الآثار الإيجابية للوديعة السعودية سياسية لا اقتصادية

عام كامل ما بين الإعلان عن الوديعة والإعلان عن تحويلها وهي الفترة التي ظل صندوق النقد العربي يتابع فيها الحكومة القيام بإصلاحات اقتصادية لاستيعاب التمويل المعلن، والتي عجزت بدورها في التسريع من هذه الإصلاحات لأسباب عدة أهمها الفساد الذي ينخر العمل الحكومي.

مراحل ومحطات أعقبت الإعلان عن الدعم بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تتمثل في أنها في البداية كانت هبة أو منحة قبل أن تتحول إلى وديعة، أحيلت مسألة تنفيذها من قبل السعودية والإمارات إلى صندوق النقد العربي، وهي النقطة التي توقفت عندها الحكومة حائرة عاجزة.

تفاقمت الأوضاع الاقتصادية فتم الإعلان عن المسار السريع لاستيعاب المنح السعودية، وفي هذا الإعلان تم تحويل ثلاثين مليون دولار لشراء المشتقات النفطية لتوليد الكهرباء في المناطق المحررة، كما أعلن عن تمويل عشرات المشاريع التنموية بنحو 600 مليون دولار، وغيرها من الإعلانات، والتي لم يتم تنفيذ منها شيء سوى تحويل الثلاثين المليون الدولار لشراء وقود توليد الكهرباء لتخفيف الاحتقان حينها في المناطق الجنوبية نتيجة الانقطاعات المتكررة في الكهرباء.

مرت الشهور وتحركت الأوضاع، فيما ما زالت الحكومة واقفة عند عجزها في تلبية الشروط التي وضعها صندوق النقد العربي، حتى جاء الإعلان عن توقيع برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي بين الجانبين والذي يمنح بموجبها الصندوق مليار دولار على أربع سنوات مقابل تنفيذ الحكومة البرنامج الذي يهدف إلى تعزيز الشفافيات والالتزام بمعايير الحوكمة والحكم الرشيد، وتفعيل مؤسسات القطاع الاقتصادي وحشد الموارد العامة، وترشيد النفقات وصولاً لمرحلة التوازن النسبي بين الإيراد والصرف لضمان الاستغلال الأمثل للودائع والمنح.

صعّد الحوثيون من حربهم الاقتصادية وقصفوا موانئ تصدير النفط وتوقف على إثرها تصدير النفط، وحرمت الحكومة من مورد هام جداً كان يرفد الخزينة العامة للدولة بأكثر من مليار دولار سنوياً، فيما وقفت الحكومة حائرة عاجزة كحالها في كل مرة، ليخرج رئيس مجلس القيادة بتهديد من خطورة عدم قدرة الحكومة على دفع المرتبات.

تم ربط مسألة استئناف تصدير النفط بنجاح مفاوضات تجديد الهدنة، وبعدها بنتائج المشاورات التي تقودها مسقط بين السعودية والحوثيين، وظلت لفترات دون نتيجة مع استمرار تعنت الحوثيين، حتى أعلنت مصادر دبلوماسية متعددة فشل هذه المفاوضات، وهو ما يعني استمرار تعليق تصدير النفط، وارتفاع مخاطر تعثر الحكومة عن القيام بالتزاماتها تجاه المواطنين، وسط تحديات اقتصادية تتعاظم مثل انهيار العملة وارتفاع الأسعار ومخاطر انقطاع الكهرباء مع قدوم فصل الصيف.

وفي ظل هذه الظروف أعلنت السعودية عن تحويل مليار دولار، والذي يبدو أنه جاء بشكل مستعجل كان كردة فعل على فشل مشاورات مسقط، وهو الأمر الذي جعل الجانب السعودي يستثني الشروط التي ظل صندوق النقد يطالب الحكومة بتنفيذها.

اقتصاديون يؤكدون أن الوديعة الجديدة قُيدت بموجب اتفاقيتها بشروط يجعل من الصعب التصرف بها أو مصارفتها، إذ إن فترة الوديعة أربع سنوات تنتهي في العام 2025م، ويتم صرفها على مراحل بواقع 200 مليون دولار في العام، بما يعني أن النتائج الإيجابية لهذه الوديعة ستكون ضئيلة جداً، وأن الانعكاسات الإيجابية ستكون سياسية أكثر من كونها اقتصادية، لعدة اعتبارات أهمها أن مبلغ الوديعة صغير ولا يلبي احتياجات البلد من النقد الأجنبي سوى لعدة شهور، إضافة إلى توقف موارد البلد من النقد الأجنبي وخاصة حصة الحكومة من مبيعات النفط والغاز، إضافة إلى الشروط الصعبة التي وضعت لمصارفة الوديعة الجديدة.