السعودية تمكن إيران من استثمار رداءة فعلها السياسي في لبنان واليمن

إن مقارنة بسيطة بين ما قاله وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بحق الحوثيين وما قاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يكشف هشاشة السياسة التي تدير المملكة العربية السعودية ، فقول قرداحي إن الحوثي يدافع عن نفسه من عدوان سعودي إماراتي ، أقل وقعا من قول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، إن الحوثي يمني ولديه نزعة عروبية، وهو بهذا القول ، يبرر للحوثي عدوانه على اليمنيين ، بل ويعطيه صفة النزعة العروبية وهو يعلم أن الحوثي رصاصة من رصاصات ثورة الخميني التي لم تتوقف منذ انطلقت في العام ١٩٧٩ م .

إذا لماذا كل هذه الثورة على لبنان التي تبرأت من جورج قرداحي بكل مؤسساتها ، ابتداء من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونواب وقادة أحزاب ومثقفين ومفكرين ، ولماذا سحبت السعودية سفيرها في لبنان وطردت السفير اللبناني لديها ، ومنعت الواردات اللبنانية إلى المملكة وحضرت سفر مواطنيها إلى لبنان ؟

الجواب بكل بساطة ، إن السعودية تدفع بلبنان إلى أحضان إيران ، فهذا التنمر الذي تمارسه ليس تجاه لبنان فحسب ، بل تجاه بلدان أخرى من بينها اليمن ، يمكن إيران ووكلائها المحليين من السيطرة على لبنان ، ففي الوقت الذي يعاني منه لبنان من أزمة اقتصادية هي الأخطر بحسب البنك الدولي ، تسعى السعودية إلى مضاعفة هذا الجرح ، في الوقت الذي نسمع وكلاء إيران في لبنان يستقبلون النفط الإيراني وتعزز إيران من حضورها بأقل التكلفة .

سبق وأن أشرت في إحدى مقالاتي إلى بؤس السياسة السعودية التي تديرها اللجنة الخاصة والتي تقوم في الأساس على العلاقات الخاصة وليس على فن الممكن والعلاقات الدولية القائمة على المصالح المشتركة ، هذه السياسة تعتمد على اللعبة الصفرية المبنية على مبدأ أن تكون معي أو تكون ضدي ، وأي ربح لك يعني خسارة لي ، وقد لمسنا هذه العلاقة تحديدا مع اليمن في مراحل متعددة كيف لجأت السعودية إلى طرد اليمنيين العاملين في المملكة بسبب سوء علاقاتها مع بعض الاشخاص ، وهو ما تقوم به اليوم تجاه لبنان .

دعوني أذكركم بإقدام إدارة بايدن باستبعاد مليشيا الحوثي من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية ، وهذا مؤشر على دعم الإدارة الأمريكية للحوثيين وعدم دعم السعودية ، ومع ذلك لم تتنمر السعودية على أمريكا ولم تستدع سفيرها في واشنطن ولم تطرد السفير الأمريكي في الرياض ، وكم صرح مسؤلين أمريكيين بتصريحات مسيئة للمملكة ولم نر هذا التنمر الحاصل اليوم مع لبنان الذي يجاهد للبقاء ضمن دائرته العربية .

ولست بحاجة لتكرار ما قلته مرارا وتكرارا ، بأن من يدير سياسته بلجنة خاصة ويهمش كوادره التي تعلمت السياسة في كبريات الجامعات العالمية ، ليس بحاجة إلى أعداء ، فهو عدو نفسه ، فهل من العقل والمنطق ، حينما تعرضت الرياض لاستهداف بصاروخ من قبل الحوثيين ، لجأت الرياض إلى أخذ رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري رهينة عندها ، ورهنت رجوعه بتحرك اللبنانين لمحاصرة حزب الله .

السياسة السعودية لا تحول المقربين منها إلى أعداء لها فحسب ، بل تدفع بهم إلى حالة من اللقاء الاستراتيجي مع إيران ومع بعض الحلفاء الإقليميين ، لعلكم تذكرون ما قاله محمد بن سلمان من أن إشكالية السعودية مع إيران هي في التصرفات السلبية لإيران ودعمها لمليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة ، ولم يسأل نفسه ، لماذا المملكة تنشئ مع الإمارات مليشيات في اليمن وتدعمها خارج الشرعية وخارج القانون ؟

أخيرا يمكن القول ، ماذا لو أن السعودية تنقل الملف اليمني من اللجنة الخاصة وتسليمه لمتخصصين في العلاقات الدولية القائمة على منطق المصلحة ، بالتاكيد سيجعلون الخيارات السياسية تصاحب الخيار العسكري ، وسيعيدون ترتيب الأوراق والتحالفات وسيحولون عائدات الحرب إلى مكاسب سياسية ، وسيبعدون بلادهم من دائرة الاتهام ، وسينقذونها من فشل الخيار العسكري الذي وضعت فيه برغم إمكاناتها الكبيرة .

إن الطريقة التي تتبعها السعودية تجاه لبنان تمكن إيران ووكلائها المحليين من السيطرة على لبنان ، وبدلا من أن تعزز السعودية من موقف لبنان وموقف حلفائها تذهب إلى معاقبتهم لتدفع بهم إلى أحضان إيران ،  ولو توقفت أمام نفسها قليلا لوجدت أن إيران تتلقى النقد والتوبيخ أضعاف مضاعفة مما تتلقاه المملكة ، لكنها لا تضغط على حلفائها ولم تهددهم بقطع الدعم عنهم ولم تستدع سفيرها يوما ما أو تطرد السفير اللبناني ، وخلال أزمة الطاقة أعلنت إيران  استعدادها تزويد لبنان بالبترول ، بينما المملكة تركت لبنان المتشبث بعروبته يتخبط في ظلامه وأزمته ، دائما السعودية تمكن إيران من استثمار رداءة فعلها السياسي وتحوله إلى إدانة ضدها.