"لم يبق أحد"... عائلات بأكملها قضت في غارات للاحتلال الاسرائيلي على لبنان

موقع غارة اسرائيلية في قرية قرب صيدا في جنوب لبنان بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر 2024 © محمود زيات / ا ف ب

بيروت (لبنان) (أ ف ب) – قبل يومين، خرج قاسم القاضي يبتاع خبزا لعائلته المؤلفة من 17 شخصا، زوجة وأبناء وأحفاد، لكنه عاد ولم يجدهم... فقد قضوا جميعا في لحظة واحدة جراء غارة للاحتلال الاسرائيلي استهدفت منزلهم الواقع في شرق لبنان.

لم يبق من العائلة سوى قاسم (57 عاما) وابنه الجندي حسين الذي نجا من الموت بدوره بعدما توجه إلى خدمته العسكرية قبل غارة الأحد التي استهدفت وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية بلدة زبود وأودت بعائلة باكملها.

وفيما كان هائما بسيارته مع ابنه الوحيد الذي تبقى له، قال في اتصال مع فرانس برس "كانت الساعة 11 صباحا، كنا جميعا جالسين أمام المنزل، ثم ذهبت لأشتري لهم الخبر".

يقول قاسم لوكالة فرانس برس إنه سمع دوي انفجار قوي حينما كان يشتري الخبز. ويضيف بحرقة "بدأت أتصل بهم، ثم جئت إلى البيت، لم أجد أحدا، لم أجد سوى أشلاء".

ويضيف متألما "17 شخصا، بينهم خطيبة ابني وأمها وزوجتي، أولادي الشباب الثلاثة وابنتي، وسبعة أطفال.. 17 شهيدا في بيتي".

ويتحدث قاسم بإسهاب عن أولاده: ابنه الأكبر محمّد (38 عاما) كان يعمل كهربائيا، والآخران علي ومهدي لطالما عملا معه في زراعة الأرض ورعاية المواشي.

أما الأحفاد فيتلعثم عند تعداد أسمائهم، يقول إنهم كانوا سبعة، أكبرهم تسع سنوات وأصغرهم عامان ونصف العام. يتحدث عنهم كما لو أنهم ما زالوا على قيد الحياة مع ابنتيه المدللتين، الطالبتين الجامعيتين زينب (22 عاما) وفاطمة (18 عاما).

فوق خسارته التي لا تعوض، يجد الرجل المكلوم نفسه مشردا مع ابنه. ويقول "لا مكان ننام فيه سوى الحقول والبساتين ... لم يبق لنا بيت، أنا مشرد على الطريق، إلى أين نذهب؟".

أما حسين، فلا يعرف عمن يتحدث. ويقول إنه عاجز عن استيعاب الصدمة. وعدا عن خسارته عائلته، فقد ايضا خطيبته بينما كانا يستعدان منذ سنوات لزواج طال انتظاره.

ويروي الشاب (25 عاما) بتأثر لفرانس برس "كنا سنتزوج في 12 تشرين الأول/أكتوبر، لكنها رحلت قبلي... رحلت في مجزرة، لا أعرف ماذا أقول".

صبيحة الأحد، توجه حسين إلى خدمته العسكرية، لكنه سرعان ما عاد أدراجه.

ويقول "بعد ساعة من وصولي، تلقيت الخبر ورجعت. إنها صدمة لا تصدق. قبل ساعتين كنت معهم، وفجأة، لم يعد هناك أحد".

ويضيف ساهما "كنا نشعر بأمان في المنطقة" الواقعة على بعد أكثر من 125 كلم من الحدود مع إسرائيل. ولم تكن الغارة الإسرائيلية على القرية الصغيرة متوقعة.

- "أمر لا يصدق" -

بعد أن كثّفت اسرائيل غاراتها على لبنان منذ أكثر من أسبوع، توالت أخبار مماثلة عن عائلات قضى معظم أفرادها في جنوب وشرق لبنان. وأفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام عن أربع حالات مماثلة على الأقلّ في الأسبوع الأخير.

وكانت منظمة هيومن رايتش ووتش حذّرت الأربعاء من أن الغارات الاسرائيلية على لبنان تعرض المدنيين "لخطر الأذى الجسيم".

وشدّدت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة لما فقيه على أن "وجود قيادي في حزب الله أو منصة لإطلاق الصواريخ أو منشأة عسكرية أخرى للحزب في منطقة مأهولة بالسكان لا يُبرر مهاجمة المنطقة بدون مراعاة السكان المدنيين".

في مؤتمر صحافي في 24 أيلول/سبتمبر، قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أن "الغالبية العظمى" لقتلى غارات الاحتلال التي وقعت قبل يوم في جنوب وشرق البلاد، "هم من العزل الآمنين الذين كانوا في منازلهن".

في قرية الداوودية في جنوب لبنان، خسرت نجاح دياب عشرة أفراد من عائلتها الإثنين بعدما "أغارت طائرات حربية معادية على منزل ودمرته"، وفق الوكالة الوطنية.

وتقول بينما لا تزال تحت الصدمة، "أهلي مدنيون، لا ناقة لهم ولا جمل. والدتي مسنة كانت تبلغ 75 عاما ولا تخرج من المنزل، أما أخي الكبير (54 عاما) فهو عاطل عن العمل ومريض".

وفقدت نجاح جراء الغارة والدتها وشقيقتها مع ابنتها وأشقاءها الأربعة مع عائلة أحدهم وابن عمها.

وتوضح "لم يبق لي إلا ابن شقيقي الأكبر وهو طالب جامعي".

وتسبّبت الغارة بدمار مبنى من أربع طبقات. وتوضح نجاح "كانوا ينظرون من النافذة وسقط الصاروخ عليهم، غارة كبيرة، تكسر كل شيء حولهم، انهار المبنى تماما وتقطعت أجسادهم، جمعناهم أشلاء".

وتضيف وهي عاجزة عن التعبير من هول الصدمة "الأمر لا يصدق، كلهم مدنيون".