العراق. خسارة الحشد الشعبي للانتخابات تثير المخاوف من اندلاع حرب أهلية

يعيش العراق على صفيح ساخن، منذ الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية والتي خسرت فيها الميليشيات الموالية لإيران نفوذها السياسي، ما دفع الأخيرة إلى التهديد بالاحتكام إلى الشارع. ويثير هذا السيناريو المخاوف من اندلاع حرب أهلية.
 
تواصل الأذرع السياسية للميليشيات الشيعية المتنفذة في العراق التهديد بالاحتكام للشارع رفضا لنتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد، وهو ما يثير مخاوف من اندلاع حرب أهلية في البلاد المأزومة أمنيا.
 
وحذرت الرئاسة العراقية ومجلس القضاء الأعلى في البلاد الجمعة من أي تصعيد يمسّ السلم والأمن المجتمعي.
 
ودعا بيان مشترك للرئيس برهم صالح ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان جميع الأطراف في البلاد إلى تبنيها “موقفا وطنيا مسؤولا يأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للبلد، والتزام التهدئة وتغليب لغة العقل وتجنّب أي تصعيد قد يمسّ السلم والأمن المجتمعي”.
 
وأشار إلى أن الاعتراضات على سير العملية الانتخابية ونتائجها، ستكون “مقبولة ضمن السياق القانوني والتعامل معها يكون وفق الدستور والقانون ليكون الفيصل”.
 
وكان “الإطار التنسيقي”، الذي يضم أذرعا سياسية لفصائل مسلحة متنفذة وقوى شيعية أخرى، قد حذر في بيان الأربعاء، من أن المضي بالنتائج المعلنة من شأنه “تهديد السلم الأهلي وتعريضه للخطر”.
 
ووفق النتائج الأولية التي نشرتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية، تصدّرت الكتلة الصدرية النتائج بـ73 مقعدا من أصل 329، فيما حصلت كتلة “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي (سُني) على 38 مقعدا، وفي المرتبة الثالثة حلت كتلة “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006-2014) بـ37 مقعدا.
 
وترفض الفصائل الشيعية التي خسرت الانتخابات التخلي بسهولة عن النفوذ الكبير الذي اكتسبته خلال السنوات الماضية.
 
وكان تحالف “الفتح” أبرز الخاسرين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر الجاري.
 
ووفق نتائج أولية فإن “الفتح” فاز بـ14 مقعدا فقط (من أصل 329)، بعد أن حلّ في المرتبة الثانية برصيد 48 مقعدا في انتخابات 2018.
 
ويضم تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، أذرعا سياسية لفصائل شيعية متنفذة مرتبطة بإيران من بينها عصائب أهل الحق، وحزب الله العراقي، وحركة النجباء، وازداد نفوذها بصورة كبيرة منذ الحرب ضد تنظيم داعش (2014-2017).
 
ورغم أن هذه الفصائل تابعة رسميا للقوات المسلحة، وتتلقى رواتبها وأسلحتها من الدولة ضمن إطار الحشد الشعبي، إلا أنها خاضعة فعليا لأوامر قادتها المرتبطين بإيران.
 
ويرى متابعون للشأن العراقي، أن تلك الفصائل تحولت إلى ما يشبه دولة داخل دولة، حتى أن نفوذها يفوق سلطة الحكومة وقواتها المسلحة.
 
وسيضع أي نزاع مسلح محتمل، هذه الفصائل في مواجهة مباشرة مع الجيش، وكذلك سرايا السلام وهي الجناح العسكري للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي تصدر الانتخابات.ويرى المحلل السياسي سعد الزبيدي، أن المصادقة على النتائج الأولية وجعلها نهائية من شأنها الذهاب بالبلاد نحو الفوضى.
 
وقال الزبيدي إن “النتائج جاءت عكس التوقعات، ومعظم الأطراف الخاسرة لديها أجنحة مسلحة، وتفاجأت بخسارة فادحة، بعد أن كانت متصدرة في انتخابات 2018 وقبلها”.
 
وكانت مفوضية الانتخابات أعلنت النتائج الأولية بعد أقل من 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع.
 
