«لن نصمت» يكشف المستور عن نهب مساعدات اليمنيين

تفاقمت رائحة الفساد في اليمن وفي الوقت الذي يعاني فيه الملايين من السكان من الفقر ويصارعون الجوع نجد أن أصحاب السلطة يتصرفون بعيداً عن واقع البلد وشعبه، فبدلًا من إعانة هذا الشعب المنهك نجدهم يزيدون من معاناته من أجل تكوين ثروات طائلة.

كما أن أطراف الحرب في هذا البلد يحملون مفارقة غريبة وصارخة، ففيما يصرخ الملايين من الجوع والفقر، ينعم الوزراء والمسؤولون بالثراء والامتيازات، كما لو كانوا في بلد متعاف ووضع طبيعي ومستقر.

فريسة لسلطتين

ولم يعد اليمن ضحية الحرب وفريسة الكوليرا فحسب، بل هو فريسة لسلطتين أحدهما تمثل الشرعية والأخرى مليشيات الحوثي الموالية لإيران اللتين أصبحتا تتقاسمان قوت هذا الشعب والكشف عن حقيقة برامج الاستجابة العاجلة للمانحين وأين تذهب، فوسط الحرب هناك يمن فقير وموظفون بلا رواتب وملايين الجائعين، لكن مسؤوليه أثرياء يتسابقون لجني الأرباح الشخصية وجمع الأموال ويقبضون رواتب باهظة.

ومع استمرار تعهدات المانحين الدوليين وحشد الأموال، لدعم خطة الاستجابة للأمم المتحدة في اليمن، تزداد التساؤلات عن مصير تلك الأموال، التي غالباً مع نسمع ضجيجها على وسائل الإعلام، لكن لا نجد لها أي أثر ملموس، على الواقع، وعلى حياة الناس.

وخلال السنوات الماضية كانت المساعدات تذهب إلى مليشيا الحوثي لتقوم ببيعها واستخدامها كمجهود حربي في الوقت الذي تتساقط فيه جثث اليمنيين ليس نتيجة رصاص الحرب بل بسبب رصاص من نوع آخر وهو الفقر والجوع والأوبئة.

مأساة إليكم لم تنجم عن نقص المساعدات الإنسانية التي تصل إلى اليمن عبر الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات، بل تعود إلى ظاهرة نهب وسرقة المساعدات والأموال التي تبعث إلى اليمن لإطعام الجوعى وعلاج المرضى وتعليم الأطفال. ويحدث ذلك في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وبالأكثر في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين وضعوا كيانًا خاصًا ينظم آلية السيطرة على أموال الجياع والفقراء في اليمن.

"لن نصمت"

وفي هذا الإطار كشف الدكتور عبدالقادر الخراز، رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن، تحت عنوان "#لن_نصمت"، بالوثائق والمستندات عبر صفحته الخاصة على "فيسبوك"، عن تعاون الحكومة الشرعية في اليمن مع ميليشا الحواثي الموالية لإيران للاستيلاء على المساعدات والمنح التي تقدم للشعب اليمني الذي يعاني من ويلات الحرب التي طال أمدها نتيجة الفقر والجوع وتفشي الأمراض التي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا.

وبدأ الخراز بتوضيح حجم التمويلات التي وصلت لليمن والتي استلمتها المنظمات الدولية لعمل استجابة عاجلة فقط وليست تنموية وبلغ أربعة مليارات ومئتي مليون دولار في 2019، وفي 2018 بلغت التمويلات خمسة مليارات وأربعة مليون دولار.

وهذه الأرقام كانت قبل الحرب مساوية لميزانية الدولة اليمنية في خطتها السنوية والتي تتضمن مرتبات الموظفين بالجمهورية ومشاريع التنمية بمختلف المجالات، والآن فقط موازنة خطة عاجلة، ركزوا على ذلك.

وهذه الأموال في معظمها تذهب إلى الحوثي بصنعاء وتصرف نسبة 90% من مخصصات بعض البرامج في خطة الاستجابة عبر الحوثي.

