رئيس لجنة تحقيق حرب غزة: إسرائيل ضدي.. ولن أستقيل

قال ويليام شاباس، الخبير الكندي في القانون الدولي، الذي يرأس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي ستحقق في حرب إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة في الشهرين الماضيين، إنه رغم الضغوطات الشديدة التي تمارسها إسرائيل حكومة وإعلاما، ومطالبتهم إياه بالتنحي عن رئاسة اللجنة فإنه لن يستقيل، وقال لـ«الشرق الأوسط»، «لا لن أستقيل إلا إذا رأى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن وجودي على رأس اللجنة سيعطل سير التحقيق، وإلا فلن أستقيل».

وأضاف «أنا لم أسمع هذه الدعوات إلا من الإسرائيليين، وإعلامهم والمؤيدين لهم، ولن أفسح المجال لأي منهم ليزعجني، فأنا هنا من أجل القيام بعمل كلفت به ولن أتراجع، والتحقيق يجب أن يجري».

وأكد أن الاتهامات الموجهة له بمواقفه المعادية لإسرائيل لا أساس لها من الصحة وقال «أنا لا أكره إسرائيل، ولا أريد الدخول في جدل حول مواقفي السابقة حول إسرائيل، وقد كانت لي مواقف في الماضي حول فلسطين وإسرائيل ولا صلة لها بواجبي الآن، وسأضع آرائي جانبا ليستمر التحقيق، ولن تؤثر على سير لجنة التحقيق».

وقال رئيس اللجنة الدولية في حديث خص به «الشرق الأوسط»: «نحن مستعدون لبداية العمل وسينزل المحققون على الأرض في القريب». وأشار شاباس إلى أن اللجنة ستجتمع في الأيام القليلة المقبلة، وأن الأمم المتحدة تعمل حاليا على توظيف المحققين الذين سينزلون في الميدان وهذا لن يأخذ الكثير من الوقت. ومن المتوقع أن ترفع تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس (آذار) 2015.

وعن معارضة عمل اللجنة قال رئيس المحققين الدوليين «اللجنة لم تلق معارضة سوى من إسرائيل والولايات المتحدة، والعالم كله يريد تسليط الضوء على ما وقع في غزة منذ شهرين، وتوضيح الحقائق وهذا دور لجنة التحقيق».

موضحا «عملنا هو البحث عن الحقيقة وإبرازها، وحتى وإن لم تؤد إلى عقوبات فإظهار الحقيقة يكفي وإذا تمكنا من تحديد مسؤولين عن جرائم ومحاسبتهم سيكون هذا ممتازا».

وحول الهجوم الإسرائيلي والاعتراض عليه شخصيا قال «نعم إسرائيل هاجمتني بشدة، وأنا أعتقد أن هذه الهجومات جاءت أساسا من المعارضين للجنة التحقيق أساسا، والذين يعارضون مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أيضا، وأرى أنه فعليا المشكلة ليست معي وحتى ولو عين (سبايدرمان) رئيسا لهذه اللجنة كانوا سيهاجمونه، ولا آخذ الأمر بشكل شخصي».

وبخصوص موقفه من نتنياهو وما تناقله الإعلام الإسرائيلي عن موقف شاباس منه والذي طالب في السابق بضرورة محاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية قال شاباس «أدعو المحرضين ضدي إلى العودة إلى التقرير الذي نشرته في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2012 وقراءته بدقة فلم أكن أعني إسرائيل وفلسطين بشكل مباشر، لكن كنت أتحدث عن أولويات القانون الجنائي الدولي، وتركيزه على الدول الأفريقية دون سواها، وقد ضربت وقتها مثالا بنتنياهو في تقريري ولا أرى مانعا لذلك بما أني أكاديمي ومن حقي من وقت لآخر تقديم رأيي ولا أرى حرجا في ذلك، كما أرى أن كل واحد في العالم له رأيه في القضية الإسرائيلية الفلسطينية، ومن حقه التعبير عنه».

