6 ملايين دولار لبناء وكر جديد لـ"التطرف"
قام رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة، بوضع حجر الأساس لمشروع مباني جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، بصنعاء، والبالغة تكلفته 6 ملايين و400 ألف دولار.
ويأتي هذا التطور، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة داخلية، خلفتها الحروب مع التيارات الدينية المتطرفة، كان آخرها الحرب على تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة. إلى جانب الحرب التي تدور رحاها في محافظة عمران بين جماعة الحوثي وقوات من اللواء 310، يساندها في ذلك حزب الإصلاح، وسط أزمة اقتصادية خانقة.
وتأسست جامعة القرآن الكريم، ككلية، عام 1994، قبل أن تتحول إلى جامعة عام 2012. وأعلن افتتاحها في حفل حضره رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، في 4 يوليو 2012. وأعلن فيه عن تبرع الدولة بمبلغ 20 مليون ريال لصالح جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، وتبرع رئيس الجمهورية بمليوني ريال، وتبرعه شخصيا بمليون ريال.
وتلقى الجامعة التي يعتقد أن حزب التجمع اليمني للإصلاح يشرف عليها، اهتماماً خاصاً من رئيس الوزراء، الذي لمح في خطاب له بحفل افتتاح الجامعة (في يوليو 2012)، إلى وقوف حزب الإصلاح وراءها. وقال: "أعجب كثيرا بما حققه حزب الحرية والعدالة (في تركيا) من نهضة كبيرة في هذا البلد الإسلامي".
وأضاف رئيس الوزراء يومها، أنه "يثق كل الثقة في حزب التجمع اليمني للإصلاح"، وأن علاقته بهم (الإصلاح) تعود الى أكثر من عقدين من الزمن.
وتحدث أكاديميون ومسؤولون حكوميون لـ"الأولى"، عن الأثر الذي يمكن أن يضعه التعليم الديني الذي لا يخضع كلياً لرقابة المؤسسة الحكومية، من أثر في إنتاج العنف، وخلق بيئة خصبة للتيارات الإسلامية المتشددة لاستقطاب الشباب وجرّهم إلى ساحات القتال.
وفي السياق ذاته، قال لـ"الأولى" رئيس الهيئة العامة للكتاب ونقيب الصحفيين الأسبق عبدالباري طاهر: "نحن أمام خلل في العملية التربوية والتعليمية كلها، وهناك خلل واضح في المنهج منذ 5 نوفمبر، بسبب الصراع بين الشمال والجنوب".
وأضاف طاهر: "سلمت التربية والتعليم للإسلام السياسي، وسيّس التعليم، وأدلج لصالح طرف سياسي حزبي معين، والخلل موجود في مناهج التربية والتعليم، وهي مدارس سلفية وجهادية ضد الجميع والطوائف والمذاهب، وضد الداخل اليمني والعربي، وهي مشحونة بالأفكار الظلامية، وبالتكفير والتخوين".
وتابع: "هناك تعليم خارج التعليم الرسمي، تعليم مذهبي وإسلام سياسي متطرف، وهذه تتضافر مع خطاب إعلامي أحادي مغشوش، وخطاب مسجد مكفر، هذه تتضامن معاً لتخلق هذا النوع من الإرهاب، وهذا العنف يزدهر في ظل ضعف الدولة وانقسام الجيش واختراقات الأمن وسيطرة القوى التقليدية على الحياة السياسية، وإعاقة بناء دولة اتحادية مدنية ديمقراطية".
وأشار طاهر إلى أن "البلد بحاجة حقيقية إلى تغيير في خطاب الحكم، وفي
خطاب الأحزاب السياسية، وفي مناهج التربية، وفي رقابة الدولة على التعليم، وجعل التعليم العام إلزامياً على الجميع، وأيضا إعادة بناء الجيش والأمن، وعقلنة خطاب المسجد، وتعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها، ومواجهة وتحدي الفساد والاستبداد والفتن والحرب التي تهدد النسيج اليمني كله".
وأوضح أن "أساس أي بلد، هو توحيد التعليم، وجعل التعليم في المراحل الأساسية مرحلة إلزامية على الجميع. وتكمن مسؤولية الدولة في إعادة صياغة التعليم، بصيغ علمية، وربطه باحتجاجات البلد التنموية".
