث انهزم القاسميون متكبدين الكثير من الخسائر، ولم يسعهم في آخر الأمر إلا أن يلجأوا إلى الصلح.

القرن العشرين الميلادي

وقد استمرت مناطق البيضاء وقبائلها في تسطير صفحاتها البطولية الرافضة للاذلال الامامي طيلة القرون الماضية، إذ لم يخضعوا لذلك الحكم ولم يستسيغوه أبدا، ففي بداية العقد الثالث من القرن العشرين، تكبد جيش الإمامة بقيادة عبدالله الوزير خسائر كبيرة إثر انهزامه في البيضاء في معركة من أبرز المعارك سميت بمعركة "كبد"، وخلال تلك الفترة حاول يحيى حميد الدين السيطرة على محافظة البيضاء وإخضاعها، حيث حرك جيشا كبيرا لهذا الغرض، غير أن قبائل البيضاء ورجالاتها التفت حول بعضها وتركوا الخلافات جانباً لمواجهة الخطر القادم، وحدثت ملحمة كبيرة انكسر على إثرها جيش الإمامة في بلاد الملاجم، وانتصر أبناء البيضاء في عفار. وكان البطل أحمد عبدالله بن صلاح الملجمي، أحد أبرز قادة هذه المعركة كما ذكرته بعض المواقع.

ولم تخرج قبائل البيضاء كثيرا عن هذا المسار بل استمرت في صياغة محطاتها البطولية على امتداد تاريخ المواجهة مع الكهنوت الإمامي، وكان لهم دورهم الكبير عبر رجالاتهم في الإطاحة بحكم بيت حميد الدين في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، عبر مواقف كثيرة لا يتسع هنا ذكرها، وحين حاول الاماميون إسقاط الجمهورية منتصف عام 1967م خلال حصار السبعين على العاصمة صنعاء، لبّت مختلف قبائل البيضاء طلب العون والمدد، واستجاب أبناؤها، وكان دورهم كبيرا في فك الحصار عن صنعاء من جهة الغرب، حيث تمكنوا من السيطرة على طريق الحديدة صنعاء، وقاتلوا في الحيمتين وحراز وبني مطر وواصلوا الزحف نحو صنعاء مدمرين كل مواقع الامامة، حتى دخلوا العاصمة صنعاء على رأسهم الشيخ احمد عبدربه العواضي والشيخ سالم عبدالقوي الحميقاني والشيخ علي احمد العمري والشيخ أحمد ناصر الذهب وغيرهم.

في مواجهة الكهنوت الحوثي

وإذ يطل خلال العشر سنوات الماضية وجهٌ أكثر كلاحة عن الوجوه الكهنوتية السالفة الذكر، يظل موقف البيضاء هو ذلك الموقف الرافض لممارسات الكهنوت في إخضاعهم واستلاب كرامتهم، رغم تمكنه من السيطرة على المحافظة منذ العام 2014م بفعل عوامل ليس هذا مقام ذكرها.

أحداث منطقة "خبزة"

في مديرية القريشية برداع، تقع منطقة "خبزة" ذات المأساتين، الأولى في العام 2014م والثانية في العام 2022م. واجه أبناء رداع في هذه القرية عناصر الحوثيين في العام 2014م بشراسة، استقوى فيها الأخير عليهم بالأسلحة الثقيلة ما أدى إلى نزوح حوالي 250 أسرة وتضرر عدد من المنازل والممتلكات، حسب تقارير حقوقية.

في يوليو 2022، ادّعى الحوثيون أن نقطة تفتيش تابعة لهم، تبعد أكثر من 5 كيلومترات عن قرية خبزة، تعرضت لهجوم مسلح أسفر عن مقتل ثلاثة من عناصرهم. ورغم نفي أهالي القرية تورطهم، فرض الحوثيون حصارا انتهى بمواجهات دامية، حيث دافع أبناء القرية عن أنفسهم ضد محاولات الإخضاع.

