ترجمة| ديلي بيست الأمريكية: بين هجومي اليمن وفرنسا.. الحرب المنسية التي انتجت هجوم باريس

في حين لفت هجوم باريس الدموي، انتباه العالم، يواصل اليمن نزيف الدم. فلم تكن المذبحة في مقر مجلة "شارلي إيبدو" الوحيدة، ولا حتى الأكثر دموية بين هجمات الإرهاب التي حدثت، الأربعاء. فقبل ساعات من شق الإخوة "كواشي" طريقهم إلى مكاتب المجلة الساخرة الفرنسية، وعلى بعد آلاف الأميال في العاصمة اليمنية صنعاء، انفجرت سيارة ملغمة وسط حشد من الطلاب اصطفوا للتسجيل في أكاديمية الشرطة في المدينة. ولقي قرابة الـ 48 شخصاً حتفهم مع انفجار القنبلة، بينما الدماء والأشلاء تناثرت على الشارع.

وكان "صدفة" وقوع الهجومين في نفس اليوم أكثر بروزاً ومأساوية، في ضوء الكشف عن علاقات تربط مهاجمي "شارلي إيبدو" بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهي مجموعة إرهابية مقرها اليمن واتهمت بالمسؤولية عن هجوم الأربعاء في صنعاء.

وبحسب وكالة "فرانس برس"، سافر سعيد كواشي، إلى اليمن عدة مرات بين عامي 2009 و2011، ودرس في جامعة الإيمان بصنعاء، وهي مؤسسة تعليمية مثيرة للجدل يرأسها رجل الدين عبد المجيد الزنداني، قبل أن يتدرب في مخيمات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد.

جدير ذكره، أن مجلة القاعدة في جزيرة العرب الصادرة باللغة الإنجليزية، هددت صراحة بقتل رئيس تحرير مجلة "شارلي إيبدو"، ستيفان تشاربونيير، في عددها الصادر في مارس 2013. وفي وقت كتابة هذا المقال، كان قد قيل إن القاعدة في جزيرة العرب تبنت تنفيذ الهجوم. وفي كل الأحوال، أعاد هذا الهجوم تركيز الانتباه إلى ذلك البلد الفقير الذي يعاني من النزاعات. الذي اعتبر مثالاً أنموذجياً لنجاح استراتيجية أوباما، في مكافحة الارهاب.

لكن لاتزال الاضطرابات تعصف باليمن في الآونة الأخيرة. لقد انهار اتفاق انتقال السلطة المدعوم دولياً هناك، ويبدو اقتصاد البلاد في طريقة للانهيار كذلك. كل هذا حدث في اليمن، دون أن يبدو أن أحداً من دوائر السلطة في الغرب قد لاحظ حدوثه.

وفي الواقع، يبدو عنف الأسبوع الماضي في باريس تأكيداً على ضعف التقدم الذي تم إحرازه ضد القاعدة في جزيرة العرب. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومتا الولايات المتحدة واليمن، لايزال التنظيم يمتلك القدرة على إطلاق العنان لهجمات كبيرة ضد أهداف غربية.

وكان اليمن قد أصبح معروفاً كبؤرة للتطرف عندما ذهب إليه "كواشي" لأول مرة في عام 2009. العديد من المتشددين المسلمين المولودين في الغرب توافدوا إلى المعاهد السلفية هناك، وأشهرها، ربما، معهد دار الحديث في بلدة "دماج" في أقصى الشمال.

وفي حين أن معظم هؤلاء الأجانب ذهبوا هناك من أجل الدراسة ببساطة، انضم عدد منهم إلى المتطرفين على الأرض. وكان واحداً من أعتى هؤلاء، عمر فاروق عبد المطلب، الذي يدعى بـ"مفجر الملابس الداخلية"، وهو طالب نيجيري تدرب على يد القاعدة في جزيرة العرب وحاول تفجير طائرة ركاب أمريكية في يوم عيد الميلاد عام 2009.

ولكن، وفي حين حصلت مثل هذه المؤامرات النادرة ضد أهداف أجنبية على أكبر قدر من الاهتمام الغربي، بقي الجزء الأكبر من نشاط وهجمات القاعدة في جزيرة العرب يقع داخل الأراضي اليمنية. وهذا العنف هو ما تجاهله الغرب حتى الآن بطريقة عادت عليه بالخطر.

