النفط الإيراني بدأ بالوصول إلى لبنان.. "وجع الناس وسيلة لكسب ودهم"

وصلت اليوم الخميس أولى الشاحنات المحملة بالمازوت الإيراني إلى لبنان وسط استقبال شعبي "عفوي" أقامه حزب الله في مناطق البقاع بين العين وبعلبك، تخلله نثر الأرز ومواكب سيارة وأناشيد حزبية موجهة للأمين العام للحزب حسن نصرالله ويافطات انتشرت على طول الطريق من الحدود إلى بعلبك تشكره وتهلل للنصر الجديد و"فك الحصار". 

وموكب الشاحنات الذي وصل اليوم إلى لبنان، على دفعتين، آتياً من سوريا يبلغ 40 شاحنة، تحمل مليوني ليتر من مادة المازوت، من أصل ما يفوق 1300 شاحنة ستنقل أول شحنة من النفط الإيراني على دفعات بعد أن أفرغته السفن الإيرانية في مرفأ بانياس في سوريا، كي لا تُسبب مشاكل للحكومة اللبنانية نتيجة العقوبات المفروضة دولياً على طهران. 

ووصفت قناة "المنار" الناطقة باسم حزب الله موكب الشاحنات بـ"قوافل فك الحصار الأميركي" وهو ما سبق وقاله نصرلله في خطابات سابقة، وينسجم هذا التوصيف مع رؤية الحزب لما يحصل في لبنان، إذ يعتبر أن الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها هي نتيجة للحصار الغربي والأميركي عليه، وهو تماماً ما أعاد تكراره رئيس الحكومة السابق حسان دياب خلال اجتماع مع دبلوماسيين، ما استدعى رداً من السفيرة الفرنسية آن غريو حملت فيه دياب والطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة مسؤولية الانهيار وليس الحصار. 

وستقوم شركة الأمانة للمحروقات بالإشراف على توزيع النفط الإيراني، وكان سبق لنصرالله أن حدد الفئات التي ستستفيد من المازوت الذي سيُقدم كهبات إلى المستشفيات الحكومية، دور العجزة والمسنين، دور الأيتام، مؤسسات المياه الرسمية في المحافظات، البلديات التي تتولى استخراج وضخ مياه الشفة من الآبار ضمن نطاقها، أفواج الإطفاء في الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني. 

"يرمون لنا الفتات"

واللافت أيضاً، بحسب تصريحات لمدير شركة الأمانة للمحروقات أسامة عليق، أنه "سيتم بيع المازوت بأسعار تقل عن الأسعار المعتمدة رسمياً، لفئات عديدة بينها المستشفيات الخاصة، المراكز الصحية الخاصة، معامل الأدوية والأمصال، المطاحن، الأفران، السوبرماركت والتعاونيات الاستهلاكية التي تبيع المواد الغذائية، معامل الصناعات الغذائية، المؤسسات والشركات التي تتولى توليد وتأمين الكهرباء للمواطنين مقابل تقاضي الاشتراكات".

وعبرت البيئة الموالية لحزب الله عن فرحها بـ"الانتصار" كما وصفته، وأقامت الاحتفالات المتنقلة والسيّارة على امتداد الطريق الذي سلكته القافلتين من الحدود السورية في البقاع وصولاً حتى إلى العاصمة بيروت مروراً ببلدة العين وفي بعلبك. 

ويقول محمد مهدي، وهو من البقاع الأوسط ومن بيئة موالية للحزب،: "منذ سنتين والدولة لم تحرك ساكناً وكل الأحزاب الأخرى أيضاً. بالتالي ما قام به حزب الله اليوم مرحب به لأنه كما يبدو ليس هناك أي حل آخر. منذ بداية الأزمة ونحن نعيش الذل ونذوقه مراراً، واليوم نحن على أبواب فصل الشتاء والصقيع والاس ستموت من البرد وبالتالي عسى أن يُساهم المازوت الذي وصل اليوم في التخفيف من معاناة الناس". 

ويضيف مهدي: "المشكلة أننا لا نعيش في دولة. البلد منهار ومُهترئ وبالتالي تُصبح هكذا حلول ضرورية للناس العاديين الذين يعانوا الأمرّين، خاصة أن الاحتكار لن يزول بسبب الناظم القارئ٬ الذي يُشجع على هذا الأمر ولا يحمي الشعب من الفاسدين والمحتكرين". 

وترى رولا قبيسي وهي مواطنة من جنوب لبنان وتُقيم في بيروت ولا تتفق مع سياسات حزب الله أن "ما يحصل اليوم هو نتيجة طبيعية للواقع الذي أوصلونا إليه. لقد قاموا بتجويعنا (الطبقة السياسية) والآن يرمون لنا الفتات لأن الشعب لا يستطيع أن يُكمل على الحال نفسه من الجوع والذل والانتظار على محطات الوقود وأمام الأفران وفي التعاونيات والصيدليات" 

وبالرغم من الخلاف السياسي في الكثير من البيئات مع حزب الله، فإن الواقع يؤشر إلى أن الحال المأساوية التي وصل إليها الناس تجعلهم يتخطون الخلافات أو يؤجلون هذه الخلافات بسبب الحاجة الماسة إلى مواد أولية تُساعدهم خاصة على أبواب فصل الشتاء.  

انتصار وهمي

ويقول عمر هزيم وهو مواطن من عكار، شمال لبنان، إن "ما جرى اليوم هو انتصار وهمي لأن الحزب اليوم يتعدى على الدولة لأن هذه الصهاريج تدخل من دون أي جمرك ولا رقابة ولا حتى فحص جودة وبالتالي صار كأنه بطاقة تمويلية للحزب وبالتالي سيجني منها المال".