ووفقا لمنظمة "سام"، تسببت هذه الأحداث في مقتل 43 مدنيًا وإصابة 86 آخرين، وتهجير 257 أسرة، إضافة إلى تسوية 16 منزلًا بالأرض وتدمير 30 آخرين جزئياً و50 منزلا أضرارها كانت متفاوتة، إضافة إلى تدمير مدرسة ووحدة صحية ومسجدين، مما حول القرية إلى منطقة منكوبة.

جهاد الأصبحي

في شهر مايو 2020م، وتحت حجة ملاحقة الدواعش كتهمة ملصقة بكل من يريد الحوثيون النيل منه، حاولت أطقم عسكرية حوثية اقتحام منزل المواطن حسين الأصبحي من أجل اختطافه مع نجله، في منطقة "أصبح" بمديرية الطفة محافظة البيضاء، وداهمته بعد تبادل إطلاق النار، عند المداهمة تم قتل الفتاة جهاد الاصبحي -زوجة الابن- داخل المنزل، وهو الأمر الذي أكده تقرير الطب الشرعي، دم الأصبحي بعث الحمية وأوقد الشرارة في مواجهة هذا العيب الأسود، ذلك أن اقتحام المنازل وقتل النساء في بيوتهن خطأ ومثلبة في عُرف وأسلاف قبائل اليمن، لجأ أهالي الضحية إلى الشيخ القبلي البارز ياسر العواضي، باعتباره شيخاً لبلدة "آل عواض" في مديرية ردمان، طالبين الحماية والأخذ بالثأر، فتوعد الشيخ ياسر العواضي مليشيا الحوثي بقتالهم إذا لم تقم بسحب عناصرها من مديريات البيضاء خلال 3 أيام، وقال "إذا لم تقم قيادة الحوثيين بما يلزم شرعا وعرفا فإنه لا يغسل العار إلا الدم"، رغم استمرار المحاولات لدفن القضية لكن العواضي أعلن النفير ضد المليشيا، وانتفض أهالي البيضاء ومعهم عدد من قبائل مأرب ويافع والعوالق تحت شعار النكف القبلي، واندلعت المعركة، وقاتل أبطال البيضاء ومن معهم من القبائل بكل بسالة، قُنل العشرات من الطرفين واقتطف الحوثي ثمرة جريمته وفعله المشين، رغم أنه استعاد السيطرة على مديرية ردمان لكن بمرارة الدرس القاسي نتيجة الأفعال الطائشة والطاغية، كانت محاولة الأبطال في صراع الكهنوت مهمة وملهمة، وأوضح الشيخ ياسر العواضي علمه سلفا بنتيجة المواجهات، لكن كان لا بد على الحوثي أن يتأدب، وأن المعركة ليست إلا معركة أرض وعرض وشرف وكرامة"، وستستمر حتى يجني الحوثيون نتيجة غيهم وبغيهم في يومٍ لا بد منه.

جريمة اغتصاب

وعلى ذكرنا لقضية العيب الأسود بمقتل جهاد الأصبحي وما ترتب عليه، تأتي حادثة مشابهة حصلت خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2024م حين حاصرت قبل رداع المجمع الحكومي هناك لاجبار الحوثيين على اصدار حكم الإعدام في جريمة اغتصاب لطفل داخل سجن رداع خلال زيارته لأحد أقاربه من السجناء، بل واختطفت أحد أقاربه، بعد أن حاولوا مماطلتها، ونتيجة هبة غير اعتيادية قامت بها القبائل استجابت إدارة الحوثي هناك لإصدار الحكم وتنفيذه.

