ما سر تكتم إدارة بايدن على حقيقة المفاوضات النووية مع إيران؟

أدّت ضبابية الموقف الأميركي حول حقيقة المفاوضات النووية مع إيران، للتوصل إلى اتفاق جديد ينزع فتيل التوتر خاصة في الشرق الأوسط، إلى العديد من النقاشات بين كثير من المراقبين بحثا عن ذلك السر، حيث يقولون إن الحصول على معلومات عن المحادثات من المسؤولين في روسيا وإيران بدا أسهل وأيسر من الحصول عليها من إدارة بايدن.

لم تلتزم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ انطلاق المحادثات النووية في فيينا بين الإيرانيين والقوى العالمية، الشفافية بشأن سير المفاوضات وما هو المعروض بالضبط على النظام في طهران الذي وصفته وزارة الخارجية بأنه “أسوأ دولة راعية للإرهاب في العالم”.

وبينما يقول الروس والإيرانيون منذ أسابيع إنهم يحرزون تقدما صوب التوصل إلى اتفاق واصلت إدارة بايدن التهوين من إمكانية التوصل إلى اتفاق داخل الولايات المتحدة وأمام الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتهم إسرائيل والسعودية.

ويثير العالم السياسي الأميركي والباحث في جامعة هارفارد مجيد رفيع زادة في تحليل نشره معهد “جيتستون” مجموعة من الشكوك بشأن الموقف الأميركي.

ويتساءل هل يهدف التعتيم الإخباري من قبل واشنطن بشأن المفاوضات مع إيران إلى إبقاء حلفاء الولايات المتحدة دون علم للحيلولة دون إثارة غضب من شأنه تعطيل جهود الإدارة لإحياء الاتفاق النووي الذي يعود إلى 2015 والذي لم توقعه إيران أبدا؟ أم هل المقصود هو الحفاظ على الأميركيين والحرس في الكونغرس تحت السيطرة ثم مفاجأتهما بصفقة في وقت لاحق؟

ويقول رفيع زادة رئيس المجلس الأميركي الدولي في الشرق الأوسط إنه إذا فاجأت إدارة بايدن، كما فعلت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، الجميع بالتوصل إلى اتفاق فهل سيكون وقت التحرك قد فات الأميركيين؟ وهل العودة إلى الاتفاق النووي هي المقابل الذي وافق بايدن على دفعه لما لقيه من تأييد أوباما قبل الانتخابات الأميركية الأخيرة؟

وبعدما أقر الأوروبيون مطلع مايو الجاري بقرب التوصل إلى اتفاق لم يكن أمام إدارة بايدن خيار آخر سوى كشف النقاب عن الحقيقة في الثامن من نفس الشهر، وأن تعترف بأن هناك بالفعل اتفاقا في الطريق.

لكن في المقابل رفضت إدارة بايدن الإفصاح عن أي عقوبات تعتزم رفعها عن طهران، وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه المسؤولون الإيرانيون.

ومع ذلك فإن من قبيل الدهشة أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال “وصلنا إلى مرحلة يقول الأميركيون والأوروبيون عندها، بصراحة، إنه ليس أمامهم خيار إلا رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، وإنه جرى رفع جميع العقوبات تقريبا، وتتواصل المحادثات بشأن بعض التفاصيل”.

وعندما يقول روحاني إن إدارة بايدن سوف ترفع “العقوبات الرئيسية” من المرجح بقوة أن يشمل ذلك العقوبات المفروضة على النظام المصرفي والمالي الإيراني، وتلك التي استهدفت منظمات ومسؤولين جرى ضمهم إلى القائمة السوداء خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

وليس ذلك فقط، بل أيضا العقوبات المسلّطة على صادرات النفط والمعادن وقطاع الشحن البحري والتجارة وإجراء معاملات مع النظام الإيراني، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على الخطوط الجوية التجارية في إيران التي تورطت في عمليات تهريب الأسلحة، وكذلك تلك المرتبطة بأنشطة إيران الإرهابية والانتهاكات الحقوقية.

وكان الرئيس بايدن قال في وقت سابق إنه سيرفع العقوبات عن إيران بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وإنه سوف يعمل مع حلفاء أميركا من أجل تحقيق هذا الهدف. ولكن يبدو أنه يعتزم رفع العقوبات من أجل إحياء اتفاق 2015. وعلاوة على ذلك يبدو أنه لم يتم إطلاع حلفاء واشنطن، مثل إسرائيل أو القوى الإقليمية الأخرى، على سير المفاوضات.

ورغم أن بايدن أشار إلى أنه يريد اتفاقا أكثر قوة وأطول أمدا من الاتفاق النووي السابق، فإنه من المرجح أن يكون الاتفاق الجديد هو نفسه القديم.

ويرى رفيع زادة أن التوصل إلى اتفاق في مثل هذا الإطار الزمني القصير يكشف عن عدم إدخال قضايا جديدة إلى المفاوضات. وبالإضافة إلى ذلك كانت السلطات الإيرانية واضحة بشأن عدم قبولها اتفاقا مختلفا، والذي قد يتضمن قيودا على برنامج الصواريخ الباليستية، أو ربما يتطرق إلى سياسة إيران الخارجية المتشددة في الشرق الأوسط.

ومن المرجح بقوة أن يتضمن الاتفاق الجديد بين إيران والقوى العالمية “شروط الانقضاء” التي تحدد موعدا لإنهاء تقييد البرنامج النووي الإيراني، والذي تصبح لقادة إيران بعده حرية تشغيل أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم بأي مستوى يرغبون فيه.

كما أن هذا الاتفاق المحتمل قد يعفي المواقع العسكرية الإيرانية من عمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإلى جانب ذلك سوف يساعد إحياء اتفاق 2015 النظام الإيراني على العودة إلى النظام المالي العالمي وتحقيق المزيد من الشرعية، بالإضافة إلى تدفق مليارات الدولارات على خزائن النظام والميليشيات التابعة له.

ومن هذا المنطق يؤكد رفيع زاده أن للجميع الحق في أن يعرف ما هي العقوبات التي تعتزم إدارة بايدن رفعها عن طهران، لأن النظام الإيراني يقوم منذ أربعة عقود تقريبا بقتل أميركيين واحتجاز بعضهم رهائن. فهذا النظام بث مؤخرا مقطع فيديو دعائيا يصوّر تفجيراً وهمياً لمبنى الكونغرس على يد الحرس الثوري، بينما تسعى فيه إدارة بايدن إلى رفع العقوبات عنه.

وكتب السيناتور الجمهوري بات تومي تغريدة في تعليق على مقطع الفيديو قال فيها “اعترف كبير المفاوضين الإيرانيين الأسبوع الماضي بأن الحرس الثوري هو الذي يتخذ القرارات في طهران. والآن نرى أن إيران تعرض فيديو مفتعلًا يظهر الحرس الثوري وهو يفجر مبنى الكابيتول”. والآن يجب “أن تركز أولوية إدارة بايدن على ردع إيران عن تنفيذ اعتداء من هذا النوع، وليس الاستسلام برفع العقوبات عنها”.