مزادات سماسرة جوازات عدن.. سعر "الدفتر" يتجاوز ربع مليون ريال ورئيس الحكومة يُقرُّ بالفضيحة
فتحت مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية مزاداً مفتوحاً (غير علني) في مدينة عدن (جنوبي اليمن)، أمام الراغبين بالحصول على دفاتر الجوازات، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين (500-700) ريال سعودي تسلّم إلى أحد سماسرة بلاطها الحكومي أو من ينوب عنهم خارجه.
هكذا يصوّر اليمنيون حال مصيرهم أمام مبنى مصلحة الهجرة والجوازات بعدن، التي باتت تصنّف واحدة من أسوأ المؤسسات الحكومية في ممارسة الفساد، وسط زحام سماسرة المؤسسة وتهافتهم على القادمين إليها وعرض قوائم بخدماتهم وأسعارها على مرأى ومسمع.
العشرات من المواطنين المتواجدين أمام مصلحة الهجرة والجوازات، أكدوا أن الحصول على دفتر الجواز أصبح حلماً صعب المنال في ظل العراقيل المفتعلة، وتسيّد السماسرة سير إجراءات المعاملات.
وأوضحوا، في حديث لوكالة خبر، أن فترة انتظار إصدار دفاتر الجوازات تتجاوز في الغالب ثلاثة أشهر، بدلاً عن (4-7) أيام كما كانت في فترة ما قبل الحرب التي اندلعت عقب انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م.
المواطنون أكدوا أيضاً أن مصلحة الهجرة والجوازات، تتعمد في الغالب نصب العراقيل وافتعال الأزمات، لما تجنيه من مبالغ خيالية إثر عمليات بيع الدفاتر عبر سماسرة ولدوا من رحم فسادها، منهم ممن يعملون في أروقتها من المدنيين والعسكرين، وآخرين ليسوا من العاملين في هذه المؤسسة إلا أنه تم استقدامهم عبر موظفيها وتم نشرهم أمام المبنى لعرض خدمات "سمسرتهم" على مرأى ومسمع.
مصدر عامل في المصلحة، في رد على تساؤل وكالة خبر، عن سبب طول فترة التأخير، قال إن ذلك "يعود إلى شح في إعداد دفاتر الجوازات المتوفرة لديهم". ولأن هذه الأزمة التي يجزم الكثير أنها "مفتعلة" لاستمرارها لنحو عام كامل، اكتفى المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، بتحميل "الحكومة اليمنية بدرجة أساسية ووزارة الداخلية بدرجة ثانية كامل مسؤولية ذلك".
المواطنون أفادوا بأن سماسرة المصلحة يفرضون مبالغ خيالية وبالعملة الصعبة، مقابل استخراج الدفاتر خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا، وهو ما ينفي مزاعم "أزمة الدفاتر".
وقالوا إن "سماسرة المصلحة" كانوا يشترطون خلال الأشهر التسعة الأخيرة على دفتر الجواز الواحد ما بين (300- 500) ريال سعودي (أي ما يعادل 110 إلى 200 ألف ريال يمني)، بينما رفعوا سقف اطماعهم خلال شهري يناير وفبراير للعام 2024 إلى ما بين (500- 700) ريال سعودي (ما يعادل 215 إلى 300 ألف ريال يمني)، مشيرين إلى أن الكثير عزفوا عن استخراج دفاتر الجوازات لعدم قدرتهم على الدفع.
عملية بيع وشراء باتت علناً على مرأى ومسمع، إن واجهها المواطن بشكوى إلى مدير عام المصلحة، ينتهي الحال بإدراجه في القائمة السوداء لـ(حُماة السماسرة داخل المصلحة)، ما يعني عرقلة وخسائر مضاعفة تتجاوز ألف ريال سعودي (أكثر من 430 ألف ريال)، لا سيما القادمين من المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي.
الباحثون عن دفاتر جوازات -بلا شك- هم في الغالب إما مرضى أو طلبة يستعدون للسفر إلى خارج البلاد للعلاج والدراسة، وهذه العراقيل غالبا ما تنتهي بوفاة المريض وتسبب للطالب بخسارة عام دراسي حال انتهى فترة القبول والتسجيل بالجامعات الخارجية، أو باحثون عن "فيز عمل" باعوا جل ما يملكون مقابل قيمة فيزة يمكن لها انتشالهم من بؤرة الفقر التي تعد الحكومة سببا في تفاقمها.
الحاجة إلى هذا الدفتر، حسب تأكيد الكثير من المعاملين، تجبرهم على دفع مبالغ مالية ضخمة، وهي المبالغ التي لا تدخل ضمن الرسوم القانونية التي يدفعها صاحب المعاملة مقابل قيمة الدفتر وبقية الإجراءات وتصل في الغالب إلى نحو 20 ألف ريال.
المواطنون أنفسهم، يتساءلون: لماذا لا تقوم الحكومة بتوفير دفاتر من الإيرادات القانونية التي يتم تحصيلها في هذه المؤسسة؟ وأين تذهب هذه الإيرادات ما يتسبب بتصاعد وتيرة الأزمة من شهر إلى آخر؟
إقرار حكومي بالفساد
سمسرة الجوازات لم تعد أمرا يُهمس به سرا، بل إن الرئيس الجديد للحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك، أقر بذلك أثناء زيارة له أول من أمس لمصلحة الهجرة والجوازات وهو يحث على القضاء على السمسرة، ما يعني أن استمرار هذه الظاهرة الخبيثة تأكيد على حجم نفوذ النافذين والفاسدين في منظومة الدولة.
هل مجلس القيادة الرئاسي راض عن مثل هكذا فساد يُمارس بالمزاد..؟ الرغبة أو عدمها لم تعد مقنعة لشعب يواجه منظومة الفساد الحكومية لأكثر من ثماني سنوات، جل ما تجيده هو تدوير الفاسدين في مؤسساتها، في أسوأ محاصصة لم يشهد لها البلد مثيلاً منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، بحسب تعليقات الكثير من المراقبين.
ويؤكد المراقبون، أن إدارة مؤسسات الدولة بعقلية رجال العصابات، وإثراء شريحة محدودة على حساب كامل شعب، لا يمكن له إعادة بناء مؤسسات حكومية ونظام تعرض لانقلاب ممنهج مدعوم دوليا من إيران، بقدر ما يؤسس لفوضى عارمة تضرب البلاد تداعياتها كارثية ولكنها ستصبح الخيار الأوحد، حد قولهم.