في انتظار العقوبات الأميركية.. تركيا تحبس أنفاسها

فيما تخسر الليرة التركية مزيدا من قيمتها مقابل سلة العملات العالمية، إذ وصل حد التدهور الأسبوع الماضي بعدما انخفضت قيمتها من 7.5 ليرة مقابل الدولار الواحد مع بداية الأسبوع لتنتهي بـ 8.35 مع نهايته، فإن المواطنين والمؤسسات الاقتصادية وقطاع الأعمال والمستثمرين يتأهبون لموجة متراكمة من العقوبات الاقتصادية والإدارية والسياسية التي قد تفرضها الولايات المتحدة على بلادهم.

طيف من الملفات الخلافية بين الطرفين (أميركا وتركيا) تراكمت خلال السنوات الماضية، بدءا من سوريا وشرق المتوسط، مرورا بليبيا والحرب الأذرية، خلقت هذا الفراق بينهما، لكن صفقة منظومة الصواريخ الروسية "إس-400" التي اشترتها تركيا وجربتها خلال الشهر الجاري، كانت القضية التعبيرية عن مدى هذا الخلاف بين الطرفين، لاسيما مع سياسات وخيارات أردوغان.

وقال المتحدث باسم البنتاغون، جوناثان هوفمان: "وزارة الدفاع الأميركية تدين بأشد العبارات الاختبار الذي أجرته تركيا في 16 أكتوبر لنظام الدفاع الجوي إس-400"، ردا على الرئيس التركي، الذي أكد اختبار بلاده للمنظومة، قائلاً: "لن نطلب الإذن من الأميركيين.. مهما كانت عقوباتكم فلا تترددوا في تطبيقها".

وحسب مؤسسة "KONDA" التي نشرت نتائج آخر استطلاع للرأي، فإن حزب العدالة والتنمية وأردوغان، قد خسروا 10 بالمئة من التأييد الشعبي لهم خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.

فالنتائج دلت على أن شعبية العدالة والتنمية تراجعت بنسبة 3.5 بالمئة عما كانت عليه خلال شهر أغسطس الماضي.

ولعل الأمر الأكثر تعبيرا عن ذلك، هو المؤشرات التي دلت على أن المتراجعين عن دعم الحزب الحاكم، صاروا يدعمون حزبي المعارضة الرئيسيين، حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطية المؤيد لحقوق الأكراد.

بيانات معهد الإحصاء التركي، التي صدرت الجمعة، وتلقى موقع "سكاي نيوز عربية" نسخة تفصيلية منها، أشارت إلى تراجع في جميع المستويات الاقتصادية في البلاد.

وتراجعت عائدات السياحة في تركيا خلال الربع الثالث من هذا العام بمعدل وصل إلى 71 بالمئة، لتحقق 4 مليارات دولار فحسب، بالرغم من أن السياحة من أهم مصادر الدخل الأجنبي في البلاد.

وترافق تراجع السياحة مع العجز التجاري المستديم الذي أصاب تركيا طوال العامين الماضيين، والذي وصل خلال شهر سبتمبر الماضي إلى 189 بالمئة سلبا، مما يعني أن قطاع الصناعة التركي يعاني من صعوبات هيكلية، وأن القيمة المضافة التي كانت السوق السياحية التركية تقدمها للزوار الأجانب لم تعد متوفرة. وقد تراجع هؤلاء الزوار بنسبة 74 بالمئة طوال هذا العام.

وتشير جميع تفاصيل بيانات مركز الإحصاء التركي إلى القطاعات الاقتصادية التركية، الحيوية منها بالذات، في قطاعات الاستثمار والصناعات المتوسطة والخدمات السياحية، مما يشير إلى أنهم ينتظرون شهورا صعبة قادمة، جراء العقوبات المنتظرة من قِبل الولايات المتحدة الأميركية.

 وكالة رويترز للأنباء نشرت تقريرا مفصلا كتبه "حُميرة باموق"، تحدث فيه عن نوعية العقوبات التي يمكن أن تتعرض لها تركيا في ظل أية إدارة أميركية قد تفوز في الانتخابات التي ستجرى بعد أيام قليلة.

التقرير الذي رجح أن يكون الوضع كارثيا في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، قال: "في حالة فوز المنافس الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الثلاثاء المقبل، كما تشير أغلب استطلاعات الرأي، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيفقد حليفه الأكثر قيمة في واشنطن، مما يجعل أنقرة عرضة لغضب الكونغرس الأميركي، وبعض الوكالات الحكومية الأميركية المشككة في سلوك تركيا".

وأضاف: "من المتوقع أن يكون بايدن، الذي وصف أردوغان في شهر سبتمبر الماضي بأنه "مستبد"، أكثر صرامة مع تركيا، لا سيما فيما يتعلق بإضعافها لمعايير حقوق الإنسان والديمقراطية ونشرها للفوضى".

يحدث ذلك في وقت يعيد فيه مركز الدراسات والبحوث التركية والدولية، جردة حساب شاملة لنتائج الأدوات والسياسيات التي اتبعها أردوغان، وأوصلت تركيا إلى هذا الواقع الراهن من المواجهة غير المتوازنة مع الولايات المتحدة.

تلك الاستراتيجية التي كانت قائمة بالأساس، توهم أردوغان بإمكانية خلق توازن متخيل بين روسيا والولايات المتحدة، وتاليا ابتزاز الطرفين وإحراز مكاسب منهما.

الباحث المختص بالشؤون التركية عطا الله يشيلدا، كتب تقريرا تحيليلا في موقع " Paturkey" ركز فيه على سوء تقديرات الرئيس التركي تجاه نسج علاقات مميزة مع نظيره الروسي، وفي نفس الوقت شغل مناطق استراتيجية على حساب روسيا نفسها.

وقال يشيلدا: "كانت سياسة أردوغان في الدفاع عن وصول تركيا إلى شرق البحر المتوسط، ومحاربة الأسد في سوريا، وتأييد أذربيجان في صراعها اللامتناهي مع أرمينيا حول منطقة ناغورني كاراباخ، منطقية في سياق توسيع نفوذ تركيا في المنطقة، لكن كل ذلك كان يحتاج إلى بوليصة تأمين من الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وليس غيرها".