لبنان.. حالة غضب شعبي من "تخلي النظام الإيراني" عن حزب الله

بين حملة لتلميع "صورة إيران" وحالة غضب شعبي من "تخلي النظام الإيراني" عن حزب الله في حربه مع إسرائيل، تشهد بيئة الحزب، المصنف جماعة إرهابية، صراعًا تحت وفوق السطح.

وفي أعقاب الحرب الأخيرة التي أسفرت عن مقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله وتقدم إسرائيل في جنوب لبنان قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، شهدت بيئة الحزب تحولات غير مسبوقة.

فحالة من التململ والنقمة برزت وسط بيئة حزب الله، مع تصاعد الاتهامات الموجهة إلى طهران بعدم تقديم الدعم الكافي خلال المعركة، لا سيما بعد مقتل نصر الله وغيره من قادة الحزب.

وبعد وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، تصاعد الغضب الشعبي بين مؤيدي حزب الله نتيجة تأخر دفع التعويضات عن المنازل والمحال التي تضررت خلال الحرب، وعدم تناسبها مع حجم الأضرار التي لحقت بهم.

وعبّر مواطنون وناشطون وصحفيون معروفون بانتمائهم إلى الدائرة المؤيدة للحزب عن استيائهم بشكل علني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم قوبلوا بحملات إلكترونية مضادة مناصرة لحزب الله.

ولم تقتصر هذه الحملات على انتقاد كل من يعبّر عن غضبه، بل وصلت في بعض الحالات إلى اتهام هؤلاء بالعمالة والخيانة، في محاولة للترهيب واحتواء الغضب ومنع تفاقمه.

كما أطلق حزب الله حملة دعائية واسعة لتحسين صورة إيران داخل بيئته، تضمنت نشر لوحات دعائية على الطرقات العامة تؤكد دعم إيران للحزب، إلى جانب تكثيف الخطاب الإعلامي المدافع عن طهران.

فهل يعكس هذا التململ تراجعًا فعليًا في الدعم الشعبي لحزب الله، أم أنه مجرد رد فعل على الخسائر الكبيرة التي تكبدها مؤيدوه؟

ما وراء موجة الغضب

قبل أيام، تعرض الصحفي حسن الدر، المعروف بمواقفه المؤيدة لحزب الله، لهجوم واسع على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن أشار، في تصريح إعلامي، إلى وجود عتب من بيئة الحزب وجمهوره تجاه إيران.

وخلال حديثه، أشار الدر إلى أن إيران تعاملت بواقعية مع المشهد، بعد أن تكشّف على الأرض فارق القوة والتقدم والخرق الاستخباري الإسرائيلي.

وأضاف أن هذا النهج لا ينسجم مع الخطاب الذي تبنّته طهران خلال الحرب وقبلها، لافتًا إلى أن عامة الناس يطالبون عادة بتحقيق ما وُعدوا به في الخطابات.

وعن أسباب النقمة عند البعض في بيئة حزب الله، يقول الصحفي المعارض للحزب، علي الأمين: "لا شك أن تعامل إيران مع تحديات الحرب الإسرائيلية على حزب الله ولبنان سبب صدمة للكثيرين الذين راهنوا على أن القيادة الإيرانية لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الضربات الإسرائيلية على لبنان، لا سيما اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله وبقية القادة".

هذه الصدمة التي طالت جزءًا من مناصري حزب الله ومؤيديه، فاقمها، كما يعتبر الأمين في حديث لموقع "الحرة"، "ما اعتبروه تخلّياً عن مفهوم وحدة الساحات، وتمييز المرشد والولي الفقيه علي خامنئي بين مواليه اللبنانيين والإيرانيين. فقد اعتبروا أن الحرص على إيران وشعبها كان أهم لدى خامنئي من الحرص على حزب الله الذي يواليه ويدافع عن إيران والولي الفقيه بكل ما لديه".

لذا برزت في أوساط مؤيدي حزب الله، كما يقول الأمين، "انتقادات شديدة ضد إيران وقرار النأي بنفسها عن الحرب، الذي وصف بالتخلي أو أنها باعت الحزب ونصر الله. هذه المواقف لا تزال ترد في مواقع عدة، سواء كانت قريبة من حزب الله أو حليفة له".

ويرى الصحفي محمد نمر أن مؤشرات التململ لدى أنصار حزب الله بدأت "مع ترك الحزب يخوض المعركة وحده، في غياب وحدة الساحات، وتجلّى هذا التململ بشكل أكبر عندما جاء الرد الإيراني على إسرائيل في مرتين متتاليتين أشبه بالمفرقعات النارية".

