لماذا رفض الأمريكيون العرب التصويت لهاريس وكيف أقنعهم ترامب بتأييده؟
Donald Trump alors président, le 5 octobre 2024, à la Maison Blanche. © أ ف ب
استفاد ترامب بشكل أو بآخر من أصوات الأمريكيين العرب في الانتخابات الرئاسية التي عززت فرصه في انتزاع مفاتيح البيت الأبيض. واستطاع أن يقنع جزءا كبيرا من أفراد هذه الجالية بالتصويت له، بعد إصابتهم بالخيبة من إدارة بايدن على أكثر من مستوى، خاصة بشأن طريقة تدبيرها لأزمة الشرق الأوسط فيما استمر عدد القتلى في الارتفاع، وعم الدمار في غزة ومناطق في لبنان. فلماذا رفض العرب الأمريكيون التصويت لهاريس وكيف أقنعهم ترامب بتأييده؟
حُسم الصراع الانتخابي الأمريكي لانتزاع مفاتيح البيت الأبيض الثلاثاء لفائدة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ليصبح رسميا الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية على أن يتولى منصبه رسميا في 20 يناير/كانون الثاني 2025 لمدة أربع سنوات، بعد أن حصل حتى الخميس على 295 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي، فيما عاد 226 صوتا لكامالا هاريس.
وهي هزيمة قاسية للديمقراطيين ومرشحتهم، إذ كانوا يأملون أن تكون ممثلتهم أول امرأة تكسب معركة البيت الأبيض في تاريخ الولايات المتحدة، وتمنحهم ولاية جديدة عقب انتهاء فترة رئاسة بايدن. لكن الناخبين قرروا شيئا آخر، وما كان على المرشحة الديمقراطية إلا أن تقر بالخسارة، معتبرة أنه "يجب علينا أن نتقبل نتائج هذه الانتخابات".
هذه النتائج ساهم فيها بشكل أو بآخر الأمريكيون العرب والمسلمون الذين كانوا يصوتون عادة للديمقراطيين. لكن في هذا السباق الرئاسي، العديد منهم كان لهم رأي آخر وقطعوا الحبل السري الذي جمعهم لسنوات مع هذا المعسكر السياسي. وصوتوا بدون أي مركب نقص للمرشح الجمهوري دونالد ترامب على الرغم مما يمكن أن يثار من تناقضات بالشأن هذا التصويت.
ميشيغان...معقل الجالية العربية في أمريكا يصوت لترامب
يتركز وجود العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بولاية ميشيغان خاصة، التي كانت من بين الولايات المتأرجحة التي تحسم السباق بين المشرحين للرئاسة. وعلى الرغم من عدم تجاوز تعداد هذه الجالية الخمسة ملايين على المستوى الأمريكي، إلا أنها عززت فرص ترامب في الفوز بهذه الانتخابات، فيما تعد مدينة ديربورن معقلها الأساسي إذ إن أكثر من نصف سكان المدينة من العرب والمسلمين ومعظمهم من الشرق الأوسط.
ووفقا لتقرير لموقع الحرة الأمريكي نشر الأربعاء، أظهرت معطيات عن فرز النتائج في ولاية ميشغان أن مدينة ديربورن صوتت لصالح المرشح الجمهوري. وفاز ترامب بنسبة 42.5% من الأصوات مقابل 36% لمنافسته الديمقراطية كاملا هاريس.
وفي 2016، تمكن ترامب من كسب تأييد الولاية، التي كانت حكرا على الديمقراطيين سابقا، إثر فوزه على هيلاري كلينتون، إلا أن الرئيس جو بايدن استعادها في 2020 بدعم من العمال النقابيين وجالية كبيرة من الأمريكيين المتحدرين من أصول أفريقية وعربية، فضل الكثير من أبنائها التصويت لترامب في هذه الانتخابات.
ودفاعا عن علاقة ترامب بالجالية العربية، رفض رئيس بلدية ديربورن بهذه الولاية، لبناني الأصل بيل بزي ما وصفه بأنه تشويه الإعلام لحقيقة "الحظر على المسلمين" الذي فرضه ترامب في ولايته السابقة، مشيرا إلى أن الأمر لم يكن أكثر من تشديد أمني مرتبط ببلدان تعاني من عدم الاستقرار، الهدف منه منع عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" من الدخول إلى الولايات المتحدة.
وسعى ترامب خلال ولايته السابقة إلى منع مواطني سبع دول عربية من دخول الولايات المتحدة قبل أن يلغى فيما بعد لعدم دستوريته.
