"متمرد سابق" يقلب الطاولة على السياسيين.. من أين يستمد زعيم الحوثيين قوته في اليمن؟!

فرض زعيم الحوثيين مشهداً سياسياً جديداً على اليمن؛ يطرح تساؤلات كثيرة، عن مصدر الثقة المطلقة التي ظهر بها عبد الملك الحوثي أخيراً، وعن الشفرة السرية لصعود الشاب الثلاثيني– فجأة - إلى هرم قائمة أقوياء اليمن، بعد أن ظل، إلى وقت قريب، يصارع تهمة "التمرد" داخل مخدع في جبال مران.

إلى وقت قريب ظلت فكرة الحوثية محدودة التداول في نطاق جغرافي لا يتجاوز حدود محافظة صعدة اليمنية، معقل الحركة. إذ أن الجماعة عانت عزلة قاسية، فرضتها حروب التمرد. قبل أن تكسرها مع بداية الإضرابات التي شهدها اليمن 2011م، ومن ثم تبدأ بتصدير مشروعها إلى خارج العمق الجغرافي وكذا لحشد المزيد من الأنصار والمؤيدين.

في تلك الأثناء تمت للحوثيين السيطرة الكاملة على محافظة صعدة، ليتجهوا بعدها إلى فرض تصوراتهم على المناطق المجاورة، كالجوف وعمران؛ وكانت المسألة مجرد وقت ليدرجوا الأخيرة إلى خارطة نفوذهم؛ بعد مواجهات مسلحة استمرت خمسة أشهر مع قبائل موالية للإصلاح وقوات من اللواء 310 انتهت بقتل قائده.

سقوط عمران بيد المسلحين الحوثيين، أفرز بدوره تداعيات لوجستية انعكست بداهة في تغيير موازين القوى وخارطة التحالفات السياسية، إذ أن الجماعة استأسدت بشكل أكبر في أعقاب سيطرتها على المحافظة، وهو ما تجلى لاحقاً في ظهور زعيمها بشكل دوري يرسل الأوامر ويملي الشروط على الجميع؛ غير أن "البشمركة" والعامل الخارجي (إيران) ليسوا مصدراً وحيداً لهذا الصعود الضارب والقياسي.

على مدى ثلاثة أعوام خرجت مدن ومناطق يمنية عن سيطرة السلطات، وتلاشت القبضة الأمنية بشكل غير مسبوق، لكن تحدياً مختلفاً برز مع اقتراب الحوثيين أكثر من قلب الدولة في العاصمة صنعاء، ونصب مخيمات مسلحة على جميع مداخلها، بدافع "إسقاط الجرعة".

ورغم أن السلطة تتحاشى مواجهة الحوثيين بشكل مباشر منذ التحاقهم بمؤتمر الحوار الوطني، إلا أن توقعات كثيرة بتغير اللهجة الرسمية تجاههم، أعقبت تلويح زعيم الحركة في وجه النظام بـ"خيارات مزعجة" فهمت في الوسط السياسي بأنها الخيارات العسكرية، خاصة وأنه الخيار الراجح لدى الجماعة حتى اللحظة على الأقل.

المثير في هذه التطورات أنها لم تقابل بتحرك جاد من الرئيس عبدربه منصور هادي، عدا خطابات ولقاءات مع وجهاء وشخصيات من مناطق محيطة بالعاصمة، لا تكفي كخطوات جادة لتحصين صنعاء؛ قياساً بمصدر التهديد (زعيم الحوثيين) وتزامنه مع إسقاط محافظة قريبة من العاصمة، فضلاً عن معارك يخوضها مسلحوه حالياً بهدف إسقاط الجوف.

ردة الفعل الرسمية على تصعيد الحوثيين لم تكن واضحة، ونتيجة ذلك قدمت تأويلات عدة لموقف هادي إزاءه، لم تستبعد في المجمل أن يكون الرئيس يستخدم الحركة من أجل الضغط لـ" تغيير الحكومة"، وتعيين بديلة كتجاوب يتوقف عنده التصعيد، فضلا عن تحليلات أخرى ترجح أن هادي وفريقه، بدأوا، عملياً، بعقد صفقات مع زعيم الحوثيين، تمهيداً لدخولهم في تحالف استراتيجي وهو التفسير الأكثر رواجاً.

ويلحظ أن الرئيس عبد ربه منصور هادي، يستخدم سياسة مزدوجة في التعامل مع تصعيد الحوثيين على خلفية قرار رفع الدعم عن المشتقات؛ إذ أرسل وفداً رئاسياً رفيعاً إلى صعدة شمال البلاد، للتفاوض مع زعيم الحوثيين، فيما خرج عبر وسائل الإعلام الحكومي يلوح بإمكانية شن عملية عسكرية جديدة ضد الجماعة..