بدوره، قال لـ"الأولى" الدكتور عبدالرزاق الأشول، وزير التربية والتعليم في حكومة الوفاق الوطني: "نحن حقيقة لنا استراتيجية لمجابهة الإرهاب، ومن ضمن هذه الاستراتيجية مصفوفة القرارات التي تم تشكيلها مؤخراً، واللجنة المشكلة برئاسة الوزير أبو بكر القربي، لهذا الغرض، وقد عقدت عدة اجتماعات، وناقشت مواضيع في الجانب الوقائي، ومن ضمن المجالات التي تمت الإشارة إليها الإشراف المباشر على هذه المدارس، والتي تعمل خارج الإطار الحكومي، حتى نطمئن على أن هذه المدارس لا تقوم بأداء مهام أخرى، وألا يكون لها منهج خارج العملية التعليمية الرسمية".
وحول الخروقات الحاصلة في إنشاء المدارس الدينية، قال الوزير الأشول: "مشكلتنا تكمن في قانون السلطة المحلية، الذي أعطى صلاحيات للمجالس المحلية للسماح بإنشاء مثل هذه المدارس، حيث نتفاجأ عندما ننزل إلى أي منطقة تعليمية، بوجود قرار بإنشاء مدرسة أهلية سواء دينية أو غيرها، ولا يوجد أي التزام أو معايير، لأن هناك شروطاً لمثل هذه المنشآت. ومع هذا نلتزم بالحد الأدنى من المعايير والشروط المتعلقة بوجود تصريح لممارسة عملها، أو نقوم بإغلاقها".
وحول التعليم في محافظة صعدة، أشار الوزير إلى أن "هناك كثيراً من المحفزات التي تضمنها مؤتمر الحوار، وتم الترتيب لها في مخرجاته بشأن التعليم في المحافظة. ونحن ننتظر تطبيق هذه المخرجات للقيام بتطوير التعليم في المحافظة".
ونوه الوزير إلى أن "مكتب التربية بالمحافظة يقوم بدوره سواء القيام بالمهام الامتحانية والإشراف على العملية التعليمية، وإن ما تم رصده من تدخلات في العملية التعليمية هناك، لا يعدو عن كونه ترديد الشعار في بعض المناطق وبعض الأنشطة لبعض المدرسين، وأنها ممارسات فردية".
وتابع الوزير الأشول: "لكن هناك تدريساً للمنهج الرسمي، وما يدور الحديث عنه من تدريس لملازم الحوثي، هو نشاطات تقام خارج المدارس، وفي إطار الأنشطة والمخيمات الصيفية".
وحول مسألة الخلل في العملية التعليمية، والنشاط الذي قد يؤدي إلى التطرف فيها، أوضح الأشول لـ"الأولى": "ما يتعلق بموضوع المناهج، فإن لها 12 عاماً لم يتم تطويرها، وفي وزارة التربية بدأنا بمناهج الرياضيات والعلوم واللغة العربية، باعتبارها أصل النماء والازدهار، أما البقية فسيتم تطويرها على أساس من مخرجات الحوار الوطني".
وبالإشارة إلى ما يتم طرحه من وجود خلل، "فالمناهج لابد أن تنشأ وحدة فكرية وذهنية تتعلق بفكرة المواطنة، وتؤمن بمفاهيم المساواة والعدالة، والمخرجات التي خرج بها الحوار الوطني تمتلك كل هذه العناصر والمهارات لتطوير هذا الواقع التعليمي".
وفي ما يخص الرقابة على دور العبادة والمساجد، والتي تعمل على توفير بيئة خصبة للتطرف، أشار الوزير الأشول: "حقيقة إذا أتينا لهذا الموضوع لا يوجد نظام يحكم هذا النوع من التعليم للأسف الشديد. فالإدارة السابقة للتربية والتعليم على تعاقبها، لم تلتفت إلى هذه القضية والفلسفة التربوية. لكن المسؤولية تقع في مثل هذا الأمر، على وزارة الأوقاف".
وقال: "في الأخير، أريد أن أقول إن لدينا استراتيجية لتطوير التعليم".
