هل سهّلت واشنطن دخول المازوت الإيراني إلى لبنان؟

يؤشر الصمت الأميركي على إدخال حزب الله للمازوت الإيراني إلى لبنان والتعامل مع الخطوة بهدوء ودون التصعيد المعهود على تغيّر في أولويات السياسة الأميركية تجاه المنطقة وطرق التعامل مع الملفات الإقليمية.

أثار صمت الولايات المتحدة عن إدخال حزب الله للمازوت الإيراني إلى لبنان العديد من التساؤلات لاسيما أنها لطالما أشهرت سلاح العقوبات ضد طهران وذراعها في لبنان، فيما تذهب أغلب التحاليل إلى أن هناك موازين قوى جديدة في المنطقة بدأت واشنطن تتكيف معها لترسم خطة جديدة لها، ليست واضحة حتى الآن.

ويقول المحلل السياسي اللبناني سركيس أبوزيد إن “واشنطن لا تريد الذهاب لمواجهة عسكرية في المنطقة، لذا تقوم اليوم بأداء مختلف عن السابق، فهي تعدّل أسلوبها، والدليل على ذلك موافقتها على خط النفط العربي، وتأمين غطاء للوفد اللبناني الذي زار سوريا، وغض النظر عن المازوت من إيران”.

وبالمقابل، يقول المحلل السياسي جوي لحود إنه “لا حصار أميركيا على لبنان، إنما هناك حصار على حزب الله الذي هو يحاصر لبنان”.

ويبرّر فكرته بالقول “لو كان هناك حصار على لبنان، لما كنا رأينا المساعدات المالية الهائلة المقدمة للجيش اللبناني وللجمعيات غير الحكومية وللمجتمع اللبناني”.

ويشهد لبنان منذ أشهر أزمة محروقات تنعكس بشكل كبير على مختلف القطاعات من مستشفيات ونقل وأفران واتصالات ومواد غذائية، في خضم انهيار اقتصادي مستمر منذ عامين صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850.

ووصلت السفينة الأولى من إيران إلى مرفأ بانياس السوري، وتم تفريغ حمولتها فيه، ثمّ نُقلت المواد النفطية الخميس الماضي إلى منطقة بعلبك (شرق لبنان) لتخزينها، وتوزيعها لاحقا على الفئات المستهدفة.

ومع وصول الحمولة الأولى، انقسم الرأي العام اللبناني بين مؤيد ومعارض، كما تباينت الآراء حول غض واشنطن الطرف عن تلك الشحنات، ما اعتبره البعض نوعا من التسهيل لدخولها.

وتم اعتماد مؤسسة غير رسمية لبنانية لإدخال المواد النفطية، أي أنها لم تدخل عبر المرافئ اللبنانية ولا عبر الشركات اللبنانية، وأن الشركة الوحيدة التي تتولى توزيعها هي شركة “الأمانة” وهي أساسا تحت العقوبات الأميركية. ورغم ذلك فإن الموقف الأميركي كان هادئا ولم يكن سلبيا بالمطلق.

وفي عام 2019 وضعت واشنطن شركة “الأمانة” على لائحة الإرهاب وفرضت عليها عقوبات.

ودائما ما تفرض الولايات المتحدة عقوبات على أشخاص أو شركات موالية لحزب الله وحلفائه، كما أنه بموجب قانون قيصر الأميركي بات أي شخص أو كيان يتعامل مع النظام السوري معرضا للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.

ومؤخرا قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيث ميقاتي، في مقابلة على قناة “سي.إن.إن” الأميركية، إنه “ليس خائفا من عقوبات على لبنان لأن العملية تمت في معزل عن الحكومة”.

وفي مطلع أغسطس حل وفد لبناني بدمشق، في زيارة تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، ضمن مساعي تخفيف أزمة الكهرباء في لبنان.

وكان المسؤولون اللبنانيون يتجنبون زيارة سوريا رسميا منذ بدء الثورة عام 2011، حيث تبنت بيروت سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، رغم خرق جماعة حزب الله تلك السياسة بالقتال إلى جانب نظام بشار الأسد في مواجهة قوات المعارضة.