ومقابل النبرة التصعيدية للحوثيين لوحظ أن الرئيس هادي يتحاشى الدخول في أي صدام مباشر معهم، باستثناء مناورات كلامية لا تخرج عن سياق التكتيك، فيما يضع يده على الجماعة ويستخدمها بطريقة أو بأخرى، ورقة سياسية لإضعاف قوى محلية يرى مصلحته في إنهاكها.

ومع أن هادي أبدى تفاعلاً نسبياً مع التحذيرات من إسقاط صنعاء، ووجه قيادات في الجيش وأخرى في الأمن، بالاستعداد لمواجهة الحوثيين، إذا ما صعدوا احتجاجاتهم داخل العاصمة وفي المداخل، لكنها لم ترقَ إلى حجم التهديد؛ الذي يتطلب استنفاراً شاملاً للدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية.

والأهم أنه ابتعث وفداً رئاسياً رفيعاً لمفاوضة زعيم الحوثيين في صعدة شمال البلاد.

قد تكون رغبة تجنيب الجيش تبعات قرار حرب يريدها الحوثي؛ وراء ميوع موقف رئاسة الدولة من التصعيد الحاصل، وما تبدو أنها رغبة لاحتواء الأزمة عبر خيارات بديلة تضمن إعفاء الجيش كلفة الهرولة إلى محرقة جديدة؛ لكن هرولة الحوثي للي ذراع المرحلة بأدوات العنف، يفرض اتخاذ إجراء ردعي من أي نوع. على أن معطيات سياسية عدة تؤكد أن إسقاط العاصمة غير مدرج في أجندات الحوثي على المدى القريب، بقدر ما يحاول توظيف المكاسب المحققة خلال الأشهر القليلة الماضية، في مناطق شمال الشمال لتحقيق أخرى جديدة في قلب السلطة.

وما يعزز هذه الفرضية، هو أن الحوثي نفى أن يكون هدف التظاهرات "إسقاط العاصمة"، فكان اللافت أن وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، التي تُتّهم بلادها بأنها الداعم والمحرّك الإقليمي الأول لـ"الحوثيين"، سارعت إلى تسريب معلومات عن خطة عسكرية أعدتها جماعة الحوثي، قسمت فيها العاصمة إلى عشرة مربعات أمنية، لإسقاطها بواسطة كتائب الحسين، أقوى الكتائب الحوثية المقاتلة، حسبما وصفت الوكالة.

التطور الدراماتيكي في تعاطي وكالة أنباء فارس مع التصعيد الحوثي، حمل تفسيرين، الأول تغير في الموقف الإيراني من جماعة الحوثي، خصوصاً مع معلومات متواترة عن تحركات تجريها طهران لجهة إعاقة تحول حليفها القوي (جماعة الحوثيين) إلى العمل السياسي، بدافع إبقائها ذراعاً مسلحاً شمال اليمن، والثاني أن الموضوع رتب له الجانبان بهدف الضغط على القوى الأخرى في صنعاء وإرغامها للتسليم بالأمر الواقع.

برأي كثيرين، ليس وارداً قيام "الحوثيين" بخطوات على شكل إسقاط صنعاء في الوقت الراهن؛ بقدر ما التصعيد نتاج تطورات موازية نتجت عن تغير الموازين بفعل تهدّم الكثير من أعمدة الثقة بين هادي وقوى مؤثرة في صنعاء بعد سقوط عمران، وأيضاً دفعت الحوثي إلى استغلال الفرص المتوفرة الآن، لتقديم نفسه كقوة شعبية وعسكرية موجودة على الساحة، تجاوزها ليس بالأمر السهل إن لم يكن في خانة المحال.

ورغم أن قطاعاً واسعاً من المحللين يستبعدون رضوخ السلطات للأهداف المعلنة لـ"تصعيد الحوثيين" وكذا وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، إلا أن المعلومات الأولية، تشير إلى ان الوفد الرئاسي توصل مع زعيم الحوثيين إلى صيغ اتفاقات تضمنت استجابة مبدئية لأهم مطالب الأخير تحت الضغط الميداني (تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة شراكة من ذوي الكفاءات).

وبصرف النظر عن ما إن كانت تسوية اللحظات الأخيرة، سيناريو مرسوماً بدقة ومعداً سلفاً لتمرير صفقات سياسية تتعلق بالتشكيل الحكومي الجديد؛ يظل المؤكد أن خيارات الحوثيين باتت صعبة، فالتراجع يعني فقدان المصداقية أمام حشود الجماهير المرهقة من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتصعيد كلفته عالية، وقد يدخل البلاد في دوامة فوضى بلا نهاية

*المصدر : صحيفة "المنتصف" الاسبوعية