من جانبها، قالت لـ"الأولى" الدكتورة ابتسام المتوكل، أستاذة اللغة العربية بكلية الآداب جامعة صنعاء: "في بلد ينهشه مرض هشاشة التعليم العام، ويتفشى لدى حاملي الشهادات؛ فيه قصور عن اللحاق بالمستوى التعليمي العالمي، فشهادات هذه البلاد غير معترف بها، في بلد كهذا، ما هو حصاد العلم فيه؟ وكم نصيبنا من القادرين على تجاوز عثرات التعليم الرسمي، والاشتغال على أنفسهم لتفكيك مركبات الجهل، والنفاذ منها صوب فكر عقلاني تحليلي ناقد؟".
وتابعت المتوكل: "الجواب سأتركه للقارئ، وأعود لسؤالك عن التعليم المذهبي المعبأ بالتطرف وكراهة الآخر المختلف مذهبيا.
حيث السؤال يحمل في طياته الكثير من نواقيس الخطر الداهم. الخطر في ترك المشترك الذي يجعل من أي جماعة من الناس أمة، الخطر في تقسيم أبناء البلد الواحد إلى شيعة وسنة وفقا للمدلول السلبي لكل فريق عن الآخر".
وأضافت: "إن تغاضينا عن تخلفنا المعرفي والعلمي يعزز فداحته تخندقنا وراء مقولات تاريخية تشوهت أسانيدها، وغدا اتباعها عنوان جهل ممنهج من جهة، وقتل لاحتمالات التعايش والشراكة على أرضية الدولة المدنية من جهة ثانية".
وأشارت الدكتورة ابتسام إلى أن "اليمن لم تحسم معركتها مع الهدف الأسمى لكل ثوراتها، وهو القضاء على الجهل، وحصول كل يمني/ة على حقه في التعليم، فما بالك بها وهي تدخل كهوف النظرة الضيقة للمتدينين البعيدة عن سماحة الدين وجوهره القائم على إعلاء شأن الإنسان، ودوره في إعمار الكون".
واستطردت: "أقول بوضوح للمتاجرين بالدين: دعوا الدين لله، ودعوا علاقة عياله به مباشرة، وانصرفوا لمنفعة خلق الله، لا لتصنيفهم على أساس فئة ناجية يدعي كل فريق منكم أنه تلك الفئة، وفئات ضالة مضلة ترسلونها ببساطة للجحيم في هروب غبي من رحمة الله التي ليس لبشر منعها أو منحها. إن افتتاح فروع لجامعة قندهار في اليمن قد صار عبئا على هذا البلدة الطيبة، وصار تدخلا غير موفق في أعمال ربها الغفور. ومن الواضح أن لا عقلاء في موقع القرار يسعون للحد من الاتجار بالدين، وتطوير فروع جامعة قندهار إلى مركز رئيس ترعاه اليمن وتوسم به".
وأردفت الدكتورة ابتسام: "يتوجب على أي دولة تنشد الذهاب إلى المستقبل، الكف عن الابتزاز بالماضي، يتوجب علينا أن نسرع الخطى لنتجاوز الهوة المعرفية التي تفصلنا عن عالم اليوم، وأن نوجه العقل اليمني الشاب المشهود له بذكاء فطري، صوب آفاق العلم الذي يصنع الطائرة، ويشيد المشفى، ويخترع العلاج، ويركب الدواء، ويفلسف الكون بالعقل الذي بوسعه أن يهتدي إلى خالقه عبر الاهتداء بكل إشاراته الكونية".
وأضافت: "يتوجب على اليمن أن تصمم برنامجا معرفيا يتنافس فيه متفوقوها لإظهار ملكاتهم في مجالات المعرفة الحديثة، لأنها سبيلنا للكف عن تسول كل ضرورات حياتنا من الغرب الكافر الذي تلعنه ثكنات التعليم الحجري، وتتوسل كل برمجياته وتقنياته لاقتراف هذه اللعنات دون حياء".
وعلى الصعيد ذاته، قال الدكتور صادق القاضي، المتخصص بتطوير المناهج التعليمية: "ما يحدث الآن في اليمن، وربما دائماً، أننا نقف ضد النتائج ومع الأسباب، ضد الأعراض ومع الأمراض، ضد القاتل ومع المحرض، ضد القاعدة ومع الإرهاب، دون أن نأبه بأن الإرهاب فكر، وأن الفكرة الإرهابية الهدامة أخطر من كل السموم التي ابتكرتها الطبيعة، ومن كل الأسلحة التي اخترعها البشر!".
