17 يوليو.. تاريخ ميلاد اليمن الجديد

وسام عبدالقوي

هناك محطات ووقفات وعناوين في تاريخ اليمن، لا يمكن تضليلها أو طمسها، وهناك حقائق لا تحتاج إلى من يحميها ويحفظها من التلاعب والتزييف، لأنها الأقدر على ذلك والأمكن منه، ولو اجتمع العالم أجمع عنوة على فعل ذلك، سيجد نفسه في آخر المطاف يائساً بائساً يضرب كفا بكف ويعلن استسلامه دون حيلة ترجى..

ستمر عقود وقرون من الزمن ويظل السادس والعشرون من سبتمبر والرابع عشر من اكتوبر والثلاثون من نوفمبر والثاني والعشرون من مايو مشاعل وقادة تضيء العصور كلما تقادمت، وتغلي حباً ومشاعراً واعتزازاً في صدور وقلوب اليمنيين، حتى حين يأتي الزمن الذي لم يعد في أحضانه منهم من شهد هذه المحطات وكان حاضراً في تفاصيلها وقادرا على استيعاب معناها المباشر..

لأن أحداثاً عظيمة كهذه، لا تراهن على أثرها في زمنها وإنما ترمي بأنظارها دائما إلى المستقبل البعيد.. وإذا كان لنا كيمنيين من محطة تحول خامسة تفرض نفسها في ذاكرتنا الجمعية وذاكرة تاريخنا المجيد، فمكانها الطبيعي والذي يجب أن يكون مجمعا عليه، فهو السابع عشر من يوليو ١٩٧٨م.. فمن هنا كانت بداية التحول الفعلي والملموس في نهضة اليمن وإشراقة شمسه، ثم وصوله لما وصل إليه، قبل أن تستهدفه مجدداً معاول الهدم والانتقام..!!

إنه تاريخ لا يحتاج لأن نتذكره، فكل شيء في التفاصيل الدائمة من حولنا تعكس آثاره، إنه تاريخ مفصلي مهم في وجود الوطن، ومنطلق تحول لا يمكن التغافل عنه في سيرة اليمن، وحسبنا أن من أبرز منجزاته تحقيق إعادة توحيد اليمن أرضاً وإنساناً، وبهذا نجده يضيف وبخط عريض العنوان الرابع من العناوين  المذكورة أعلاه.. الثاني والعشرون من مايو العظيم، الذي كان وما يزال وسيظل الركن الأساسي الرابع من كيان اليمن الجديد ووجوده..

في هذا التاريخ قاد اليمن ابن بار ومخلص من أبنائه، لم يكن مشغولاً بمال ولا بسلالة ولا بإرث رجعي بالٍ يعيقه أو يجره ويجر الوطن والتاريخ معه إلى الوراء.. قائد لم ينشغل بشيء أبداً غير انتزاع اليمن من براثن الرجعية وقيود الكسل والاتكال، ليبدأ في بناء الوطن المأمول في أحلام وطموحات كل اليمنيين، وتجاوز كل ذلك أيضا ليقتحم حتى ما كان يندرج في مساحات المتخيل البعيد، لتشرق معه حقا ابتسامة اليمن السعيد..

علي عبدالله صالح.. لم يكن مجرد رجل أو رئيس عابر بتاريخ اليمن.. وإنما كان وسيدوم زمناً مفصلياً في عمر اليمن، كان مفتاح محطة عبور بين تاريخين متناقضين تماماً، ولكأنه كان نافذة بين الظلام والنور، وممرا بين منطقتين علاماتهما فارقة في التاريخ الحديث، منطقة موبوءة بآفات اليأس والجهل والفقر والتقهقر، وأخرى مفعمة بالآمال والنهضة والحرية وتخطي عثرات الماضي والتعويض عنها..

 نعم هذا هو الزعيم البار علي عبدالله صالح، وتلك هي العلامة الأكثر إضاءة في تاريخ من حكموا اليمن، وذلك ما يعنيه حقاً السابع عشر من يوليو لنا جميعاً كيمنيين، وسواء رضينا ذلك أم أبيناه.. لأن رضانا أو عدم رضانا لن يغير شيئاً من حقيقة أن هذا الزعيم أنجز للوطن ما لم ينجزه قائد من قبل.. وإن تعالت نفوسنا وأخذتنا العزة افتراضاً بالنكران والخذلان، فلن نضره بشيء قدر الإضرار بعدالتنا ومصداقيتنا أمام أنفسنا وأمام التاريخ، الذي لن يتواتى للحظة واحدة عن إنصافه ووضعه في المكان اللائق به.