الوحدة اليمنية.. ونهج المليشيات الحوثية الذي يهدد بضياعها

رغم أن الوحدة اليمنية ظلت حلم أجيال متوالية، إلا أن تحقيقها لم يكن أمراً سهل المنال، بل تحققت بصعوبة بالغة ونضالات شاقة ومساعٍ عربية مضنية طيلة ثلاثة عقود؛ تخللتها محطات صراع وأزمات متوالية؛ نتج عنها كلفة دموية باهظة، وتبديد للطاقات فيما لا طائل منه، كل ذلك بسبب لعنة شطرية قديمة لم تكن لتحدث لولا كهنوت إمامي مرفوض، ودوامة استعمارية متلاحقة.. ثم خلافات مؤسفة عقب الثورة جنوباً ظلت تؤجل هدف الوحدة مع الشمال، إلى أن توفرت الإرادة الحقيقية في العام 1990م.

ورغم أن الوحدة نجحت في إنهاء صراعات التشطير ولمّ الشمل اليمني وتثبيت أواصر المحبة والسلام والتفرغ للتنمية، إلا أن الميليشيا الحوثية القادمة من ذات الماضي الكهنوتي بددت حلم اليمنيين بوطن متعايش، وأثارت مخاوف الجميع من أن استمرار حربها يزيد من تعميق التشرذم؛ وإعادة اليمن إلى أسوأ من وضعه قبل الوحدة، لتضيع جهود سنوات طوال ونضالات أجيال بُذلت لتحقيق حلم العصور، وركل البراميل الشطرية.

إذ يُجمع المؤرخون والمحللون على أن اليمن الطبيعي لم يمر في تاريخه بكارثة تمزيقية كالتي يمر بها حالياً.. فقد تسببت النكبة الحوثية في إعادته إلى حالته البدائية في زمن الدويلات المتنازعة.. فثمة وطن متشظٍ تتقاسمه ميليشيا مسلحة وكيانات متنافرة، وحواجز وبراميل كثيفة أسوأ من وضعها قبل الوحدة، ما عقّد التواصل بين المناطق وباعد المسافات بين الجسد اليمني الواحد.

ولم تكتف الميليشيا بما أحدثه انقلابها على الإجماع الوطني من شرخ في النسيج الاجتماعي، بل طوال حربها المدمرة سعت بكل غباء إلى بث الفرقة والفتن بين الصف الوطني، وتأجيج الخصومات بين المناطق المتجاورة، وإحياء العصبية الجاهلية والثارات القديمة، وتغذية النعرات المذهبية والعرقية والمناطقية والجهوية، واستغلال أي خلافات حزبية أو قبلية؛ وحتى أسرية بهدف إيجاد بيئة صراعات تتوالد فيها التشرذمات.. في تعمد للإضرار بالوحدة الوطنية وإحداث شرخ مجتمعي عميق وتقسيم الوطن إلى كنتونات صغيرة يسهل ابتلاعها، دون أن تدرك ما تسببه فتنها من تعميق للكراهية واهتراء للنسيج اليمني يصعب التئامه مستقبلاً مهما امتلكت من قوة، بسبب الرفض المجتمعي المطلق لمشروعها العنصري الدخيل.