وقالت المفوضية إنها لم تتلق أي شكاوى حمراء خلال عملية الاقتراع، في إشارة إلى الشكاوى المتعلقة بالتزوير والتلاعب. كما لم يرصد الآلاف من المراقبين المحليين والدوليين خروقات كبيرة في الانتخابات، التي نالت إشادة من الأمم المتحدة.
 
وتجري مفوضية الانتخابات عملية عدّ وفرز يدوية لـ6 في المئة من أصوات الناخبين في المحطات التي قالت المفوضية إن الأجهزة الإلكترونية تعطلت فيها وتعذر الحصول على نتائجها على الفور.
 
وفي المقابل يتوقع مراقبون للشأن للعراقي أن تكون هناك مشاورات وتوافقات في الكواليس، من أجل عدم تعقيد الموقف واللجوء إلى منطق الحكمة والعقل، وقد تكون هناك تنازلات من الكتلة الصدرية للحفاظ على أمن البلاد.
 
وقال رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية (مقره بغداد) عباس الجبوري، إن “من يتصور بأنه ستكون هناك حرب، فهذا الشيء بعيد عن الواقع”.
 
واعتبر الجبوري أن “هناك الكثير من العقلاء المتفهمين للوضع، رغم وجود معترضين”، مشيرا إلى أن “القضاء سيبتّ في الطعون وينتهى الأمر”.
 
وخلال الساعات القليلة الماضية، تصاعدت نبرة التصعيد من الفصائل الشيعية التي خسرت الكثير من مقاعدها في الانتخابات، فيما دعا الصدر في تغريدة على تويتر إلى “ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة على الخاصة”.
 
وقال الباحث في الشأن السياسي جليل اللامي إن “الوضع بدأ يثور كالبركان”، وأوضح أن التوتر يسود بين مفوضية الانتخابات والحشد الشعبي حتى قبل عملية الاقتراع، بعد استبعاد مقاتلي الحشد من التصويت الخاص بقوات الأمن، والذي جرى قبل يومين من التصويت العام، وذلك بسبب تأخر تسليم قوائم أسماء عناصر الحشد.
 
وأضاف “إذا لم تتخذ المفوضية إجراء سريعا، فإن هذا الأمر قد يتسبب في أزمة لا يحمد عقباها، بعد أن هددت بعض الفصائل باللجوء إلى مختلف الوسائل للبقاء في الساحة السياسية”.
 
وبعض الفصائل الشيعية كانت موجودة بالفعل حتى قبل سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، من أبرزها منظمة بدر بزعامة هادي العامري، والتي كانت تحظى بدعم وتمويل من إيران.
 
لكن معظم الفصائل تشكلت لاحقا بعد سقوط نظام صدام، وكانت تعمل في الخفاء إبان احتلال الولايات المتحدة للعراق (2003-2011) لمحاربة الاحتلال، وكذلك انخرط الكثير منها في النزاع الطائفي العنيف بين عامي 2006 و2008 بين السنة والشيعة.
 
وعند اجتياح داعش لشمالي وغربي البلاد، انضمت الفصائل للقوات الرسمية في محاربة التنظيم تحت مسمى الحشد الشعبي، وجرى الاعتراف بها رسميا كأحد تشكيلات القوات المسلحة، وهو ما منحها الكثير من النفوذ عبر الانتشار في أرجاء البلاد باستثناء إقليم كردستان العراق (شمال).
 
وكانت الفصائل تروّج لنفسها على أنها حامية الشيعة ضد “الإرهابيين السُّنة” المنتسبين إلى تنظيمي القاعدة وداعش، إلا أن قاعدتها الشيعية اهتزت خلال العامين الأخيرين بعد اتهامها بقمع الاحتجاجات الشعبية في وسط وجنوبي البلاد ذات الأكثرية الشيعية، والتي خرجت للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد المنتشر على نطاق واسع.
 
وينفي قادة الفصائل ضلوعها في أي أعمال قمع، ورغم ذلك فإن الشعارات التي رفعها المتظاهرون والهتافات التي رددوها نددت بتلك الفصائل، ولاسيما المرتبطة منها بإيران.
 
وعلى مدى أشهر طويلة كانت مقرات تلك الفصائل في مرمى الاحتجاجات وتم إضرام النيران فيها مرارا وتكرارا.

*العرب