ويضيف نمر، في حديث لموقع "الحرة": "وتبع ذلك تراجع الالتزام بالشعارات التي كانت ترفعها إيران، والتي تضمنت إزالة إسرائيل. ثم بلغ الأمر ذروته مع الاغتيال الكبير للأمين العام للحزب، حيث غاب أي رد إيراني جدي، ما أعطى انطباعًا بأن إيران تخلّت عنه، بدلاً من أن 'تزلزل' الأرض من أجل أهم قيادي في محورها، سواء في المنطقة أو حتى في إيران بعد المرشد الأعلى خامنئي".

ويردف قائلاً إن إضافة: "لعجز إيران عن تلبية مطالب أنصار حزب الله، الذين دفعوا ثمناً باهظاً لهذه الحرب من دمار وتهجير وخسارة أرزاق وضحايا، جاءت عملية هروب الأسد وسقوط النظام في سوريا لتكون مؤشراً إضافياً على انهيار المحور الإيراني في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية... وحتى غزة التي دُمّرت".

ويتابع: "فضلاً عن الضربات التي طالت شخصيات أساسية مثل هاشم صفي الدين، إلى أن تم تعيين نعيم قاسم أميناً عاماً، وهو ما لم يستطع أنصار الحزب استساغته، ولم يتمكن من ملء مكانة نصر الله لديهم. لهذا كله يشعر أنصار حزب الله بأنه تم بيعهم من قبل إيران التي لم تفِ بالوعود التي قطعتها لهم".

ويعبر نمر عن اعتقاده أن هذه التطورات دفعت "المستفيدين من إيران إلى محاولة الحفاظ على ما تبقى من علاقتهم بها، عبر حملات دعائية لضمان استمرار الدعم الذي أصبح من الصعب تأمينه براً أو جواً".

أما الكاتب الصحفي، مجد بو مجاهد، فيرى أن التململ الحاصل في لبنان داخل محور "الممانعة" هو "نتيجة للاختلاف في الموازين السياسية على مستوى المنطقة بعد المتغيرات المتسارعة إقليمياً، شمولاً اغتيال قادة كثر من حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ما جعل إيران تخسر نفوذها السوري بعد اندثار القوى الموالية والتابعة لها في سوريا".

وكذلك، أثّرت الحرب بين حزب الله وإسرائيل، كما يقول بو مجاهد في حديث لموقع "الحرة"، "على النفوذ الإيراني في لبنان، رغم أن حزب الله لا يزال يمسك بأوراق عدة سياسية في الداخل اللبناني، لكن خسائره الحربية كانت كبيرة، من دون إغفال أن إسرائيل لا تزال تقوم بعمليات حربية في مناطق جنوبية ولم تنسحب من غالبية القرى التي مكثت فيها بعد توغّل قواتها في جنوب لبنان".

هذه الأوضاع الحرجة أثارت، وفق بو مجاهد، "غضب المواطنين اللبنانيين الجنوبيين وغيظهم، خصوصاً أن أبناء غالبية القرى الحدودية لم يستطيعوا الرجوع إلى منازلهم حتى الآن، ولأن لا إمكان لإعادة الإعمار حالياً، ذلك أن المسح الشامل للأضرار لم يحصل بعد، ولا قدرة للدولة اللبنانية على المباشرة في إعادة الإعمار".
محاولات تلميع الصورة

ومع تصاعد النقمة، سارع حزب الله إلى شن حملة لـ"تلميع" صورة إيران داخل بيئته، فكثّف حزب الله نشاط أذرعه الإعلامية لتسليط الضوء على "دعم طهران".

وأطلق حملة عنوانها فارسي "إيران همدل"، أي "إيران متضامنة"، استجابة لما قالت أذرع الحزب الإعلامية إنه "دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي لجمع التبرعات والمساعدات لدعم جبهة المقاومة".

وركّز إعلام الحزب على ما وصفه بـ"تضحيات الإيرانيين في الحملة"، مشيراً إلى أن البعض أنفق مدخراته من الذهب والفضة، بل وصل الأمر إلى بيع الممتلكات، بما في ذلك المنازل، لتخصيص عوائدها لدعم "المقاومة".

وضمن حملته الإعلامية، نشر حزب الله لوحات إعلانية على الطرقات اللبنانية التي تقع تحت نفوذه، تحمل عبارة "دايماً حدكن".