ويعتبر أبوزيد أن “الولايات المتحدة فاتحة الأبواب لكل التسويات الممكنة”، لافتا إلى “أننا في مرحلة انتقالية لم تتوضح صورتها بعد”.

ووافقت الإدارة الأميركية على متابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية (جلبها عبر خطوط) من الأردن عبر سوريا.

ويجمع المحللون على وجود مرونة أميركية تجاه حزب الله، ما يؤشر على تغيّر بالسياسة الخارجية الأميركية وهي تعتمد أسلوبا مختلفا عما كان معمولا به خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ويقول هؤلاء إن واشنطن باتت تنظر إلى عملية مواجهة حزب الله بأنها تضر بالشعب اللبناني، وتعود بالنفع على حزب الله، لذا اعتمدت على مقاربة جديدة، وذلك بالتزامن مع انعقاد آخر جولة تقريبا بين أميركيين وإيرانيين (المفاوضات الجارية بفيينا بشأن النووي الإيراني).

وفي المقابل، يصف محللون دخول المازوت الإيراني إلى لبنان بالخطوة التي أثبتت مرة أخرى أن حزب الله صاحب القرار الفعلي في البلاد التي ينهشها انهيار اقتصادي حاد وتتحكم بها أزمة سياسية مزمنة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية كريم إميل بيطار إن شحنة المازوت الإيراني ما هي “سوى تأكيد جديد أن حزب الله عزّز أكثر بكثير نفوذه على الدولة اللبنانية… حتى أنه لم يعد يحاول الاختباء خلف غطاء الشرعية الذي توفره مؤسسات الدولة”.

وأثارت خطوة حزب الله الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية، انتقادات سياسية من خصومه الذين يتهمونه بأنه يرهن لبنان لإيران و”يورطه” في صراعات هو بغنى عنها، مثل النزاع في سوريا الذي يقاتل حزب الله فيها إلى جانب قوات النظام.

وأعلنت السلطات اللبنانية مرارا أنها ملتزمة في تعاملاتها المالية والمصرفية عدم خرق العقوبات الدولية والأميركية المفروضة على سوريا وإيران.

وتقول الناشطة السياسية ومديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان “أضعفت خطوة حزب الله الأخيرة الدولة وحتى مفهوم الدولة.. إذ بات واضحا أن الدولة غير قادرة على الوقوف أمام حزب الله، بل تراقبه كأنها مشلولة وغير قادرة على القيام بشيء”.

وترى هايتيان أن الشحنة الإيرانية الأولى هي بمثابة “اختبار”، فإذا لم تبد الولايات المتحدة اهتماما، فستتجرأ مؤسسات عدة على طلب الوقود الإيراني من حزب الله.

ويحمّل لبنانيون كثر الطبقة السياسية الحاكمة، وبينها حزب الله المشارك في الحكومة والبرلمان، مسؤولية الانهيار الحاصل في لبنان بسبب سوء الإدارة والمحاصصة والفساد على مدى عقود.

ومع تراجع احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية، شرعت السلطات برفع الدعم تدريجيا عن مواد أساسية بينها المحروقات.

وغداة دخول المازوت الإيراني، أعلنت نقابة أصحاب محطات المحروقات الجمعة أن المنشآت ستبدأ توزيع مادة المازوت بالدولار الأميركي.

وأما حزب الله فسيقدّم المازوت الإيراني مجانا للراغبين من مستشفيات حكومية ودور عجزة وأيتام ومؤسسات مياه وبلديات بحاجة للمازوت لاستخراج المياه وأفواج الإطفاء في الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني.

وسيبيعه “بالليرة اللبنانية” وبسعر “أقل من سعر الكلفة”، وفق ما أعلن، للراغبين من مستشفيات خاصة ومعامل الأدوية والأمصال والمطاحن والأفران والتعاونيات الغذائية ومعامل الصناعات الغذائية والآليات والمعدّات الزراعية، فضلا عن المولدات الخاصة.

ويؤكد خبراء أن شحنة المازوت الإيراني لن تحدث فرقا كثيرا في الأزمة، لأن الحاجة إلى المحروقات أكبر بكثير.