وعن عدد المحققين الذين خصصتهم الأمم المتحدة لهذه المهمة قال «عني شخصيا أحتاج إلى 500 شخص على الأرض لكن ميزانية الأمم المتحدة لن تسمح لي بهذا العدد، وفقط سيكون لي 6 أو 7 محققين وهم من سيقومون بمتابعة العمل، وندعو الناس الذين شهدوا الحرب لمساعدتنا بالمعلومات، وهذا سيكون من طرف من كانوا ضحايا أو شهود عيان، ونطمح لأن يتعاونوا معنا، بالتقدم بالمعلومات وسنحاول أن يكون من السهل التواصل معنا قدر الإمكان، ونتمنى ألا يبخلوا علينا بوقتهم وجهدهم لإنجاح مهمتنا، وطبعا نحن نقدم هذا العمل من أجل الآخرين والمجتمع الدولي ونطمح أن يتعاون الآخرون معنا بنفس القدر».

مشددا على أنهم سيأخذون بعين الاعتبار وبجدية أي صور أو وثائق أو معلومات تقدم لهم من مختلف الأطراف، لدعم التحقيق طبعا بعد التحقق من مصداقيتها وتاريخها، ويمكن اعتبارها دعوة مفتوحة بمناسبة هذا الحديث لـ«الشرق الأوسط» ليتقدم كل من يحتفظ بمعلومات أو وثائق للجنة التحقيق.

وأضاف أن ما عليهم فقط سوى الانتظار بضعة أيام وسنطلق موقعنا على الإنترنت الذي سيكون جزءا من الموقع الرسمي للأمم المتحدة، وقد طلب شاباس أن يكون للموقع نسخة باللغة العربية والعبرية كي يتمكن الناس في المنطقة من الإفادة بما لديهم من معلومات. وأوضح «سننشر كل التفاصيل عن طريق إرسال المعلومات إلينا، وما هي طبيعة المعلومات التي نحتاجها».

وحول الاعتداء على حقوق الإنسان في غزة، وعن تأثير السياسة في عمل الأمم المتحدة قال شاباس إنه «بالتأكيد العوامل السياسية تؤثر على عمل الأمم المتحدة، وأطمح بعد جيل أو جيلين أن يصل العالم إلى مزيد من العدالة والديمقراطية، ولدي أمل في تحقيق هذا لأنه وقبل 75 عاما لم تكن الأمم المتحدة موجودة».

وشكلت اللجنة بعد معارضة شرسة من إسرائيل والولايات المتحدة، بعد أن صوت 47 عضوا من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وقرر مجلس حقوق الإنسان إنشاء هذه اللجنة خلال جلسته الاستثنائية الـ21 في 23 يوليو (تموز) الماضي «لتحديد وقائع وظروف الانتهاكات والجرائم المرتبكة وتحديد المسؤولين عنها وتقديم توصيات تفاديا للإفلات من العقاب والحرص على محاسبة المسؤولين».

وستشمل لجنة التحقيق «دودو ديين» من السنغال، الذي شغل سابقا مراقب الوكالة الدولية للعنصرية وما بعد صراع ساحل العاج. كما انضمت إليها الحقوقية النيويوركية السابقة ماري ماكغاون ديفيس حسب مجلس حقوق الإنسان.

وقال المجلس في بيان إن «رئيس مجلس حقوق الإنسان بودلير ندونغ ايلا أعلن أنه اختار الحقوقية الأميركية ماري ماكغاون ديفيس العضو الثالث في لجنة التحقيق حول غزة بعد أن أعلنت المحامية البريطانية اللبنانية أمل علم الدين أنها لن تتمكن من تولي هذه المهمة».

وكانت هذه الخبيرة شاركت في لجنة الأمم المتحدة المكلفة تقييم تنفيذ تحقيق سابق للأمم المتحدة حول العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في ديسمبر (كانون الأول) 2008.