وبينما تبخرت سيطرة الحكومة المركزية على أجزاء كبيرة من البلاد في أعقاب الانتفاضة المستوحاة من الربيع العربي ضد زعيم البلاد حينها، الرئيس علي عبد الله صالح، تحركت القاعدة في جزيرة العرب بسرعة للاستفادة من الوضع الجديد. وحتى بعد أن أخرجت المجموعة من معاقلها السابقة في جنوب أبين خلال هجوم عسكري عليها في ربيع عام 2012، أعاد التنظيم رص صفوفه بسرعة. وواصل القاعدة في جزيرة العرب إيجاد ملاذات آمنة له عبر البلاد، بدءاً من محافظة حضرموت الشرقية، التي عرض مقاتلو الجماعة فيها نيتهم إقامة الإمارة الإسلامية، إلى محافظتي مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط والغاز، وإلى أبين نفسها.

وبسبب ندرة التغطية في معظم وسائل الإعلام الغربية، لا أحد ـ تقريباً ـ يعرف بهذه الأمور سوى الصحفيين الجادين في عملهم. وينظر معظم محللي الإرهاب إلى القاعدة في شبه جزيرة العرب على أنها أخطر جماعات تنظيم القاعدة.

ولقد حصلت الولايات المتحدة في عملها لمواجهة نمو القاعدة في جزيرة العرب، على تأييد نسبي من الرئيس عبد ربه منصور هادي، خليفة صالح ونائب الرئيس السابق. وقد دعم هادي علناً هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية في البلاد.

ولكن، في حين نجح الارتفاع الحاد في هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية في قتل حفنة من الشخصيات الرئيسة في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مثل نائب أمير الجماعة، سعيد الشهري، ورجل الدين المتطرف، أنور العولقي، لاقت الضربات أيضاً معارضة ساحقة من قبل اليمنيين، الذين اعتبروها انتهاكات لسيادة دولتهم ولسيادة القانون. وقد تصاعدت هذه الهواجس أيضاً بعد وقوع سلسلة من الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين نتيجة ضربات الطائرات بدون طيار.

وفشلت كل هذه المحاولات في وضع اليد على العوامل الرئيسة وراء وجود جماعات متطرفة في اليمن، مثل القاعدة في جزيرة العرب. هذا التنظيم هو نتاج بيئته في جزء كبير منه. وكما يعتقد العديد من اليمنيين، المجموعة هي ثمرة لأيديولوجية أجنبية تمكنت من وضع جذورها في البلاد، بسبب انتشار الفقر في اليمن، والفساد المستشري في الحكومة.

وكما أظهرت الجماعة مرونة كبيرة في مواجهة هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية المتكررة، سوف يستمر القاعدة في جزيرة العرب بالوجود في اليمن طالما أعطي المجال للقيام بذلك، وطالما أن فراغ السلطة في البلاد لا يزال قائماً، وهذا بدوره سيعني أن المجموعة سوف تحتفظ بالملاذ اللازم لتجنيد وتدريب العملاء الذين يمكنهم شن الهجمات على أهداف أخرى في الغرب.

وفي ضوء الأزمة السياسية المستمرة حالياً في البلاد، من الصعب أن نرى مخرجاً من هذا. وللمفارقة، يواصل دبلوماسيون أجانب توجيه التحية للتقدم الذي أحرزته البلاد فيما يخص "خارطة الطريق الانتقالية"، بينما تستمر الأمور بالخروج عن نطاق السيطرة على الأرض. الأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن باتت تعني أكثر من نصف البلاد الفقيرة بالفعل أصبح جائعاً، والانفصاليون في الجنوب المضطرب، يدعون من جديد للعودة إلى الحكم الذاتي، والتوترات بين الفصائل المتنافسة داخل المؤسسة السياسية اليمنية تشل الحكومة.

وعلى الرغم من تعليقهم لشعارات "الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل" على نقاط التفتيش التابعة لهم في أنحاء العاصمة اليمنية، قرر الحوثيون جعل محاربة القاعدة في جزيرة العرب على رأس أولوياتهم. ولكن، القاعدة في جزيرة العرب رد بالمثل. وهدد القائد العسكري للمجموعة، قاسم الريمي، بإطلاق العنان لهجمات من شأنها أن "تجعل شعر الأطفال الصغار يشيب".

إنها لمأساة لا يمكن وصفها أن يكون الهجوم العنيف في باريس هو السبب في إعادة تركيز الاهتمام على الاضطرابات الجارية في اليمن. ولكن القلق الرئيس هنا هو أنه، وبمجرد أن يتلاشى الهجوم على تشارلي إيبدو من العناوين الرئيسة، قد يعود اليمن إلى المعاناة وحده حتى يعود القاعدة في جزيرة العرب لضرب الغرب مرة أخرى.

*ترجمة عن صحيفة The Daily Beast الأمريكية