ويضيف: "الرأي العام الشعبي السائد هو أن الناس تعتقد أن الحزب سيجلب البنزين والمازوت وبالتالي سيساعدها على تخطي الأزمة وهم فعلياً لا يهتمون إلا إلى قوتهم، وبالتالي الناس ستهلل للمازوت إذا وصل إلى عكار كما حصل سابقاً في التليل".

وسبق لحزب الله منذ أكثر من أسبوع أن قام بزيارة إلى عكار، وجال على أهالي ضحايا انفجار التليل الذي ذهب ضحيته عشرات الضحايا والمصابين، واستقبلتهم العائلات بترحاب وقام الوفد بتوزيع مبالغ من المال على المتضررين في خطوة لم يقم بمثيل لها نواب المنطقة أو الفاعلين في الشمال.

ويرى هزيم أن "الحزب هو جزء من الخراب الذي يعاني منه لبنان وهو اليوم يقوم بتبييض صفحته والناس تُهلل له لأنها محتاجة ولأنها تعيش ضائقة كبيرة خاصة في منطقة الشمال وبالتالي يرون أن هذا الأمر يؤدي إلى انفراجة هم بحاجة إليها، وبالتالي الناس اليوم مظللة وتردد كُل من يأتي لي بالنفط أنا معه، وبالتالي يُصبح اللعب على وجع الناس وسيلة لكسب ودهم".

واللافت أنه توازياً مع وصول المازوت الإيراني إلى لبنان، كانت باخرة النفط العراقي تُفرغ حمولتها في مصفاتي الزهراني ودير عمار وتبلغ 31 طناً، بعد أن أجري أمس الأربعاء اختبار لمطابقة مواصفات الفيول وأتت النتيجة إيجابية وبدأت عملية التفريغ اليوم الخميس، فيما احتل خبر المازوت الإيراني الحيز الأهم من الأخبار المحلية.

ويعتبر شربل ن. وهو صاحب محل حلاقة في منطقة الشياح أن "همّه اليوم هو أن يؤمن المازوت كي يستمر بعمله لأنه يُعيل 3 عائلات من خلال ما يجنيه وبالتالي لن يُمانع إذا توفر له المازوت من أي مكان كان لأن الغاية تُبرر الوسيلة"، مُشيراً إلى أنه "في الشهر المنصرم اضطر أن يقفل المحل لأكثر من 20 يوماً بسبب شح المازوت ما تسبب له بخاسرة كبيرة".

وغابت التصريحات الرسمية اليوم حول موضوع البواخر وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد وقع منذ أيام على مراسيم تشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من عام على استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، فيما عبر بعض معارضي الحزب عن تخوفهم من عقوبات تشمل لبنان بسبب النفط الإيراني، فيما أكد الوزير السابق جبران باسيل حليف حزب الله أنه "إذا تم الإصرار على حرمان اللبنانيين من المحروقات فيحق لهم أن يحصلوا عليها من أيّ مكان".

ويقول رامي. س. وهو صاحب عمل حر في منطقة راشيا في البقاع الغربي: "من حيث المبدأ أنا ضده خصوصاً بالشكل اللاشرعي لدخوله الأراضي اللبنانية وهذا أحد أوجه انحلال الدولة اللبنانية، أما في الحالة الاقتصادية الصعبة الموجودة ربما يكون بلسماً لبعض العائلات في أيام البرد ويساعد في حل جزء من حاجة المستشفيات والأفران وغيرها".

ويصل إلى لبنان سنوياً قبل الأمة ما يوازي 360 ناقلة نفط، وبالتالي فإن البواخر الإيرانية لا يمكن لها أن تغطي حاجة السوق اللبناني، إلا أن اتجاه حزب الله أن يستخدم كميان النفط التي ستأتي لتلبية حاجات المستشفيات والمؤسسات الخدماتية والناس على وجه التحديد كما يقول مسؤولوه، فيما تتجه الحكومة الجديدة إلى رفع الدعم عن المحروقات في الأيام القليلة المقبلة.

"ليس طلبا من الحكومة"

وفي تعليق سابق على قضية النفط الإيراني، قال مساعد وزير الخارجية الأميركية بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، في مقابلة مع "الحرة"، "أعتقد أنني رأيت قبل أن آتي إلى هنا أن الحكومة اللبنانية أوضحت أنها لم تطلب أي نفط من الحكومة الإيرانية".

وجدد هود التأكيد أن الطلب لم يأت من الحكومة، مضيفا: "سنراقب ذلك بعناية. وبالتأكيد لا نشجع الحكومات على استيراد النفط من إيران لأنها تخضع للعقوبات، ولكننا نتطلع إلى أي وسيلة ممكنة لمساعدة الشعب اللبناني ليس فقط في مجال النفط إنما أيضاً في المساعدات الإنسانية. لذلك الحكومة الأميركية هي أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية إلى الشعب اللبناني ليس فقط منذ انفجار المرفأ في أغسطس من عام 2020 ولكن لسنوات عديدة مضت".

وفي أغسطس الماضي، نقلت الوكالة اللبنانية الوطنية للإعلام أن الرئيس اللبناني ميشال عون، تلقى اتصالا من السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، أبلغته خلاله بعزم الولايات المتحدة "متابعة مساعدة لبنان" في مجال الطاقة.

ونقلت الوكالة أن السفيرة أبلغت الرئيس اللبناني أنها "تبلغت قرارا من الإدارة الأميركية بمتابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري الى الأردن، تمكنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. كذلك سيتم تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولا الى شمال لبنان".

ولفتت السفيرة شيا، بحسب الوكالة، إلى أن "الجانب الأميركي يبذل جهدا كبيرا لإنجاز هذه الإجراءات، وأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز".