بعد "إعلان الزحف" ودعوة "حمل السلاح".. هل تسقط أديس أبابا؟

على بعد نحو 400 كيلومتر من أديس أبابا، وبعد إعلان سيطرتها على المدينتين الاستراتيجيتين كومبولشا وتيغراي الاستراتيجتين في إقليم أمهرة، باتت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تهدد الآن بتصعيد المعارك إلى مستوى آخر، والزحف نحو العاصمة ذاتها.

في مواجهة ذلك، أعلنت الحكومة الإثيوبية، الثلاثاء، حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر، فيما نصحت السفارة الأميركية في أديس أبابا الأميركيين المقيمين في إثيوبيا بالاستعداد لمغادرة البلاد.

وأكدت الناشطة السياسية المنحدرة من تيغراي، المقيمة في السويد، سعاد عبده محمد، في حديث لموقع "الحرة"، على عزم "المناضلين بالوصول إلى أديس أبابا"، معتبرة أن "هذا أقل ما يجب فعله بعد الاضطهاد الذي فعلته الحكومة بحق شعب تيغراي"، على حد قولها.

وقالت محمد: "سقوط أديس أبابا لم يعد بعيدا، لاسيما أن أبي أحمد (رئيس الحكومة الإثيوبية) لا يمتلك جيشا قويا، ولذلك يستعين بالمدنيين". 

وترافق إعلان حالة الطوارئ مع توجيهات من إدارة مدينة أديس أبابا، دعت فيه سكان العاصمة لـ"حمل أسلحتهم والتجمع في أحيائهم"، طالبة ممن "لا يستطيعون المشاركة في القتال بتسليم السلاح إلى الحكومة أو أقاربهم أو أصدقائهم المقربين".

وفي المقابل، استبعد المحلل السياسي إبراهيم إدريس سليمان، في حديث لموقع "الحرة"، إمكانية سقوط أديس أبابا، قائلا: "الأمر ليس بهذه السهولة".

وأوضح سليمان أنه "تاريخيا، استطاعت قوات تيغراي  والأورومو أبان تجربة المعارك التي كانت بين إريتريا وإثيوبيا السيطرة على أديس أبابا، لأنها كانت في أضعف حالاتها، ولكن الواقع اليوم اختلف".

وأضاف: "عام 1991، فر الرئيس الإثيوبي السابق، منغستو هيلا مريام إلى زيمبابوي، وكان هناك انشطارات في صفوف الجيش، مما ساعد القوات المتمردة حينها إلى الوصول للعاصمة وفرض سيطرتها عليها".

وتابع: "إثيوبيا الآن بأقوى حالاتها، إذ تمتلك أسلحة مجربة، وهناك وحدة ودعم بين الحركة السياسية والمليشيات الشعبية في أمهرة، وبين الجيش الإثيوبي الذي يجمع كل القوميات باستثناء قومية تيغراي".   

وفي المقابل تشكك سعاد محمد بقدرات الجيش الإثيوبي، معتبرة أنه "يضم مجموعة من العناصر المدربة منذ أشهر قليلة، فضلا عن افتقاده للهدف النبيل، فهو يقاتل شعبه".

وذكرت محمد أن "أعدادا كبيرة من القوات الإثيوبية قامت بتسليم نفسها إلى الجبهة الشعبية التي أثبتت احترامها للأسرى، كما أن غالبية الإثيوبيين، وفي أمهرة تحديدا، يعلمون أن أبي أحمد هو السبب في قتلهم".

والاثنين، قالت الحكومة الإثيوبية، إن قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي المتمردة قتلت 100 شاب في كومبولتشا.

وشددت محمد على أن "قوات تيغراي تقاتل بالتعاون مع الأورومو وغيرها، الأمر الذي يزيدها قوة نحو الإطاحة بحكم الاستبداد والظلم".

