التعليم داخل مقبرة.. أطفال غزة يتحدَّون الحرب لاستكمال الدراسة

أطفال يدرسون داخل مقبرة في خان يونس جنوب قطاع غزة. 02 يناير 2024 - "الشرق"

صباح كل يوم يتوجه أطفال في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة المدمر من الحرب الإسرائيلية، بكل حماسة لتلقي دروس تعليمية، لكن ليس بين جدران المدارس، بل داخل مقبرة.

وفي مبادرة فردية لمساعدة الأطفال، قررت الشابة الفلسطينية نرمين شلوف، وهي طالبة لم تتمكن من استكمال تعليمها الجامعي، أن تقدم دروس تعليم مجانية، ولم تجد مكاناً لهم سوى مساحة صغيرة داخل مقبرة، دون مقاعد أو أدوات، وأطلقت عليها مجازاً اسم "مدرسة إسناد الخير".

وقالت شلوف لـ"الشرق": "طبعاً الكل استغرب لماذا اخترنا المقبرة، فكما يعرف الجميع كل الناس نزحت، وأغلبها نازحة إلى مدارس مدمرة، وعندما فتحنا هذا المكان لتعليم الأطفال في البداية استغرب الأهالي، لأن المكان معرض للقصف وهو أصلاً مدمر"، مشيرة إلى أن "كل طفل يحضر طفلاً آخر، والأطفال ملوا من الحياة التي يعيشونها".

وتسببت إسرائيل في الحرب التي تشنها عل غزة منذ أكتوبر 2023، في حرمان نحو 800 ألف طالب من استكمال تعليمهم، بعد أن دمرت أكثر من 150 مدرسة كلياً أو جزئياً، كما قتل الجيش الإسرائيلي نحو 9 آلاف من طلبة المدارس والجامعات، و500 معلم، وذلك بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة.
وسائل بدائية للتعليم

وأشارت نرمين في حديثها، إلى أن مبادرتها تواجه صعوبات كثيرة، أهمها أن الأطفال كثيراً ما يشاهدون تشييع جنازات، وفي بعض الأحيان يرون جثامين، ما يصيبهم بالخوف الشديد.

وأضافت أن "المكان مفتوح وغير محمي سواء من القصف الإسرائيلي أو من برودة الطقس".

ورغم هذه الصعوبات لقيت الفكرة قبولاً كبيراً من الأهالي والأطفال، إذ تضم حالياً أكثر من 130 طالباً من الصف الأول وحتى الرابع الابتدائي، يتلقون دروسهم بوسائل بدائية.

وأوضحت نرمين: "حالياً اعتمادنا الكلي على اللوح والطباشير، لأن الدفاتر والأقلام أسعارها غالية، والأطفال غير قادرين على شرائها".

وأشارت إلى أنها تواجه مشكلة كبيرة في عدم قدرة الأطفال على الانتظام في الدروس. وقالت: "يأتي الطفل ويقول إنه سيحضر إلى المدرسة بين الساعة التاسعة والعاشرة، ولكن بين الساعة العاشرة والحادية عشرة عليه أن يقف في طابور المياه، وبصراحة لا أجد ما أفعله مع الطفل فأقول له غادر المدرسة".

وأضافت في حسرة: "نحن نقول إنها مدرسة لكنها ليست مدرسة، نحن نضحك على أنفسنا بذلك ونقول إنها مدرسة إسناد الخير، لكنها بالنسبة للأطفال مقبرة وليست مدرسة".

برد وخوف

وقالت الطفلة دارين محيسن، الطالبة بالصف السادس، والتي تحلم بأن تصبح ممرضة، إنها تتلقى تعليمها جلوساً على الأرض الباردة، دون مقاعد أو دفاتر وأقلام.

وقارنت بين ظروف تعليمها الحالية وقبل الحرب، قائلة: "قبل الحرب كنا في مدرسة بها صفوف وزي رسمي، وكانوا يسلموننا كتباً ودفاتر وأقلاماً، حالياً نحن ندرس في مقبرة دون أقلام أو زي رسمي، نقف في طابور دون زي رسمي، ولا توجد حمامات هنا، والمنطقة أيضاً تخيفنا، ويمكن ضربها في أي وقت، والمقبرة باردة ونريد خيمة فالمكان مفتوح".

وشكت رهف الحلو، الطالبة في الصف الرابع، والتي تحلم بأن تعمل طبيبة أو معلمة، من انعدام أبسط أدوات التعليم بعد الحرب، قائلة: "قبل الحرب كنا ندرس في مدرسة بها صفوف وطاولات وكراسي وكل شيء، كانت تتوافر المياه والحمامات وأشياء كثيرة غير الصفوف والكراسي والقرطاسية، وكنا قادرين أن نتعلم".

وكشفت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أن 90% من البنية المدرسية في قطاع غزة لحقت بها أضرار، وأن ما لا يقل عن 290 مبنى أصبحت غير مؤهلة من حصيلة 307 مبان تعليمية في القطاع.

ووصفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ما حدث من استهداف للمدارس في قطاع غزة بأنه "خرق كبير للقانون الدولي الإنساني".

وقتلت إسرائيل في الحرب التي تشنها على قطاع غزة من أكتوبر 2023 قرابة الـ50 ألف فلسطيني، 70% منهم نساء وأطفال، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.