وكان السفير الإسرائيلي رون بروسور رئيس بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة قد طالب في خطاب وجهه إلى الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون بإبعاد القانوني الدولي وليام شاباس عن عضوية ورئاسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي شكلها رئيس مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في الانتهاكات التي جرت في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية وغزة خصوصا منذ 13 يوليو الماضي.

ونقل عن بروسور قوله: «إن شاباس له مواقف سابقة معادية لإسرائيل وبما يعني أنه سيكون الخصم والحكم»، كما اتهم السفير الإسرائيلي مجلس حقوق الإنسان بتبني أجندة معادية لإسرائيل دائما. وتوقع سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة رون بروسور، ألا تتعاون إسرائيل مع ما يسمى بـ«لجنة شاباس» التي جرى تشكيلها للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبت أثناء عملية «الجرف الصامد» بقطاع غزة.

وأضاف بروسور وقتها أن تشكيل لجنة التحقيق برئاسة شاباس «تشبه دعوة داعش إلى تنظيم أسبوع للتسامح الديني في الأمم المتحدة»، على حد تعبيره.

ومنذ تعيين اللجنة شن الإعلام الإسرائيلي هجوما كبيرا عليها، وشكك في حيادها خاصة أنها برئاسة شاباس، الذي رأوا أنه يحمل «تحيزا واضحا من اللجنة ضد إسرائيل».

وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن تعيين شاباس لرئاسة اللجنة أثبت أن إسرائيل «لا يمكنها أن تتوقع العدالة من هذه المنظمة».

ومن جانبها تابعت منظمة «يو إن ووتش» ومقرها في جنيف والمعروفة بدفاعها الدائم عن إسرائيل حملة ضد اختيار وليام شاباس، وقالت في بيان وزعته في جنيف: «إن القانوني الدولي (شاباس) كان قد أعرب في أكثر من مناسبة عن رغبته في أن يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس إسرائيل شيمعون بيريس في قفص الاتهام أمام محكمة الجنايات الدولية».

ومن المرجح فحص التقرير من قبل الكثيرين، باعتباره تكرارا جديدا لتقرير غولدستون عام 2010، ونتيجة تحقيق مجلس حقوق الإنسان، برئاسة القاضي الجنوب أفريقي السابق «ريتشارد غولدستون» الذي اتهم إسرائيل بسياسة استهداف المدنيين عمدا خلال عام 2009 في عملية «الرصاص المسكوب» من خلال حملة عسكرية سابقة ضد حماس في قطاع غزة.

إسرائيل التي رفضت التعاون مع التحقيق في ذلك الوقت، رفضت بشدة هذا الادعاء في عام 2011، سحب غولدستون الاتهام وهو السياسة المتعمدة لاستهداف المدنيين.

وكانت السلطة استفسرت من محكمة الجنايات عن شروط الانضمام وتبعات ذلك. ويفترض أن يلتقي وفد من المحامين الفلسطينيين بمحامين من كل الدول العربية في القاهرة بعد غد الخميس، لبحث سبل توثيق الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة والخروج بتوصيات حول الوضع القانوني لفلسطين وجدوى الانضمام إلى الجنايات. وسيزور الوفد قطاع غزة كذلك لرصد وتوثيق الجرائم الإسرائيلية.

وطالبت حماس السلطة بالانضمام للجنايات فورا بعد توقيعها على ورقة داخلية اشترطها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لذلك، لكن الأخير لا يبدو متعجلا في الأمر.

وفي تقرير سابق نشرته «الشرق الأوسط» قال مسؤول فلسطيني إن «الانضمام إلى الجنايات الدولية سيف ذو حدين، إذ سيتضمن كذلك قدرة بعض الدول على محاكمتنا، محاكمة حماس مثلا».

ويعمل عشرات من القانونيين في إسرائيل حاليا على تحضير ملفات لإدانة السلطة وتبرئة إسرائيل في أي مواجهات قانونية محتملة.