وكان المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، غيتاتشو رضا،  أعلن الاثنين عن انضمامها  إلى قوات الأورومو في قتالها ضد الحكومة المركزية، ملمحا إلى عزم المتمردين الوصول إلى العاصمة الإثيوبية، "إذا كان تحقيق أهدافنا في تيغراي سيتطلب منا ذلك".

ولكن سليمان يعتقد أن "الجبهة الشعبية ومن يساندها فاقدة للقوة الكافية، حيث لا تمتلك الأسلحة القوية ولا المدرعات المتينة"، وتوقع "اندلاع معركة حامية يطلقها الجيش الإثيوبي خلال الأسبوعين المقبلين، ما لم يتدخل المجتمع الدولي لرأب الصدع والوصول إلى حل دبلوماسي".

والاثنين، دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، جميع الأطراف إلى "وقف العمليات العسكرية، والبدء في مفاوضات لوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة".

وكذلك حث وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الأطراف المتحاربة على وقف القتال، معربا عن أمله في إجراء مفاوضات تحت رعاية الممثل الأعلى للاتحاد الأفريقي، أولوسيغون أوباسانجو.

من جهتها، تتمسك محمد بأن "قوات تيغراي قادرة على الاستمرار في المعارك، بدليل سيطرتها على ديسي"، مبينة أن "الهدف من ذلك إدخال المساعدات الإنسانية، ومن ثم الإطاحة بنظام أبي أحمد".

وتسببت الحرب في انتشار الجوع بين أعداد من السكان، حيث  قدرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أن حوالي 900 ألف شخص في تيغراي يواجهون ظروف مجاعة.

وتقول الولايات المتحدة والأمم المتحدة إن القوات الإثيوبية منعت مرور شاحنات تحمل مواد غذائية، ومساعدات أخرى،  حيث كشف المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، الثلاثاء، أن المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى تيغراي "تشكل 13 بالمئة من حاجة الناس".

وتشير روايات شهود العيان حتى الآن إلى أن المدنيين في تيغراي تعرضوا لفظائع، واتهموا الحكومة الإثيوبية، وميليشيات الأمهرة، والجنود الإريتريين بالوقوف وراء ذلك.

وعن السيناريو المتوقع في ظل اقتراب المعارك من العاصمة، يقول سليمان إن "أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تطول مدة المعارك التي تحولت إلى حرب أهلية حقيقية بوجود ميليشيات شعبية على الأرض، لاسيما بعد دعوة أبي أحمد".

وكان رئيس الوزراء دعا، في بيان، أصدره الأحد، أنصاره إلى مضاعفة جهودهم للانتصار في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد.

وكذلك، أصدرت حكومة أمهرة، حيث تقع كومبولشا وديسي، مرسوما الأحد، يأمر جميع المؤسسات بتعليق الخدمات المنتظمة وتخصيص ميزانياتها وطاقتها لـ"حملة البقاء".

وعن ما يريده شعب تيغراي من هذه "الحرب الأهلية"، تقول محمد: "اضطهدنا واغتصبت نساؤنا وقتل رجالنا، ولذلك نحن مقتنعون بأننا لا نريد أن نبقى إثيوبيين، نهدف إلى الاستقلال كدولة منفصلة لا كإقليم فيدرالي تابع للحكومة المركزية".

وعادت، منذ يونيو الماضي، الشرارة إلى النزاع في تيغراي الذي بدأ في نوفمبر 2020، حين أرسل رئيس الوزراء الجيش إلى الإقليم، للإطاحة بجبهة تحرير شعب تيغراي الحاكمة محليا، مبررا العملية بأنها رد على استهداف قوات الجبهة معسكرات للجيش الفيدرالي.

لكن المتمردين استعادوا السيطرة على معظم المنطقة، في يونيو الماضي، وأجبروا القوات الإثيوبية على الانسحاب إلى حد كبير. وواصلوا هجومهم في مناطق أمهرة وعفر المجاورة.