لماذا لا يمكن التنبؤ بالزلازل؟

ضرب زلزال بلغت قوته 7.9 درجة جنوب تركيا في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، وشعر به سكان سوريا ولبنان والعراق ومصر واليونان وقبرص وأرمينيا، وقد خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى في تركيا وسوريا، إضافة إلى انهيار عدد كبير من المباني وحصار العشرات تحت الأنقاض، وخروج السكان إلى الشوارع المغطاة بالثلوج. وقد أعلنت السلطات التركية درجة الإنذار الرابعة التي تعني طلب مساعدة دولية. ويساهم الجيش التركي في عمليات الإنقاذ بالمناطق المنكوبة.
 
وبحسب آخر حصيلة، فقد تسبب الزلزال المدمر في سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، جراء الذي وُصف بـ"أكبر زلزال تشهده تركيا منذ قرن على الأقل"، إلا أن هذه الحصيلة مرشحة للارتفاع، حيث أفادت وكالة الكوارث التركية بارتفاع عدد القتلى جراء الزلزال إلى 1651 قتيلا و11,119 مصابا .
 
فيما اعلنت وزارة الصحة السورية مقتل أكثر من 960 شخصاً وإصابة 2400 على الأقل في أنحاء سوريا جراء الزلزال.
 
لكن هل يمكن التنبؤ بالزلازل قبل حدوثها؟
 
مع الأسف فإن الإجابة المختصرة لهذا السؤال هي: لا. ووفقاً لما ورد في موقع usgs، يعتقد العلماء أن التنبؤ بالزلازل القوية ليس أمراً من الممكن تحقيقه في المدى المنظور على الأقل.
 
في البداية ما هو الزلزال؟ بعبارات بسيطة: الزلزال هو اهتزاز مفاجئ وسريع يحدث إما بسبب الانفجار البركاني الذي يرافقه زلزال، وإما بسبب تصدُّع وانزلاق الصخور في باطن الأرض، وفي هذه الحالة تسمى الزلازل بالزلازل التكتونية. وتحدد درجة الزلزال بمؤشر من 1 إلى 10، حيث إن:
 
الزلزال الذي تتراوح شدته بين 1 و4، من الممكن الإحساس به، لكن قد لا تحدث بسببه أية أضرار.
 
الزلزال الذي تتراوح شدته بين 4 و6، تحدث بسببه أضرار متوسطة للمباني.
الزلزال الذي تتراوح شدته بين 7 و10، يعتبر زلزالاً من الدرجة القصوى، أي يستطيع تدمير مدينة بأكملها مخلفاً العديد من الوفيات والأضرار المادية.
 
تستطيع هيئات المسح الجيولوجي أن تحسب احتمالية وقوع زلزال كبير في منطقة معينة خلال عدد معين من السنوات.
 
وعلى الرغم من أن بعض الجهات قد تتنبأ بحدوث زلزال قريب فإن هذه التنبؤات لا تكون دقيقة في الغالب، فللتنبؤ بالزلزال يجب على العلماء تحديد ثلاث عناصر بدقة:
 
تاريخ وقوع الزلزال وساعة حدوثه
موقع الزلزال
درجة قوة الزلزال
 
ومع الأسف، لم يتطور العلم لدرجة يستطيع معها العلماء التنبؤ بهذه العناصر الثلاثة بدقة كافية. أما عن التنبؤات الصادرة عن غير المختصين فهي غالباً لا تستند إلى أدلة علمية ولا تستطيع تحديد العناصر الثلاثة بدقة، ويعتمد غير المختصين في تنبؤاتهم على أمور مثل تغيرات ملحوظة في سلوك الحيوانات أو على حركة الغيوم، لكنها مؤشرات غير كافية للتنبؤ بزلزال ما بشكل دقيق.
 
لماذا لا يمكن التنبؤ بالزلازل؟
 
يصدر باطن الكرة الأرضية موجات حرارية باستمرار، ويؤدي ذلك إلى تغيرات في كتل الصخور العميقة الواقعة بين باطن الأرض وقشرتها، ويؤثر ذلك بالتالي على الطبقات التكتونية المؤلفة للقشرة التي تتعرض للانكسار باستمرار، ومع زيادة الحرارة والضغط يحدث الزلزال على حين غرة.
 
وقد أظهرت الأبحاث أن الزلازل الصغيرة والكبيرة منها تتبع نمطاً معيناً، إذ تبدأ باهتزازت أولية تزداد شدتها إلى أن تصل إلى الذروة ثم تبدأ بالتلاشي مع احتمالية أن تتبع باهتزازات ارتدادية، لكن لا يستطيع العلماء تحديد وقت حدوث هذه الاهتزازات مسبقاً، ولا يستطيعون أيضاً تحديد وقت وصول الزلزال إلى ذروته بشكل دقيق، لأنهم ببساطة غير قادرين على التنبؤ بالطريقة التي ستستجيب بها الصخور للحرارة والضغط الهائل في باطن الأرض.
 