آل حميقان.. دروس قاسية للحوثيين

ما بين عامي 2015 و2025 شهدت مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء أحداثا كثيرة وملفتة ورفضت مقاومتها ومديرياتها المختلفة الاستسلام أو الانقياد لمليشيا الحوثي، إذ ظلت قرى الزاهر وعزلة آل برمان وعزل الحبج وعزلة قربه والناصفة تحت سيطرة مقاومة آل حميقان، وفي الرابع من مايو 2021م، شنت المقاومة هجوما مباغتا كبد الحوثيين قتلى وجرحى وخسائر مادية في عدد من المواقع بالمديرية. وبالتزامن شهدت عدد من مناطق مديريات الزاهر والصومعة وذي ناعم مواجهات متقطعة أدت إلى تحرير مواقع من هذه المديريات على رأسها طياب في ذي ناعم.. اشتدت المقاومة بين جبهات آل حميقان - لجردي والحبج وقوات مليشيا الحوثي وازدادت الجبهات اشتعالًا منتصف شهر يونيو، وتجمعت المقاومة من كل مكان في آل حميقان لرفد الجبهات، حتى وصلت كتيبة من ألوية العمالقة إلى المنطقة، وبدأت تحشد قواها في أطراف مناطق الجبهات.. وبالتنسيق والاشتراك مع المقاومة القبلية التي قادها فيما بعد الشهيد صالح بلسن الحميقاني، وقوات العمالقة، فقد دقت ساعة الصفر، مساء السبت، مطلع شهر يوليو، ووفقا لصحيفة الأيام اليمنية التي نشرت تقريرا مطولا حول الموضوع في 28 يوليو 2021، فقد: "بدأ الهجوم من أربع اتجاهات، مسنودة بتغطية نيرانية كثيفة من مواقع الحبج ولجردي، استطاعت قوات العمالقة اختراق تحصينات الحوثي المتقدمة، والسيطرة على مواقع مهمة في جبال قربة، مكنتها من الدخول إلى أطراف الجماجم أحد المواقع الاستراتيجية لمليشيا الحوثي، ومن خط الوسط تم اقتحام أطراف مديرية الزاهر، ومع إشراقة الصباح الباكر تم اقتحام مركز مديرية الزاهر، والتمركز على أطراف المدينة شرقًا، ومن جنوب وادي الزاهر وجبالها المحاذية لنصباء كساد، انطلق هجوم معاكس لقوات العمالقة، والمقاومة تمشط خط نسق الوسط في الطريق الإسفلتي الرابط بين مديرية الزاهر ومركز مدينة البيضاء، وقد تم تدمير قوات الحوثي وسقطوا بين قتيل وجريح وأسير، وتم اغتنام العديد من المعدات والعربات ومخازن الأسلحة، ومساء اليوم التالي، تم السيطرة على مديرية الزاهر، وجبال الجماجم، وتقدمت القوات باتجاه مركز مدينة البيضاء، حيث تمركزت قوات العمالقة في مواقع متقدمة في منطقة امعادية، والتلال المتاخمة مع قوعة آل دينيش، وآل مظفر، وأصبح موقع الحوثيين القريب من كهرباء البيضاء في مرمى الأسلحة الخفيفة"..

كانت ستسطر مقاومة آل حميقان وقوات العمالقة في حين كتب لها النجاح خلاصة وخاتمة النضال في إسقاط الإمامة من محافظة البيضاء، لكنها بتلك المواجهة عرت انتفاشة الإمامة وجرتها إلى مربع التعبئة والمواجهة.. حيث حشد أكبر عدد من القوات والأتباع، وغير أسلوب الكر والفر إلى أسلوب التقدم باستماتة، وإرهاق المقاومة ومن يساندهم من العمالقة، والتي بدورها لم تخدمها الظروف في الاستمرار نتيجة لعدد من الأسباب لا يتسع المقام لذكرها، فاضطروا إلى الانسحاب من الكثير من المواقع وإيقاف المواجهات، وهو الأمر الذي مكن الحوثيين من السيطرة على مناطق آل حميقان، بما فيها مناطق لجردي، وموقع سوداء غراب الاستراتيجي ومناطق جبهة الحبج والجماجم.

هناك مقاومون في آل حميقان، صحيح أن الظروف المحيطة بهم أجبرتهم على الانسحاب إلى مناطق متفرقة، ومنهم من فضل البقاء في شعاب مهجورة يصعب الوصول إليها، ولكنهم لن يستسلموا، ولن يتوقفوا، بل سيعاودون ترتيب أوضاعهم والمقاومة من جديد؛ لأن طبيعة معظم هذه القبائل لا تقبل المهادنة والاستسلام مطلقًا.

