الإفلاس المائي تهديد وجودي يواجه إيران

الاحتجاجات التي شهدتها ولا تزال محافظة الأحواز الإيرانية كشفت عن تهديد وجودي بات يواجه البلاد ألا وهو الإفلاس المائي، وهو ما يجعل من أزمة المياه التي لم تنجح حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني في استباقها في صدارة اهتمامات الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي.

سلطت الاحتجاجات الأخيرة التي هزت الأحواز (خوزستان) الإيرانية الضوء على خطر يُهدد إيران بالزوال ألا وهو الإفلاس المائي الذي لطالما حذر منه مسؤولون إيرانيون.

والنقص الحاد في المياه لا يشمل فقط خوزستان، حيث تتفاقم المخاوف من تسجيل شح في المناطق المعروفة بوفرة المياه في إيران على غرار الجزء الشمالي والشمالي الغربي من البلاد وهو ما سيكون له انعكاساته حتما على قطاعات أخرى.

وتلقى النظام الإيراني تحذيرات متتالية من قبل مسؤولين أو علماء بشأن أزمة المياه، حيث نبه وزير الطاقة رضا أردكانيان من نقص المياه خلال فصل الصيف، قائلا إن هذا العام سيكون “أحد أكثر الأعوام جفافا منذ 50 عاما”.

لكن يبدو أن النظام الإيراني الذي يواجه مشكلات أخرى جرته إليها سياساته الخارجية التي جعلته عُرضة لعقوبات أميركية وغيرها تجاهل تلك التحذيرات التي أثارت سخطا في محافظة خوزستان أوقع إلى حد الآن 9 قتلى.

ناقوس الخطر

لم تُفاجئ الاحتجاجات المتصاعدة في خوزستان المتابعين للشأن الإيراني باعتبار أن ناقوس الخطر بشأن النقص الحاد في المياه الذي باتت تعانيه البلاد قد دُق لأكثر من مرة، خاصة أن التقديرات تشير إلى أن الأزمة قد تفضي إلى تفكك إيران بـ”حرب مدن”.

وفي العام 2015 حذر عيسى كالانتاري وزير الزراعة الإيراني الأسبق من أن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني، أي ما يُعادل 60 في المئة من السكان، على مغادرة البلاد.

وشكا من أن المسؤولين في طهران تجاهلوا المشكلة لفترة طويلة للغاية، مضيفا “والآن فهموا المشكلة، لكنهم تأخروا إلى حد ما”، لكن يبدو أن كالانتاري نفسه لم يفعل شيئا لاستباق الأزمة التي تهدد وجود إيران.

ويقول الكاتب الصحافي الأميركي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه “بعد عامين تم منح كالانتاري الفرصة لعمل شيء ما بالنسبة إلى الكارثة التي تنبأ بها. فقد تم تعيينه نائبا لرئيس البلاد لشؤون حماية البيئة، أي فعليا وزير البيئة”.

ويوضح جوش في التقرير أن “كالانتاري لم يفعل منذ ذلك الحين أكثر من ترديد المزيد من التنبؤات الأليمة. ففي بداية هذا الصيف توقع اندلاع حرب مياه ستنتشر في المناطق الريفية، مما يعرض إيران إلى خطر الزوال”.

وأدى تجاهل النظام الإيراني لمعضلة المياه، حيث لم يتخذ إجراءات قادرة على حلحلتها، إلى وجود ما لا يقل عن 5000 قرية بدون موارد مائية في الوقت الراهن، علاوة على 7000 قرية أخرى يتم إمدادها بالمياه بواسطة الصهاريج حسب عضو جمعية المخاطر البيئية والتنمية المستدامة حميد رضا محبوب فر.

وفي مواجهة هذه الأزمة اتخذت السلطات الإيرانية إجراءات محدودة على غرار قرار يمنع زراعة محاصيل تستهلك الكثير من المياه كمحصول الأرز في العديد من المناطق منها الأحواز التي تعرف احتجاجات متصاعدة.

اختبار لرئيسي

تُشكل أزمة المياه اختبارا جدّيا للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي جرى انتخابه في الـ12 من يونيو الماضي، حيث بات الغضب منصبّا على النظام الإيراني الماسك بمقاليد الحكم منذ قيام الثورة الإسلامية سنة 1979.