وفي حين يحتاج العلماء للحفر في باطن الأرض بأماكن التصدعات لدراستها، إلا أن هذه العملية صعبة ومكلفة للغاية، لذا يكتفي العلماء بدراسة عينات مخبرية، الأمر الذي لم ينجح كما هو واضح في تحديد أماكن الزلازل، وفقاً لما ورد في موقع forbes.
 
إشارات تمهيدية قد تدل على الزلازل
 
كما سبق أن ذكرنا، لا توجد طريقة للتنبؤ بالزلازل بشكل دقيق بناءً على أسس علمية، مع ذلك تعتمد بعض الجهات على إشارات تمهيدية معينة قد تدل على أن زلزالاً قادماً سيضرب المنطقة.
 
على سبيل المثال، لاحظ العلماء بعض التغييرات البيئية التي تسبق حدوث الزلازل مثل زيادة تركيزات غاز الرادون في المناطق المعرضة للزلازل، والتغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي والتشوهات الأرضية القابلة للقياس، والتغيرات الجيوكيميائية في المياه الجوفية.
 
بعض الزلازل سبقتها تغيرات في مستوى المياه الجوفية. فعندما تحدث تصدعات في طبقات الصخور الموجودة في باطن الأرض قد يؤدي ذلك إلى تغيير نفاذية الصخور للمياه، مما يؤثر على مستويات المياه الجوفية. أيضاً، يمكن أن تتغير الكيمياء المائية للينابيع، كما قد يلاحَظ وجود تسرب للمواد الكيميائية إلى المياه الجوفية، أو قد تتغير أنماط تدفق المياه في باطن الأرض.
 
مستويات الرادون قد تعتبر إشارة تمهيدية أيضاً، والرادون هو غاز يتكون من التحلل الإشعاعي لعناصر موجودة في معادن معينة، وقد تم استخدامه في الماضي للتنبؤ بالزلازل، ولكن ليس من الواضح للعلماء بعد كيف يمكن ربط تركيز الرادون مع حدوث الزلازل. يعتقد العلماء أن التشققات الحاصلة في باطن الأرض قد تؤدي إلى تغيير نفاذية الصخور وبالتالي تسرب الرادون إلى السطح. وفي حين أن من الممكن اعتبار زيادة تركيز الرادون على أنها إشارة تمهيدية، لكن مع ذلك لا يمكن اعتماده كطريقة قطعية للتنبؤ بزلزال محتمل.
 
اعتبرت التغيرات في المجال الكهرومغناطيسي في السابق دليلاً على احتمالية وقوع زلزال وشيك، إذ إن الضغط الشديد المطبق على الصخور الباطنية من الممكن أن يؤثر على الطاقة الكهرومغناطيسية.
 
لكن لسوء الحظ، جميع هذه الإشارات لا تعتبر دقيقة بما يكفي للتنبؤ بالزلازل، ففي بعض الحالات سبقت الزلازل تغييراتٌ مثل التغييرات الكهرومغناطيسية والتغييرات في مستويات المياه الجوفية والتغييرات في مستويات الرادون، لكن في حالات أخرى لم يلاحظ العلماء أياً من هذه التغييرات في المناطق التي ضربتها الزلازل، مما يعني أنه لا يمكننا التنبؤ بالزلازل حتى مع أخذ هذه التغييرات بعين الاعتبار.
 
ما الذي يستطيع العلم التنبؤ به إذاً؟
 
على الرغم من استحالة التنبؤ بالزلازل بشكل دقيق قبل وقوعها، فإن العلماء لا يزالون قادرين على تحديد قوة الزلزال وموقع بؤرته في اللحظة التي تبدأ فيها عملية الاهتزاز.
 
فالموجات الزلزالية تنقسم إلى قسمين، ويرمز للقسم الأول بالرمز (P)، وتتميز هذه الموجات بسرعة انتشارها الشديدة. أما القسم الثاني من الموجات الاهتزازية فيرمز له بالرمز (S)، ولهذه الموجات سرعة انتشار أقل، لكنها هي المسؤولة عن الأضرار التي تخلفها الزلازل.
 
مع تقدم التكنولوجيا وعلم الجيولوجيا بات العلماء قادرين على تحليل الأمواج الأولية (P) عند اقترابها من بؤرة الزلزال، وحين تحديد قوة الزلزال ومركزه يُمكن حينها تحديد قوته في أيّ موقع آخر.
 
كذلك تمكن العلماء من ابتكار أنظمة إنذار خاصة يتم من خلالها استشعار الموجات الاهتزازية الأولية الناتجة عن الزلازل، وإرسال إشارات تحذيرية تفيد بقرب وقوع الزلزال في المنطقة التي توجد فيها أجهزة الإنذار تلك، مما قد يتيح لسكان المنطقة اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على حياتهم.