الرئيس الفرنسي: استمرار سيطرة حزب الله سيجر الويلات على لبنان

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بيروت إلى “تغيير سياسي” في لبنان وإلى “عقد سياسي” جديد بين اللبنانيين، مطالبا بتحقيق دولي “كأمر ضروري” لمعرفة خفايا التفجير.

وحذّر ماكرون كبار المسؤولين وزعماء الأحزاب من أنّ استمرار لبنان في وضع يهيمن فيه حزب الله على البلد ويخزّن فيه صواريخ وأسلحة مختلفة سيجرّ الويلات على لبنان.

وكشفت مصادر سياسية لبنانية أنّ ماكرون أكد لكل المسؤولين الذين التقاهم أن الكارثة التي حلت ببيروت يوم الرابع من أغسطس الجاري، ليست سوى نموذج مصغّر لما يمكن أن يحل بلبنان كلّه في حال لم يعد النظر في تموضعه.

وتسبب الانفجار الذي وقع الثلاثاء بمقتل ما لا يقل عن 137 شخصا بينهم دبلوماسية ألمانية، وإصابة خمسة آلاف آخرين بجروح، وفق حصيلة لا تزال مؤقتة إذ لا يزال العشرات في عداد المفقودين، فيما بات مئات الآلاف فجأة دون مأوى جرّاء الانفجار.

وشدّد في هذا المجال، في حضور ممثّل لحزب الله، هو النائب محمّد رعد، على أنّ هناك قلقا أوروبيا من أنّ إسرائيل يمكن أن تستغل الأشهر القليلة الباقية لإدارة دونالد ترامب كي تشنّ حربا شاملة على لبنان للتخلّص من مصانع صواريخ بالغة الدقّة لحزب الله.

وحرص على التحذير من أن الولايات المتّحدة تميل، في ظلّ الإدارة الحالية، إلى توفير الغطاء لأيّ حرب إسرائيلية في لبنان.

وبدا كلام ماكرون إشارة واضحة إلى أن لبنان لا يستطيع أن يبقى دولة قابلة للحياة في ظلّ الطبقة الحاكمة الحالية والصيغة السياسية المعتمدة وفي ظلّ الهيمنة الإيرانية، عبر حزب الله، على القرار السياسي فيه.

ووعد الرئيس الفرنسي بالعودة إلى بيروت في سبتمبر المقبل وذلك كي يكون حاضرا في ذكرى مرور قرن على إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920.

وكان الرئيس الفرنسي وصل الخميس إلى بيروت بعد أقل من 48 ساعة من الانفجار الضخم الذي تسببت به انفجار مواد كيميائية مخزنة في أحد عنابر ميناء بيروت.

والتقى ماكرون في بيروت رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس الحكومة حسّان دياب. وسبقت هذا اللقاء جولة له في حيّ الجميزة المسيحي الذي دمّر جزئيا جراء انفجار الثلاثاء الماضي.

وعبّر لدى خروجه من قصر بعبدا عن أمله في أن “تجرى التحقيقات في أسرع وقت في إطار مستقل تماما وشفاف ليكون في الإمكان معرفة ما حصل وأسباب الانفجار”.

وقال إنه أحسّ “بوجود غضب في الشارع”، مشيرا إلى أنه تحدث مع عون وبري ودياب حول موضوع “الأزمة السياسية والأخلاقية والاقتصادية والمالية المتواصلة منذ سنوات بكثير من الصراحة”.

والتقى بعد ذلك في قصر الصنوبر (مقرّ إقامة السفير الفرنسي) زعماء الأحزاب اللبنانية وممثلي الكتل النيابية وهم: سعد الحريري ووليد جنبلاط وسامي الجميّل وسليمان فرنجية وسمير جعجع. ومثل النائب محمّد رعد حزب الله في اللقاء، فيما مثّل النائب المسيحي إبراهيم عازار كتلة نبيه برّي التي تضمّ نواب حركة “أمل” الشيعية.

وفي كلمة القاها بعد انتهاء لقاءاته السياسية دمعت عينا الرئيس الفرنسي، وقال بالعربية: “بحبك يا لبنان”.

وبهتافات “الشعب يريد إسقاط النظام” و”ساعدونا”، استقبل لبنانيون الرئيس الفرنسي الذي تفقد سيراً على الأقدام شارع الجميزة الأثري في شرق بيروت المتضرّر بشدّة جراء انفجار المرفأ.

وقال ماكرون بلهجة واثقة متوجها إلى أحدهم “يا صديقي، أنا هنا اليوم لأقترح عليهم (السياسيين) ميثاقا سياسيا جديدا، وسأعود في الأول من سبتمبر”.

ولم ينزل أيّ مسؤول لبناني بعد إلى الشارع بعد وقوع الانفجار الذي دمّر أجزاء كبيرة من العاصمة، وخلّف 137 قتيلا وأكثر من خمسة آلاف جريح، بينما ينهمك اللبنانيون منذ يومين في تنظيف الركام والزجاج ومحاولة تصليح ما يمكن من منازلهم وبيوتهم ومتاجرهم.

ولم يتردّد الرئيس الفرنسي حين اقتربت منه سيدة تضع كمامة وقفازات تشكو إليه حالها وحال البلد، من أن يمسك بيديها أولا ويستمع إليها بإمعان قبل أن يعانقها بشدّة في مشهد مؤثّر في زمن التباعد الاجتماعي مع تفشي فايروس كورونا المستجد.

وردا على طلب بعض المتجمعين بعدم تسليم المساعدة إلى الحكومة، قال ماكرون “أؤكد لكم أن هذه المساعدة ستكون شفافة، وستذهب إلى الأرض، وسنضمن ألا تذهب إلى أيادي الفساد”.

ورد الرئيس الفرنسي قائلا “أنا هنا لإطلاق مبادرة سياسية جديدة، هذا ما سأعبّر عنه للمسؤولين والقوى السياسية اللبنانية”، مشيراً إلى ضرورة بدء “الإصلاحات (…) وتغيير النظام ووقف الانقسام ومحاربة الفساد”.

وصرح ماكرون فور وصوله إلى مطار بيروت أن “الأولوية اليوم لمساعدة الشعب ودعمه من دون شروط. لكن هناك مطلب ترفعه فرنسا منذ أشهر وسنوات حول إصلاحات ضرورية في قطاعات عدة”.

وأضاف أنه يتمنى إجراء “حوار صادق” مع المسؤولين اللبنانيين، “لأنه بعيداً عن الانفجار، نعلم أن الأزمة خطيرة وتنطوي على مسؤولية تاريخية للمسؤولين”، متابعا “في حال لم تنفذ الإصلاحات سيواصل لبنان الغرق”.

وقال وزير الخارجية اللبناني شربل وهبه الخميس في مقابلة مع إذاعة “أوروبا 1” إنه تمّ إنشاء لجنة تحقيق “عليها أن تقدم تقريرا خلال أربعة أيام حول المسؤوليات”، مضيفا “ستكون هناك قرارات قضائية”.