كيف أنهت ثورة 26 سبتمبر الخالدة حقبة مظلمة في تاريخ اليمن؟
لم يكن اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م وليد الصدفة بل كان تتويجاً لثورات وحركات تحررية سبقتها ضد النظام الإمامي الكهنوتي البائد.
سبق ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العديد من الحركات التحررية والكفاح أهمها ثورة الدستور والتي قادها عبد الله الوزير على الطاغية يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948م لإنشاء دستور للبلاد، ولقي الطاغية مصرعه، ببندقية الشيخ علي بن ناصر القردعي في منطقة حزيز جنوبي صنعاء.
غير أن الثورة فشلت بعد إجهاض الإماميين لها، لتتبعها الحركة الثورية التي قادها المقدم أحمد الثلايا في مارس عام 1955م، والتي هدفت إلى مبايعة الإمام عبدالله ولياً للعهد ونقل السلطة من الطاغية أحمد حميد الدين، قبل أن تفشل هي الأخرى وتنتهي بإعدام المقدم الثلايا.
درس الضباط الأحرار أسباب فشل الثورتين، وتجاوزت ثورة 26 سبتمبر فكرة استبدال إمام معتدل بطاغية كما في الثورات السابقة ووضعت في أولوية أهدافها التخلص من الاستبداد الإمامي ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل.
بعد وفاة الطاغية أحمد حميد الدين بنحو أسبوع وتولي البدر الإمامة، أعلن الضباط الأحرار بقيادة علي عبدالمغني وعبدالله السلال صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، إقامة الجمهورية اليمنية ونهاية حكم المملكة المتوكلية ليفر حينها البدر إلى السعودية، ويقود ثورة مضادة استمرت حتى العام 1970م، وانتهت بسيطرة الجمهوريين على الحكم بشكل كامل ونهاية حقبة مظلمة من حياة وتاريخ الشعب اليمني.
حركات التحرر السابقة لم تكن تحظى بدعم حقيقي لاستمرارها وهو ما عمل الضباط الأحرار على تأمينه من خلال الدعم الكبير الذي قدمته جمهورية مصر العربية بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر طيلة عدة سنوات فقد ارتفع عدد الجنود المصريين بنهاية العام 1965 إلى نحو 55 ألف جندي موزعين على 13 لواء مشاة ومسنودين بفرقة مدفعية وفرقة دبابات وتشكيلات من قوات الصاعقة والمظلات، ضمن دعم ساهم في صمود الجمهوريين ضد الإماميين بقيادة البدر ودعم من دول عربية وأجنبية فاق الدعم الجمهوري بأضعاف مضاعفة.
أسقطت ضربات الثوار خرافة الإمامة وكسرت حاجز الخوف عند السواد الأعظم من الشعب وعمل الثوار على تحصين الثورة بالحاضنة الشعبية ما أدى إلى انخراط أعداد كبيرة من أبناء الشعب اليمني في غمار الثورة، ولم يقتصر الأمر على أبناء الشمال فقد كان لأبناء جنوب الوطن رصيد نضالي في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
حاول الإماميون استرداد ملكهم الضائع بحصار السبعين يوماً على العاصمة صنعاء الذي انتهى في 7 فبراير عام 1968 لتكلل تضحياتُ الجمهوريين بالنصر المبين ويدب اليأس في أوساط الإماميين.
نجحت الثورة السبتمبرية الخالدة في طي صفحة الإمامة البائدة وحقبتها المظلمة التي سادها الفقر والجهل والمرض، والتي تسعى المليشيات الحوثية اليوم لإعادة تكريسه في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لكن ذلك لن يتحقق في ظل الصحوة الشعبية.
وفي ظل المساعي الحوثية زاد تمسك اليمنيين بثورتهم ومبادئها وقيمها، وأهميتها وأهدافها النبيلة التي أكدت على إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات وحكم الشعب نفسه بنفسه والتخلص من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما إلى غير رجعة، وهو ما يفسر حجم الاحتفاء الشعبي بها، في كل مناطق اليمن، وعلى مستوى الجاليات اليمنية في الخارج، لتؤكد كل يوم عزلة الإمامة القديمة والحديثة وأنها خارج تاريخ ومستقبل اليمن.