واعتبر الدكتور القاضي أنه "لم تعد علاقة المؤسسات الدينية ومؤسسات
التعليم الديني المتطرف، بالإرهاب، محلاً للجدل والتساؤل، كل الإرهابيين تم استقطابهم من هذه المؤسسات الدينية، حركة طالبان التي دمرت أفغانستان وتدمر باكستان، هي في الأصل حركة طلابية، كطلاب العلم في "دار الحديث" في دماج، والتي ليست، أو لم تكن، سوى قنبلة يدوية صغيرة مقارنة بـ"جامعة الإيمان"، في مذبح".
وتابع القاضي: "الشواهد والقرائن على علاقة هذه الجامعة -التي ذكرناها هنا للتمثيل لا الحصر- بالإرهاب والقاعدة، أكثر من كافية: "أبو الحسن المحضار"، زعيم جيش عدن أبين، كان حارسا شخصيا للزنداني، ودرس بجامعة الإيمان، الإرهابي "علي جار الله"، قاتل الشهيد جار الله عمر، درس بجامعة الإيمان، وإلى ذلك: "الناشري"، قاتل الراهبات في الحديدة، "عابد كامل"، قاتل الراهبات في جبلة، "هشام اللحجي"، أمير تنظيم القاعدة في لحج، "الجزائري"، الضالع في إرهاب الضالع في التسعينيات، وحتى العراقي "أبو ليث" الذي كان يزوّر الجوازات والوثائق للإرهابيين، كل هؤلاء الإرهابيين وغيرهم الكثير، كانوا طلاباً في "جامعة الإيمان"..".
وأشار القاضي: "ما لم يتدارك الرئيس هادي، خطيئة الرئيس السابق هذه، ويعمل على تفكيك القنبلة العملاقة، فمن المؤكد أنها هي التي ستفكك اليمن. لقد لُدغت اليمن من ذلك الجحر عشرات المرات! كما لدغت من غيره، ولا أقل أن تبدأ الحرب على الإرهاب بتأميم هذه الجامعة، ومرادفاتها، وتحويلها إلى مراكز إشعاع علمي، معني بالتنوير والتطوير لا التخريب والهدم، بجانب الإشراف المكثف والمباشر على أنشطة الجوامع ومدارس تحفيظ القرآن.. كبداية ضرورية موضوعية للحرب الوقائية الدائمة على الإرهاب".
يشار إلى أن "الأولى"، كانت، في السياق، طرحت أسئلة على المكتب الإعلامي لزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، لإيضاح موقفه من الأحاديث التي تدور عن تدخل جماعته في المؤسسات التعليمية، إلا أنها لم تحصل على إجابة على أسئلتها حتى كتابة التقرير.
وكانت "الأولى" حاولت الاتصال بوزير التعليم العالي والبحث العلمي، لأخذ رأي وزارته في تمدد هذه الجامعات والمنشآت الدينية، إلا أن هاتفه كان مغلقاً.
يذكر أن وضع حجر الأساس للكلية الجديدة، جاء على هامش الاحتفال بتخرج دفعة جديدة من "جامعة القرآن"، وهو الحفل الذي حضره باسندوة، وألقى فيه كلمة، شدد فيها على أنه سيستمر "شخصيا" في دعم هذه الجامعة؛ كما حضر الحفل الوزراء الـ3 المنتمون إلى التجمع اليمني للإصلاح: وزير التربية، ووزير التخطيط، ووزير العدل.
وشن ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، حملة ضد الخطوة الحكومية الجديدة.
وقال أحد المعلقين: "إن المشكلة ليست في تعليم القرآن، حيث اليمنيون جميعهم مسلمون، ويتربون من طفولتهم على القرآن، وأول ما يتعلمه الطفل من قبل عائلته هو قصار السور، وهناك في كل حارة مدرسة لتحفيظ القرآن، ولكن المشكلة في ما تمثله هذه المعاهد من بؤر للأحزاب والتيارات المتطرفة".