مليشيا الحوثي تستنسخ تجربة السياسة الإمامية للتفرقة بين القبائل بإشعال الحروب وقضايا الثأر في الجوف ومأرب

لجأت مليشيات الحوثي الارهابية المدعومة من إيران، إلى تطبيق سياسة فرق تسد، لتجربة سياسة الإمامة البائدة قبل بزوغ فجر ثورة 26 سبتمبر 1962م، باغراقها القبائل خصوصا المساندة للقوات الحكومية، والمناهضة لها في محافظتي الجوف ومأرب (شمال شرقي اليمن)، في خلافات بينية وقضايا ثأر قديم، لتضمن قبائل مفككة ومنهكة لا تقوى مواجهة مشروعها التوسعي.

ومع انحسار العمليات القتالية نسبيًا خلال الأشهر القليلة الماضية، بين قوات الجيش والمقاومة ورجال القبائل المساندين من جهة وبين مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيا في خطوط تماس جبهات محافظتي مأرب والجوف، نتيجة المشاورات (السعودية الحوثية) بوساطة عمانية، رغم انقضاء الهدنة في أكتوبر الماضي، ورغم سيطرة المليشيا على كامل الجوف واغلب مديريات مأرب، الا ان قبائل هاتين المحافظتين وقفت حجرة صلبة امام الطموحات والاطماع الحوثية الرامية إلى السيطرة على عاصمة محافظة مأرب ومنابع النفط والغاز فيها.

كما حالت المقاومة القبلية دون تمكين المليشيا الحوثية من الاستحواذ على اراض ومساحات زراعية شاسعة في الجوف، ورفض اغلب ابناء تلك القبائل الانخراط في صفوف المليشيا ومناهضتهم لها، وهو التآزر والوحدة القبلية الذي اعتبرته قيادات الجماعة خطرا يهدد كيانها ونفوذها، لتلجأ إلى تفكيك هذه الوحدة بافتعال وخلق خلافات بداخلها.

وعلى خلفية هذه المخاوف، قالت مصادر قبلية، إن قيادات المليشيا وعناصرها ارتكبت بدافع الحقد الدفين سلسلة انتهاكات وجرائم بحق أبناء محافظة مأرب، وفجّرت العشرات من منازل المواطنين في مديرية صرواح، وهجرت السكان قسرا منها جراء القصف العشوائي المكثف على أخرى.

في الوقت نفسه، كشفت تقارير حقوقية، عن ارتكاب المليشيا شتى أنواع الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين في الجوف، حيث وثقت نحو 7553 انتهاكاً خلال عام 2022م. علاوة على قتل وجرح العشرات من ابناء القبائل في استهدافات مباشرة في حواجز التفتيش التابعة لها، وعلى الطرقات الرابطة بين مديريات المحافظة.

إلى ذلك، واصلت مليشيا الحوثي عبر مشرفيها وعناصرها بعضهم من المندسين بين أبناء القبائل، إشعال الفتن واثارة الخلافات وتغذية الصراعات في صفوف ابنائها على قضايا الأراضي والثأر القديم بغرض إشعال الحروب فيما بينها وتفكيك وحدتها وإضعافها والتحكم بها.

وذكرت مصادر قبلية، أن آخر محاولات التأجيج الحوثية، فجرت معارك طاحنة الخميس 18 مايو، بين مجاميع قبلية من قبائل عبيده ( آل فجيح) و( آل راشد منيف)، بمحافظة مأرب. ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.

وفي المعارك الدامية التي اندلعت بين القبيلتين صباح الخميس واستمرت لساعات، استخدم الطرفان مختلف الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات، على خلفية نزاع على ملكية منطقة مبشر بصحراء ‎مأرب، في ظل صمت مريب لقيادة السلطة المحلية بالمحافظة، التي وقفت موقف المتفرج واتهامها للوبي سلالي بإشعال هذه المعارك، قبل أن تنجح وساطة قبلية في إيقافها.

ويوم الاثنين الماضي، قُتل مواطنان اثنان وجرح آخر، برصاص عناصر مليشيا ‎الحوثي، في حاجز تفتيش بمدينة ‎الحزم عاصمة محافظة الجوف.

وقالت مصادر قبلية حينها لوكالة خبر، ان عناصر مليشيا الحوثي اوقفت ثلاثة من ابناء قبائل الشولان وهمدان في حاجز تفتيش وطلبت هوياتهم الشخصية، وبعد إبرازها والتعرف عليهم باشرتهم باطلاق الرصاص الحي، مما أسفر عن مقتل "أحمد بن صالح بن قريد وسالم بن محمد قريد" من ابناء قبيلة ذو حسين الشولان وجرح ثالث يدعى "أحمد الخويطر".

لكن المصادر لاحقاً أكدت ان عناصر المليشيا المتمركزة في حاجز التفتيش تنتمي الى قبيلة همدان ودفعتهم المليشيات لارتكاب الجريمة بهدف إشعال الحرب وفتح باب الثأرات بين القبيلتين.

وفي المحافظة نفسها، احتدمت التوترات منتصف الشهر الجاري بين قبائل "آل صقره - الشولان" و"آل قتاده - دهم" و"آل جحوان" على خلفية أراضٍ متنازع عليها تدعى "أم الذياب" منذ نحو 20 عاما، واستحداث البناء عليها، وتطورت إلى اشتباكات مسلحة، ما أدى إلى مقتل "حمد عبدالله صقره" وجرح "مختار يحيى عبدالله القرشي".

فيما قالت المصادر إن خلافات أخرى نشبت بين قبائل "بني نوف" و"آل فاطمه"، و"بني نوف" و"همدان"، وتطورت الى اندلاع اشتباكات مسلحة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.

وحذرت المصادر من مخطط لمليشيا الحوثي، باغتيال مشائخ ووجهاء قبليين، لغرض صب الزيت على النار واذكاء النزاعات القبلية مثلما فعلت مؤخرا بارسال عناصرها المنتمين لقبائل "آل صقره الشولان" على متن اطقم عسكرية ونصب كمين مسلح استهدف موكب الشيخ سعد لهفل احد مشائخ دهم والشيخ البارز خالد الشايف بهدف اغتيالهما بعد المرور من معيمرة وتحديدا في منطقة الهضبة مزوية بمديرية المتون، مما أسفر عن وقوع اصابات بين الطرفين، في حادثة تعد في نظر الأعراف القبلية بـ"غادرة وعيب أسود"، ولاقت استياء واسعا من قبائل الجوف.

وعمدت مليشيا الحوثي -مؤخرا- على تغذية الصراعات القبلية والمناطقية في عدد من المناطق التي تسيطر عليها، في اطار انتهاجها استراتيجية اصطدام القبائل ببعضها وتغذية خلافاتها لضربها ببعض، بهدف اضعافها وانهاكها واشغالها واستنزاف مخزونها البشري وفق سياسة فرق تسد.

وتعد هذه السياسة الحوثية، منهجية إمامية تسهل امامها عملية الفتك بالقبائل، التي تخشى واحدية موقفها وقوة تلاحمها، في ظل تعطل الخدمات وتدهور الوضع المعيشي وآثاره في خلق تكوين مقاومة ذاتية ذات طابع قبلي تزيد حدة السخط المجتمعي ضد انتهاكاتها، وتقويض سطوتها الأمنية كسلطة للأمر الواقع.