وعكس التوقعات التي كانت تُشير إلى أن حرب مدن أو حرب مياه ستندلع بين السكان، وجّه الإيرانيون غضبهم نحو الحكومة في طهران والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

وعَكَسَ ذلك مطالبة محتجين في محافظة الأحواز بسقوط “الجمهورية الإسلامية” والمرشد الأعلى الذي قال إنه يتفهم المحتجين لكن محذرا في الوقت ذاته من مؤامرة خارجية.

وبالرغم من أن رجل الدين المتشدد سيواجه ملفات أخرى ساخنة على غرار الاقتصاد الذي تضرر كثيرا من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، إلا أن معضلة المياه تبقى التحدي الأكبر لرئيسي.

وتشير اتجاهات تغير المناخ إلى أن فصول الصيف ستكون أشد حرارة وجفافا في السنوات المقبلة، ومصادر المياه الجوفية في إيران قد نضبت بالفعل إلى حد خطير.

ومثل خامنئي، يعتقد رئيسي أنه لكي تعزل الجمهورية الاسلامية نفسها عن الضغوط الدولية، يجب أن يكون لديها “اقتصاد صمود” يُعتبر الاكتفاء الذاتي الزراعي أهم دعائمه. ومن الواضح أن هذا أمر مستحيل بينما تواجه إيران ما وصفه علماء البيئة بأنه “إفلاس مائي وشيك”.

ويقول بوبي جوش إنه ”من سخرية القدر أن ندرة المياه هي إلى حد كبير نتيجة رغبة النظام في تحقيق الاستقلال الزراعي. فطوال عقود شجعت طهران على زراعة المحاصيل الأساسية على نطاق واسع، حيث حفزت المزارعين على استغلال كل المياه الجوفية التي يستطيعون الحصول عليها”.

ونتيجة لذلك يتوقع علماء البيئة جفاف خزانات المياه الجوفية في 12 محافظة من محافظات إيران الـ31 خلال الأعوام الخمسين المقبلة.

ويؤكد جوش أن المياه السطحية تزداد ندرة أيضا، وقد أدت إقامة السدود الكثيرة على أنهار الأحواز إلى جفاف بحيرات المحافظة.

وشدد على أنه “ليس من الصعب التنبؤ بالتداعيات السياسية لكل ذلك، فسوف تكون هناك هجرة بسبب المناخ على نطاق ملحمي. وإذا كان عدد من سيهاجرون الذي تنبأ به كالانتاري وهو 50 مليون نسمة يبدو مرتفعا، فإن أعدادا كبيرة للغاية من الإيرانيين بدأوا بالفعل الانتقال من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية، مما يضاعف أعداد العاطلين والغاضبين”.

وسيكون رئيسي في مواجهة ذلك في حاجة إلى اتخاذ إجراءات ناجعة بخلاف تلك التي كانت تراهن عليها طهران والتي شملت اللجوء إلى منع وصول حصة بغداد من مياه الأنهار التي تنبع من إيران وهو ما جعل العراق في موقف صعب هو الآخر في هذا الصدد.

ولوح العراق في وقت سابق على لسان وزير الموارد المائية مهدي رشيد باللجوء إلى المؤسسات الدولية من أجل تحصيل حقوقه المائية من إيران المجاورة.

ومع ذلك فإن المشكلات التي ستعترض إبراهيم رئيسي في عهدته لن تقتصر على أزمة المياه التي هي حديث الساعة الآن في إيران، حيث سيواجه قضايا أخرى شائكة هي من تركة الحكومة السابقة التي فشلت في تقديم الخدمات الأساسية لمحافظة الأحواز التي يتم استغلالها بضراوة للحصول على مواردها.

وسيجد رئيسي أمامه ملفات ثقيلة لمعالجتها بدءا من الاقتصاد الإيراني الذي هو في حالة محفوفة بالمخاطر، وتوقف المفاوضات لرفع العقوبات الأميركية، إضافة إلى موجة جديدة من حالات الإصابة والوفاة بسبب وباء كوفيد – 19.

كما يواجه الرئيس الجديد شكوكا حول شرعيته السياسية إذ أن انخفاض مستوى المشاركة في التصويت إلى أدنى مستوى تشهده إيران حتى الآن قوّض انتخابه بعد استبعاد كل منافسيه الحقيقيين.