مواجهة ناغورنو قره باغ.. ما السر وراء الدور التركي في الإقليم؟

يحذر خبراء من أن يتحول إقليم ناغورنو قره باغ إلى نقطة مواجهة جديدة بين موسكو وأنقرة كما هو الحال في سوريا وليبيا، بعد أن أعلنت تركيا دعمها الواضح لأذربيجان، فيما تدعم روسيا أرمينيا.  

ومنطقة "ناغورنو قره باغ" في صلب العلاقات المتوترة بين يريفان وباكو. وألحقت السلطات السوفياتية هذا الجيب، الذي تسكنه أغلبية أرمينية، بأذربيجان عام 1921، لكنه أعلن استقلاله عام 1991 بدعم من أرمينيا.

وتلى ذلك حرب أدت إلى مقتل 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف. ورغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1994، وقيام وساطة روسية وأميركية وفرنسية تحت اسم "مجموعة مينسك"، إلا أن الاشتباكات استمرت بين الطرفين.

وتجددت الاشتباكات، الأحد والاثنين، وقتل خلالها العشرات في معارك بين الانفصاليين في ناغورنو قره باغ المدعومين من أرمينيا وأذربيجان، ما أثار مخاوف من اندلاع حرب مفتوحة بين الجانبين.

وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، دعم بلاده الكامل لأذربيجان، داعيا إلى إنهاء ما أسماه بـ "الاحتلال" الأرميني، كما ذكرت تقارير صحفية أنه أرسل مرتزقة سوريين إلى أذربيجان لمساعدتها في حربها.
لماذا تدعم تركيا أذربيجان؟

يرجع بعض المحللين الموقف التركي إلى الخلاف التاريخي بين تركيا وأرمينيا، وتمسك الأخيرة بملف الإبادة الأرمينية على يد العثمانيين، وأن تأييد إردوغان لأذربيجان هو ورقة ضغط على أرمينيا للتخلي عن موقفها في هذه القضية.

لكن الكاتبة الصحفية الأرمينية، ناني سهاكيان، وفي حديثها مع "موقع الحرة" ترى "أن قضية الإبادة الأرمينية هي شيء صغير مقارنة بخطط وأحلام الأتراك الكبرى في المنطقة".

توضح سهاكيان "هم يحبون أن يقولوا إنهم أمة واحدة ودولتان، بالرغم أنه عندما كانت أذربيجان جزءا من الاتحاد السوفيتي، لم تكن علاقاتهما قوية، لكنهما الآن أكثر ارتباطا".

ويتفق الشعبان التركي والأذربيجاني في الديانة الإسلامية، رغم الاختلاف على المذهب، فالأولى سنية والثانية ذات غالبية شيعية، وكانت تركيا أول دولة اعترفت بأذربيجان عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

وتقول سهاكيان "على الرغم من أنهما دولتان مختلفتان، حيث تتحدث النخبة في أذربيجان باللغة الروسية أكثر من التركية، بينما يتحدث العامة اللغة التركية، فضلا عن أن باكو لم تجر أي انتخابات ديمقراطية، لكن تركيا دولة ذات تقاليد انتخابية جيدة إلى حد ما، فإن تركيا تعتبر أذربيجان هي "الأخ الأصغر" الذي يعاني من سوء الاقتصاد ومشاكل داخلية".

وظهر التعاون العسكري بين أذربيجان وتركيا لأول مرة في عام 1992، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، باتفاقية موقعة بين الحكومتين الأذربيجانية والتركية. منذ ذلك الحين، تتعاون الحكومتان بشكل وثيق في مجال الدفاع والأمن.

في المقابل فإن العلاقات بين أرمينيا وتركيا غير موجودة رسميا، بل كانت تاريخيا تتسم بالعدائية، بحسب سهاكيان.

وتضيف سهاكيان: "في التسعينيات، عندما كانت أرمينيا في حالة حرب مع أذربيجان، أغلقت تركيا حدودها الجوية والبرية مع أرمينيا في عام 1993 من جانب واحد، وافتتح المجال الجوي عام 1995 بضغط المجتمع الدولي، لكنها لم تفتح الحدود البرية أبدا، مما زاد الوضع الاقتصادي سوءا".

وفي عام 2016 كادت اشتباكات دامية في ناغورنو قره باغ أن تشعل حربا بين الطرفين، قتل فيها 100 شخص من الجانبين.

وأرمينيا التي تسيطر على المنطقة المتنازع عليها، يرضيها الوضع القائم، أما أذربيجان الغنية بموارد الطاقة والتي يتخطى إنفاقها العسكري موازنة أرمينيا برمتها، فتهدد باستعادة السيطرة على المنطقة بالقوة.

وفي شهر يوليو الماضي، تبادلت الجارتان الاتهام بشن هجوم على الحدود المشتركة، تسبب بسقوط قتيلين و5 جرحى من القوات الأذربيجانية.

وجاء هذا التصعيد الأخير بعد تصريحات للرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، خلال الأسبوع الماضي،  هدد فيها بالانسحاب من محادثات السلام حول قره باغ، واعتبر أن لبلاده الحق في السعي "إلى حل عسكري للنزاع".

"تحول خطير"

ويرى رئيس مركز الدراسات الإقليمية في أرمينيا، ريتشارد غيراغوسيان، في حديثه مع "موقع الحرة"، أن "تجدد المواجهات الأخيرة نقطة تحول خطيرة، مستبعدا أن يتم خفض التصعيد بسهولة في ظل تدخل قوى من دول الجوار تشمل روسيا وتركيا وحتى إيران".

وأكد أن تدخل هذه القوى سيمثل أكبر عقبة أمام الجهود الدبلوماسية الدولية لخفض التصعيد في المنطقة.

وتقول سهاكيان إن "الناس في أرمينيا يعتقدون أن تركيا لديها أحلام عثمانية جديدة، وتود شطب أرمينيا من على الخريطة". ولهذا نرى أن "الدعم التركي لأذربيجان هو أخطر تهديد علينا".

"يعزز نفوذ روسيا"

يقول غيراغوسيان إن نزاع "ناغورنو قره باغ" يعزز نفوذ موسكو على كل من أرمينيا وأذربيجان معا.

ويوضح أن روسيا حلت في السنوات الأخيرة محل المورد التركي الرئيسي للأسلحة لأذربيجان، وفي الوقت نفسه، حافظت موسكو بمهارة على شراكتها الأمنية مع أرمينيا.

ويضيف أن أرمينيا تقدم لروسيا موقعا فريدا، حيث تستضيف قاعدة روسية، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي انضمت إلى مشروعين لروسيا، وهما الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، لكن السؤال هو: بأي ثمن تتبع أرمينيا روسيا مصالحها الخاصة، في حين أنه لم يعد ينظر إليها على أنها ضامن أمن موثوق لأرمينيا؟".

أما الموقف التركي، فيراه غيراغوسيان أكثر خطورة وعدوانية بسبب سعي نظام إردوغان نحو مصالحه، ومحاولته استعادة دور أنقرة السابق كدولة راعية عسكرية استراتيجية لأذربيجان.

هل تصبح ناغورنو قره باغ ساحة حرب إقليمية بين روسيا وتركيا؟

يرى غيراغوسيان أنه "على الرغم من تضارب المصالح، والطموح التركي لاستعادة دوره المفقود كراع عسكري وحليف لأذربيجان، ستخافظ روسيا وتركيا على مستوى من الحذر في الأزمة، لتجنب أي صدام أو مواجهة مباشرة بينهما، مع التركيز بشكل أكبر على الحرب من خلال الوكلاء".