وتظهر في اللوحات صورة لشابين: الأول يضع علم إيران كوشاح، بينما الثاني يضع علم لبنان وعصبة صفراء، في إشارة إلى حزب الله، وكتب أسفل الصورة "إيران همدل"، مع توضيح بأنها حملة المساعدات الشعبية الإيرانية للشعب اللبناني.

وفي خطوة أخرى تهدف إلى تعزيز صورة إيران في لبنان، قام مناصرو حزب الله بالترويج لمقطع فيديو يظهر شاباً لبنانياً وهو يهتف في حسينية الخميني أمام خامنئي، بالوقوف الدائم إلى جانبه. ومع انتهائه، بدأ الحضور بترديد هتافات دعم وتأييد للمرشد الإيراني.
هل تثمر الجهود الدعائية؟

"لا تغيّر الحملات الدعائية بحد ذاتها شيئاً من المواقف المنتقدة والمنددة بالسياسة الإيرانية"، كما يرى الأمين.

إلا أنه لم يقلل "من شأن تأثير معالجة تداعيات الحرب والتزام إيران وحزب الله بإعادة الإعمار وتعويض المتضررين على ردود الفعل المنتقدة، فهاجس أبناء الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية اليوم هو: من سيعوض المتضررين؟".

ويشرح: "حزب الله وعد بالتعويض وبدأ بالدفع، ولكن ببطء، وبطريقة لا تبشر بأنه قادر أو يريد فعلاً تولي هذه المهمة".

وشدد الأمين على أن "التعويض على أضرار الحرب هو المفصل الذي يقرر إلى حد كبير كيفية تعامل المواطنين في المناطق المذكورة مع إيران وحزب الله نفسه. ولا شك أن أغلبية المتضررين ينتظرون ماذا ستفعل إيران وحزب الله وماذا سيقدمان".

ويردف قائلاً: "هذا بالتأكيد يضبط نسبياً إيقاع الأصوات المعترضة، التي يبدو أنها اقتنعت بأن فرصتها الوحيدة لنيل حقوقها هي عبر حزب الله، في ظل شعور عارم بأن أحداً سواه لا يفكر بالتعويض. فضلاً عن أن الدولة اللبنانية عاجزة عن تلبية هذه الحقوق، ولا حتى تعد بالتعويض".

ويضيف الصحفي المعارض لحزب الله: "كل ذلك له تأثير، علماً أن حزب الله لا يزال يقدم الوعود أكثر مما يقدم النقود. ومن المرجح أن تعلو صرخات الاعتراض عليه وعلى إيران أكثر فأكثر، كلما برز عجزه عن دفع حقوق المتضررين، وهي حقوق لن يستطيع تلبيتها هو ولا إيران حتى إن أرادا ذلك".

يذكر أن حزب الله يروج لاستعداد إيران للمساهمة في إعادة إعمار لبنان، فيما ترفض السلطة اللبنانية هذا الدعم.

وذكرت وسائل إعلام تابعة للحزب أن مستشار خامنئي، علي لاريجاني، عرض على رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، مشاركة إيران رسمياً في التمويل. إلا أن ميقاتي أشار إلى أن العقوبات الدولية المفروضة على إيران تحول دون قبول هذه المشاركة، إلا إذا أتت عن طريق المؤسسات الدولية.

وسبق أن أشار ميقاتي إلى أن كلفة إعادة الإعمار تحتاج إلى ما لا يقل عن 5 مليارات دولار، بحسب تقديرات البنك الدولي، مؤكداً أن الحكومة تسعى بالتعاون مع البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية والصديقة، لإنشاء صندوق ائتماني يتيح لجميع الأطراف المساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.

ويقول بو مجاهد إن "الغضب يتسارع لدى فئات من الذين تهجروا في الحرب، خصوصاً أن إيران تقف عاجزة أمام هذه الأوضاع حالياً، ما يجعل محاولات محور 'الممانعة' الداعمة لإيران دعائياً من دون جدوى".

كذلك يشدد نمر على أن "ملء الطرق بالشعارات لن يحقق شيئاً ملموساً، فهي لا تعيد ضحية إلى الحياة، ولا تعمر منزلاً، ولا تعيد رزقاً. الأيام ستثبت أن اللبنانيين هم فقط من يقفون إلى جانب اللبنانيين، وأن إيران كانت دولة تدمير للبنان، ولم تقدّم لأنصار حزب الله سوى الموت".