"جريمة القرن"| التأمل والمقايسة.. في كشف المخبوء والمستتر

- الحمدان: حرص منفذو العملية على أن يكون "جامع النهدين مقبرة جماعية لا يخبو أوار جحيمها"
- كل مخططات الإخوان المسلمين على أرض الواقع تنحو نحو عنف ممنهج

في كتابه "اليمن تحالف القبيلة والإخوان – أسرار محاولة اغتيال الرئيس علي عبدالله صالح" يحاول الروائي والكاتب أحمد عبدالله الصوفي، بلغة السرد الأنيق والمنسجم مع توافر عناصره والإعلاء – في الآن ذاته – من قيمة الوثائق التي استقى منها المؤلف أحداث قصته الشيقة؛ إعادة القارئ إلى صبيحة يوم الجمعة 3/6/2011م باذلاً كل الجهد لإعادة ترتيب الأجزاء الأصلية المتناثرة من حُطام ذلك اليوم بطريقة علمية تزاوج بين أساليب الرواية الحديثة ولا تُغفل كذلك أهمية العودة إلى الوثائق والمحاضر التي دونت أهم ساعات ودقائق ذلك اليوم الصعيب..

يأتي الكتاب في ثلاثة فصول، ولكل فصل وثائقه ومستنداته التي يتكئ عليها ويستند إلى إشاراتها المؤلف في كشف المخبوء من أسرار الجريمة، وينقل من خلال تلك الوثائق مؤشرات تدل على قوة وحضور ثقافة المؤامرة، وتماسك أطرافها، وتطور الوسائل المستخدمة لاختراق أمن رئيس دولة لطالما تمرّس في إجادة تأمين خطواته، ليس هذا فحسب بل إن صفحات الكتاب تكشف عن طبيعة تحالف القبيلة والإخوان وتُعري حرص منفذي العملية على أن يكون "جامع النهدين" مقبرة جماعية لا يخبو أوار جحيمها المغروس قوالب متفجرة في أرجاء المسجد إلى الحدّ الذي ينقطع معه الأمل بنجاة أحد من خصوم العملية السياسية والقضاء المبرم على كل عناصر تراتبية العمل السياسي، ابتداءً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشورى ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الإدارة المحلية ومحافظ صنعاء لتسقط السلطة خلال الفترة الدستورية بيد نائب رئيس مجلس النواب حمير الأحمر الذي سيحلُّ مع نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي مكان المؤسسات الدستورية – حسب إفادة الأستاذ/ علي الحمدان، سفير المملكة العربية السعودية.

لا يتوقف الكتاب عند هذا السقف من الكشف والتعرية وتسليط الأضواء على المخبوء من الحقائق والأسرار المتوارية خلف الساتر الدعائي الذي يسعى جاهداً لحجب الحقيقة وطمس معالمها.

بل يمضي بإصرار الباحث، وتخييل المبدع القادر على اكتشاف زوايا لا تراها العين؛ في الكشف عن أسرار الانقلاب "السلمي" – والتعبيرُ هنا للمؤلف – على الرئيس علي عبدالله صالح، مؤكداً على تنوع السيناريوهات التي تترجم القاسم المشترك بين أكثر أطراف المعارضة والتواطؤ الاقليمي، لنجده فيما بعد يسلط الضوء على تصرف جميع الأطراف وبما يخلق بدوره انطباعاً عاماً أنهم جميعاً لا ينظرون إليها كجريمة.
وكأنهم ضالعون أو راغبون في نجاح العملية لحظة حدوثها أو أنهم يرغبون في دفن تفاصيلها بعد حدوثها.

يواصل المؤلف الصوفي الغوص باتجاه الأعماق، محاولاً سبر أغوارها واستنطاق خفاياها من خلال كشفه عن رافعة مزاعم الإخوان المستترة خلف يافطات "الثورة السلمية"، فيما تؤكد كل مخططاتهم على أرض الواقع، بأن خطواتهم تنحو نحو عنف ممنهج، ليبرر من ورائها الجناة خيارات تصفوية دموية لا تطال الخصوم فقط، بل تطال وبشكل مدروس حتى الحلفاء. وهنا يقف المؤلف على مجموعة من القواسم المشتركة بين حادثة اغتيال الإمام يحيى ومحاولة اغتيال الرئيس علي عبدالله صالح بقصد كشف أنساق وسياقات العقلية المدبرة لهذا الفعل الإجرامي، الأمر الذي يوصله في صفحات لاحقة من الكتاب للكشف عن عملية انقلاب ممنهج ومدروس تحفزهُ فيما بعد للعمل على تأصيل تاريخ العنف في محدداته وتجلياته المرتبطة منهجياً بتاريخ نشوء حركة الإخوان المسلمين وبمنتهى الذكاء لا يُجيب – صراحة – عن السؤال الذي وضعه بداية الفصيل المعنون بـ"من وراء محاولة الاغتيال؟" ولكنه يجعل الإجابة تبدو سهلة، إذ تبين للقارئ حينئذ أن جميع المنخرطين في المؤامرة، تدبيراً وتنفيذاً وتمويلاً، كانوا من عناصر الإخوان المسلمين "التجمع اليمني للإصلاح"، كما يكشف في التوقيت ذاته عن دور الإعلام المؤدلج في تزوير الحقائق، ومحاولة صياغة الجريمة بما يضمن إخفاء آثار المجرمين.

كما ترصد صفحات الكتاب خطر الإخوان المسلمين المتمثل في الترصد والاستغلال والتمدد في كل جزء تركه حينها المشروع القبلي أو المدني للإخوان، كما يبلغ الكشف ذروته عند عرض تفاصيل الاتصال المثير بين الملك عبدالله ونائب رئيس البلاد حينها عبدربه منصور هادي والذي أقر به هادي في لقائه بأبناء محافظة البيضاء في 26/6 في دار الرئاسة وهو ما جعل المؤلف يتوقف عن التعليق على هذا الأمر المثير للتساؤل حول الأسباب التي جعلت الملك عبدالله يجري مثل هذا الاتصال.

ولعل ما يميزّ كتاب "اليمن تحالف القبيلة والإخوان" في طبعته الثانية خضوع نصوصه وإضافاته، للتدقيق والتعديل والإضافة المهمة وبما يُسهم في تجلية وجه الحقيقة أمام القارئ وترتيب محطات المعلومات المتدفقة في إطار منهجي محايد، يثير الأسئلة، ويقيس جدوى المعلومة، يعمل على تغيير زاوية النظر للأحداث، وتوظيف المعلومة الدقيقة لتبئير النجاح الباهر في عرض فصول هذه الأحداث عبر لملمة تفاصيل ساطعة لم تكن متوافرة عند صدور الطبعة الأولى من الكتاب.

* صحيفة المنتصف