لماذا صوت العرب الأمريكان لترامب؟
بالنسبة للخبير المصري في العلاقات الدولية محمد اليمني، الأمر أصبح معروفا ولا يخفى على أحد أن تصويت الجالية العربية لترامب جاء عقابا لإدارة بايدن على "دعمها لإسرائيل بكل الوسائل، وما نتج عنه من قتل ودمار وحصار". وهو وضع استغلته حملة ترامب التي "كانت نشيطة جدا في المناطق التي يتواجد بها عرب لإقناعهم بالتصويت له. وفعلا نجحت المهمة".
وفي تصريح نقله موقع مصراوي، قال عباس علوية، المؤسس المشارك لحركة "غير ملتزم" الوطنية الأمريكية التي حشدت أكثر من 750 ألف ناخب للاحتجاج على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، "إن هاريس أضاعت فرصة لكسب هؤلاء الناس، الذين يعيش كثير منهم في ولايات مهمة مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا وأريزونا".
ويضاف إلى الأسباب التي حفرت هوة سحيقة بين المرشحة الديمقراطية والأمريكيين العرب قرار هاريس إشراك الجمهورية السابقة ليز تشيني، المؤيدة بشدة لحرب العراق، في حملتها الانتخابية.
ولم تهتم المرشحة الديمقراطية بما يكفي بانشغالات الجالية العربية والمسلمة، وعيب عليها أنها ركزت على قضايا أخرى أقل أهمية لديها كسياسات الهوية والإجهاض والمتحولين جنسيا. كما أصيب الكثير من أفرادها بالخيبة جراء السياسة الاقتصادية والاجتماعية لبايدن، ويتطلعون اليوم إلى أن تخدم سياسة الحزب الجمهوري مصالحهم بهذا الخصوص.
واستفاد ترامب أيضا من رابط عائلي مهم ضمن الجالية العربية، إذ إن ابنته تيفاني ترامب متزوجة من الأمريكي اللبناني مايكل بولس. وكان لمسعد، والد بولس، دور أساسي في الحملة الانتخابية، إذ عمل على حشد أصوات العرب لصالح المرشح الجمهوري في ولاية ميشيغان.
وعلى عكس هاريس، زار المرشح الجمهوري مدينة ديربورن. وحصد إثر تواصله مع الجالية العربية والمسلمة تأييد رئيسي البلدية المسلمين في هامترامك وديربورن هايتس. ولربما هذا ساعده للاقتراب أكثر من هذه الجالية والاستماع لهواجسها ومشاكلها. وأكسبه ثقتها.
الحرب في الشرق الأوسط... الهاجس الأكبر
لكن يبقى الهاجس الأكبر بالنسبة للأمريكيين العرب والمسلمين هو الحرب في الشرق الأوسط ومدى قدرة ترامب على التأثير في الفاعلين فيها، لاسيما إسرائيل، للحد من سقوط المزيد من الضحايا والدمار والتشريد، إلا أنه لم يطرح حتى الآن أي خطة بإمكانها أن تنهي الصراع بل أعلن مرارا دعمه اللامشروط لتل أبيب.
وينظر عرب أمريكيون بعين التفاؤل إلى مستقبل هذه الأزمة كما هو شأن رئيس بلدية ديربورن، الذي ألمح إلى أن سياسة ترامب في الشرق الأوسط ستكون مخالفة لتلك التي انتهجها بايدن. وقال أثناء تجمع تحول إلى حفل خلال ساعات الصباح الأولى مع ظهور نتائج فوز ترامب. "وصلت الرسالة للناس بأن ترامب يسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم".
وأضاف العنصر السابق في قوات المارينز، والذي دعم ترامب في تجمعاته الانتخابية الأخيرة، بأنه على اتصال مع شخصيات عالية المستوى في الإدارة المقبلة، طمأنته بأن "من بين الأمور التي يضغط (ترامب) من أجلها هي وقف الحرب، يريد المزيد من الدبلوماسية". وفق ما نقلته عنه وكالة الأنباء الفرنسية.
لكن هذا التصويت، حسب اليمني، "مرحلي فقط فرضته ظروف الانتخابات الحالية، وسيبقى العرب في الصف الديمقراطي، لأن السياسة الداخلية لترامب لا تبدو مطمئنة، وسمعنا منه الكثير من التصريحات العنصرية"، يقول المحلل السياسي المصري.
ويقف اليمني عند نقطة، يعتبرها "مهمة ولا بد من الإشارة إليها"، هي أن "ترامب سيحافظ على سياسته تجاه العرب والمهاجرين داخليا"، ويضيف "أن هذه الجالية لم يكن لها أي خيار آخر غير التصويت لترامب"، بحكم الخيبة التي عبرت عنها في مرات عديدة أمام الفشل الذريع للإدارة الأمريكية في الضغط على تل أبيب لوقف نزيف الحرب في غزة ولبنان.