اليمنيون المقاتلون في روسيا.. ضحايا الفقر وتضليل شركات الاتجار بالبشر الحوثية

مقاتلون يمنيون يقاتلون مع القوات الروسية في أوكرانيا (وكالة خبر)

وقع المئات من اليمنيين في شباك شركات اتجار بالبشر، تشرف عليها قيادات حوثية في إطار التخادمات مع الجانب الروسي، بعد التضليل على الضحايا وخداعهم بتوفير وظائف مدنية برواتب مغرية، ومزايا عديدة، غير مدركين أنها الوعود التي تقودهم إلى خطوط النار ضد القوات الأوكرانية، ما يجعل فرص نجاة الكثيرين منهم ضئيلة جداً، إن لم تكن معدومة.

استغلت شبكة سماسرة يمنيين وروس، حالة الوضع المعيشي الصعب في اليمن نتيجة الحرب التي اندلعت إثر انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، ولا تزال مستمرة حتى اللحظة، وإن شهدت تراجعًا السنوات الأخيرة في احتدام المواجهات.

نشطت الشبكة في عموم البلاد، واتسعت خارجيًا لتشمل سلطنة عُمان ولبنان ومصر، واستقطبت المئات من الشبّان اليمنيين تحت إغراءات شتى، أبرزها دفع رواتب مغرية، والسماح لهم بنقل عائلاتهم، ومنحهم الجنسية الروسية، والأخيرة كانت أكثر إغراءً بالنسبة لهم أمام رغبة الهجرة والحصول على الجنسية الأوروبية لسهولة الانتقال بها بين دول أوروبا، أو التهريب عبر بيلاروسيا الحدودية وغيرها عقب وصولهم.

في البدايه سافر العشرات من اليمن إلى روسيا طوعاً ولكن بسرية تامة، عبر سلطنة عمان مروراً بدبي وصولاً إلى موسكو. وهناك يستقبلهم مندوبو الشبكة من اليمنيين والروس ليتم إخضاعهم للتدريبات ما بين أسبوعين إلى ثلاثة في معسكرات تدريبية، ثم توزيعهم إلى مجموعات صغيرة وإرسالهم منفصلين إلى جبهات القتال. وكانت فرص النجاة من القتل نادرة جداً، وأيضاً الهروب إلى أوروبا، واخذت تتضاءل لاحقاً حتى انعدمت تحت التشديد الروسي، حسب روايات الضحايا وتحذيراتهم لمن يتواصلون بهم من أصدقائهم، غير أنها التحذيرات التي لم تلق رواجاً إعلامياً، إثر التكتم عليها خوفا من تعرضهم للتصفيات والقسوة في المعاملة.

هذه التحذيرات حدّت من نسبة تدفق الضحايا، وشكّلت خسائر مادية بالنسبة لشبكة السماسرة (اليمنيين والروس)، التي كانت تتقاضى مبالغ مالية كبيرة عن كل شخص تستقطبه، لتلجأ إلى خداع ضحايا جدد والتضليل عليهم، بأن هناك وظائف مدنية في مجالات عديدة بما في ذلك لحاملي الشهادات الجامعية، وبرواتب مغرية وامتيازات شهرية، ومنح الجنسية وتسهيل نقل الزوجة والأولاد.

عاد زخم الشبكة، في بداية العام الجاري 2024، وراج نشاطها عبر شبكة السماسرة التي تُدار تحت مسمى "شركة الجابري"، ونجحت في استقطاب وإرسال المئات، وأبرمت عقودا معهم في وظائف متنوعة، ودفعت لهم مبالغ مالية كبيرة مقدماً تصل إلى 4 آلاف دولار لكل شخص، لضمان الإيقاع بهم، دون معرفة هؤلاء الضحايا أن الشركة تتاجر بهم، حسب روايات الضحايا في تسجيلات مرئية عديدة أطلقوها الأيام القليلة الماضية على منصات التواصل على هيئة مناشدات للحكومة اليمنية بسرعة التدخل لإنقاذهم.

مناشدات الضحايا، بينهم مهندسون، أفادت بأن شركة الجابري تضم ثلاثة أشخاص يمنيين مقيمين في سلطنة عمان، هم: "عبدالولي عبده حسن الجابري- مدير الشركة، وقيادي حوثي، محمد قاسم مهيوب العلياني- مندوب الشركة في السلطنة، وهاني محمد علي الزريقي- مندوب الشركة في روسيا".

تقول مصادر مقربة من الضحايا، إن هذه الشركة (حوثية) وتقوم باستخراج تأشيرات السفر لهم من السفارة الروسية بمسقط، ثم إرسالهم إلى موسكو وهناك يتم سحب جوازاتهم اليمنية واستبدالها بوثائق روسية تحتوي على معلوماتهم الشخصية.

بعد ذلك يتم إرسالهم قسراً إلى معسكرات تدريب، قريبة من جبهات القتال بحدود أوكرانيا لتلقي التدريب العسكري وأساسيات اللغة الروسية في فترة أسبوعين فقط، ثم تقديمهم إلى مجموعات صغيرة وترسلهم فوق عربات عسكرية إلى مناطق التماس ضمن مجموعات عسكرية روسية.

شركة "الجابري".. ما هي؟!

عند البحث عن خلفيات هذه الشركة ومديرها، بيّنت المعلومات التي جمعناها أن الشركة متخصصة في الأساس باستقطاب الشباب اليمنيين للقتال في روسيا ضد القوات الأوكرانية، وتُدار من عمان، ولديها شبكة واسعة في اليمن ولبنان وجمهورية مصر العربية، وتضلل على الشباب بطرق شتى بينها تقديم وظائف في قطاعات الصناعة والزراعة، وحراسة الشركات والمنشآت الروسية ومصانع الأسمنت والأسمدة وغيرها.