رعاة الأغنام

لم تكن المعارك التي تُخاض في مديريات البيضاء المختلفة ضد هذه الجماعة إلا نتيجة مطالبات يتجاهلها الحوثيون، أو تصرفات يمارسها المشرفون هناك كالاعتقالات والتنكيل والتفجيرات والاغتصابات ومضايقات عناصرهم للمواطنين عبر النقاط العسكرية وغيرها، ففي يناير 2024م لقي أكثر من 20 مسلحا حوثيا مصرعهم في كمين نصبه مسلحون قبليون في مديرية الرياشية، استهدفوا من خلاله حملة حوثية كانت في طريقها لاعتقال مواطنين يرعون الأغنام قالت المليشيا إنهم شاهدوا عناصرها وهم ينصبون منصة إطلاق صواريخ لمهاجمة السفن في البحر الأحمر ورفع احداثيات بها، وما يؤكد عدم صدق الادعاء أنه لم تحدث أي استهدافات في ذلك المكان، الأمر الذي جعل القبائل يرفضون تسليم أبنائهم، ودارت اشتباكات مسلحة أدت إلى تراجع الحملة، فيما عززت النقاط على مداخل ومخارج المدينة لاعتقال من تتهمهم من مديرية الرياشية.

حي الحفرة

كثيرة هي أحداث الصلف الحوثي ورفض القبائل لها في مديريات البيضاء، ففي صباح التاسع من رمضان 19 مارس 2024م فجّر الحوثيون 10 منازل في مدينة رداع بمحافظة البيضاء فوق رؤوس ساكنيها، وادّعوا أنها تصرفات فردية، لكن صور الآلات العسكرية المستخدمة فضحتهم، ما أثار استنكارا واسعا حتى من بعض أتباعهم.. الحادثة وقعت في "حي الحفرة"، حيث قام إبراهيم الزيلعي، شاب من آل الزيلعي، بقنص شقيق مشرف حوثي من آل الهرمان -الذي قتل أخاه قبل عام- بعدما عجز عن نيل حقه عبر القضاء. ورد الحوثيون بتفجير المنازل، في جريمة استنكرها اليمنيون جميعاً.

أحداث حي الحفرة هي سلسلة متتابعة ولا تعنى أن قبائل رداع استسلمت أو كانت مستسلمة، فقد سبقتها في ديسمبر 2023م مواجهات ضد حملات المشرف الحوثي الهرمان لاقتحام عدد من منازل المواطنين في الحي، لكن المواطنين واجهوها ومنعوها، وأيضا سبقها التصدي والرفض لحملة مشابهة في يونيو من نفس العام، ما يعني استمرار الرفض القبلي لوجود وتصرفات هذه الجماعة.

حمة صرار

لم تكد المليشيا تنهي قضية حي الحفرة حتى اندلعت أحداث مشابهة في أغسطس 2024 بقرية "حمة صرار" في مديرية ولد ربيع. بدأت الحادثة بإطلاق نار من نقطة تفتيش حوثية على المواطن ناصر الصراري وقتل سيف الصراري أثناء محاولته إسعافه، مما أثار غضب الأهالي الذين اشتبكوا مع العناصر وقتلوا بعضهم، فيما تمترس آخرون في مئذنة المسجد المجاور قبل استهدافهم. تصاعدت الأحداث مع محاولات تعزيزات الحوثيين اقتحام القرية، وفرضوا حصارًا استمر أسبوعًا منعوا خلاله الغذاء والدواء ودمّروا المزارع. رغم الوساطات القبلية، إلا أن الحوثيين تمكنوا لاحقًا من دخول القرية والتنكيل بالأهالي، لكن قبائل البيضاء تواصل رفضها للإذلال مهما كان الثمن.

ختاماً..

وعلى هذا المنوال تكثر الأحداث تحت مسميات وأسباب لا تستدعي الإجرام الملحوظ في تركيع المواطنين نتيجة رأي أو رفض أو تصرف معارض لسياساتها، بل يتعدى الأمر ذلك إلى تلفيق الاتهامات وتقديم الأعذار والحجج الباطلة لمواصلة الانتهاكات والظلم، الأمر الذي يجد في مواجهته مقاومة قوية دللت عليها الأحداث وستؤكدها الأيام مستقبلاً.