الشركة استغلت حالة الفقر في اليمن، وركزت على استهداف الأيادي العاملة اليمنية المهاجرة في عمان، ووقعت عقوداً مع الضحايا برواتب شهرية تصل إلى 2500 دولار (وهو مبلغ مغرٍ بالنسبة لهم)، ودفع 4 آلاف دولار مقدماً قبل السفر، والتعهد بدفع 10 آلاف دولار للفرد لمرة واحدة عقب وصوله مباشرة، وتقديم مكافآت شهرية تُدفع لاحقاً.

الشركة، تضم شبكة سماسرة تعمل منذ سنوات في مجال التهريب، بما في ذلك تهريب المهاجرين اليمنيين إلى بلدان أوروبية عديدة، قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

الشركة تمارس أنشطتها دون أدنى رقابة من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في عمان، كما "تنشط منذ سنوات في تهريب الأسلحة للحوثيين عبر عمان تحت غطاء أنشطة تجارية"، وفقاً لتغريدة نشرها الناشط إبراهيم عسقين، على حسابه في موقع (إكس).

كما بينت المعلومات أن مديرها "الجابري"، نائب في برلمان صنعاء، وضابط عسكري شغل منصب قيادي في اللواء 115 لدى الحوثيين، ويعمل تحت إشراف متحدث المليشيا المقيم في السلطنة "محمد عبدالسلام". وأغلب الضحايا المجندين من محافظات: تعز، إب، صنعاء، وعدن.

شهادات الضحايا

أوضح أحد الضحايا في فيديو نشره على مواقع التواصل وظهر بجانبه ستة من زملائه اليمنيين، أن القوات الروسية أرسلت 25 شاباً من زملائهم إلى جبهات القتال تحت الإكراه، قتلوا جميعا بنيران القوات الأوكرانية، جزء منهم إثر تعرضهم لقصف مدفعي والجزء الآخر إثر تعرض مبنى كانوا يتمركزون بداخله لهجوم.

مجموعة ثانية ظهرت في تسجيل مرئي جماعي، قالت إنهم تلقوا وعوداً بدفع 50 ألف دولار في حال مقتل الفرد أثناء المعركة، وبعد ثلاثة أشهر يمكن للفرد استقدام الزوجة والأولاد، ومنح الجنسية الروسية.

وظهر أفراد المجموعة وهم يحفرون خنادق ضخمة، قالوا إن ذلك يحدث تحت إشراف روسيين ويمنعون عنهم الاستراحات إلا بالنادر، ويقضون ساعات من العمل بدون طعام.

شهادات أفراد المجموعة من بينهم شخص قال إن اسمه "إبراهيم الصريمي" تتوافق مع شهادات المجموعات الأخرى بأنهم تعرضوا للتغرير من قبل ما أسموها شركة "الجابري"، ووعدتهم بأنهم سيعملون في شركات نجارة واسمنت، غير أنهم فوجئوا بإخضاعهم لدورات عسكرية وإرسالهم إلى جبهات القتال لحفر خنادق.

يقول المعترفون، إنهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية عند الاعتراض على القرارات الروسية، وتم إرسال العديد منهم قسرا إلى جبهات القتال، حيث قتل من بينهم 15 يمنياً بنيران القوات الأوكرانية.

لهجات الشبّان في التسجيلات المرئية المنشورة تشير إلى انحدارهم من محافظات عديدة، ويقولون إن تاشيرات الدخول للكثير منهم "زراعية" على اعتبار أن يعملوا في مزارع روسية.

ولفتوا إلى أن القوات الروسية تترك جثث قتلى زملائهم في جبهات القتال، فيما الجرحى يتم نقلهم إلى منازل دون أدنى رعاية طبية تتوافق مع إصاباتهم.

يقول أحد الشبّان المكرهين على القتال، إن الجهات التي تشرف على بعضهم هي عصابات مأجورة بيعوا لها دون أن يعلموا ذلك.

هناك تسجيل آخر من بين تسجيلات عديدة متداولة، ظهر فيه أحد المجندين، يعرض رقمه العسكري وهو يرتدي الزي العسكري، موضحا أن هذه الأرقام هي التي صرفت لهم، غير أنه ليس مؤكداً أنهم باتوا مجندين رسميين لدى وزارة الدفاع الروسية.

في حين تقول مصادر ثانية إن هناك شركة أخرى تسمى "إنجاز" تابعة لقيادي حوثي يُدعى "معاذ الجرادي" ولديها مكتب في سلطنة عمان، وتقوم بأنشطة غير شرعية في أعمال التوظيف.

هذه الشركة تعد الضحايا برواتب تتراوح ما بين 2500 إلى 3000 دولار، وتوهم المجندين بأنهم سيحصلون على الجنسية الروسية، غير أنهم يفاجأون بعد وصولهم بعدم دفع الرواتب المتفق عليها.

وكانت أعلنت وسائل إعلام محلية، قبل أيام، وفاة شاب من تعز يدعى "حسين المحيا" واثنين آخرين هما "اياد ويعقوب" أثناء القتال في صفوف القوات الروسية ضد أوكرانيا.

ومنذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، قامت السلطات الروسية بتجنيد واسع من المهاجرين الأفارقة والجالية العربية، مع تزايد التجنيد القسري لليمنيين.

وتأتي هذه العمليات وسط تقارير عن محادثات بين الحوثيين وروسيا، برعاية إيرانية، للحصول على أسلحة متطورة من موسكو.