وفي منشور آخر كشف رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، عن برامج الاستجابة العاجلة باليمن وتلاعباتها وإطالة أمد الحرب.

وأرفق جزءاً من خطة الاستجابة العاجلة التي نفذت في 2018 لقطاع المياه، وستلاحظون أن الواقع مختلف عن الأرقام، ففي الوقت الذي تداولت أرقام بالملايين من الشعب اليمني تحت خانة beneficiary أو المستفيدين، ومقابل كل خانة نوع الأنشطة والمبالغ التي صرفت أمامها بملايين الدولارات وتراوحت هذه الأنشطة بين إعادة التشغيل لأنظمة إمدادات المياه، وتوفير قطع الغيار والصيانة لأنظمة تزويد المياه وإصلاح أو إعادة تأهيل أو زيادة أنظمة الإمداد بالمياه وتوفير عوامل تعقيم المياه لمعالجة إمدادات المياه، ومراقبة جودة المياه وتقديم الدعم التشغيلي لنظم الصرف الصحي، وتوفير قطع الغيار والصيانة لأنظمة الصرف الصحي وإصلاح أو تأهيل أو زيادة أنظمة الصرف الصحي وتقديم الدعم لجمع النفايات الصلبة والتخلص منها في المناطق الحضرية... إلا أن الواقع كان بعيداً تماماً عن تلك الأرقام.

وتساءل الخراز: هل رأيتم أو لمستم شيئاً من هذه الأنشطة؟هل هناك جودة للمياه؟ هل ما زال اهلنا في المدن جميعها من صنعاء إلى عدن وغيرها يشترون المياه عبر الخزانات؟ ألم تغرق عدن في الأشهر الماضية نتيجة السيول ولم تعمل اي من أنظمة الصرف التي صرفوا عليها ملايين الدولارات لإصلاحها؟ أليست عدن وغيرها تغرق بطفح المجاري؟

من المتلاعب الرئيسي في ذلك وكيف تم فضح ذلك وإيصاله إلى مستويات عليا بالحكومة ومن تجاوب؟

وأشار إلى أن ما يطرحه هنا هو من واقع تجربة وتماس مباشر مع كل الأحداث التي يتحدث عنها حيث كان رئيسا للهيئة العامة لحماية البيئة منذ يوليو 2017 حتى سبتمبر 2019.

وذكر الأسماء التي وقفت ضد هذه الممارسات وكذا الأسماء التي تلاعبت مع المنظمات وما زالت تمارس لعبتها القذرة على هذا الشعب المغلوب على أمره بغطاء وحماية من دولة سكرتير السفير وبترقيات منه أيضا، على حد قوله.

وأوضح أنه في وزارة المياه والبيئة في نهاية العام 2017 حدث نقاش مطول حول ضرورة نقل كل المؤسسات التابعة للوزارة في صنعاء إلى عدن والعمل على إعادة بناء المؤسسات وانطلاق عملها من عدن، وهذه كانت رؤية الدولة في ذلك الحين، وكان من أهم الوحدات بالوزارة هي وحدة الطوارئ التي تتبع هيئة مياه الريف والتي يتم عبرها نشاط المنظمات الدولية (مثل اليونسف) لدعم مشاريع المياه والإصحاح البيئي في اليمن ويصرف جزء من هذه الأموال عبر هذه الوحدة إلى جانب وحدة أخرى وهي مشروع المياه والصرف الصحي بالمدن الحضرية، وهذا المشروع يستلم تمويلات بملايين الدولارات من البنك الدولي.

وقال الخراز: "جميع ما تحدثت به من وثائق بلغت به رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وسلمت لهم نسخا من المذكرات، طبعا تحركت الأمور بشكل غير متوقع وتفاجأنا بان مديري اليونسف والاتوتشا والواش نزلوا من صنعاء إلى عدن ويطلبون لقاء الوزير د. شريم، واكتشفنا ان هناك شخصا آخر يصارع هذه التلاعبات في وزارته هو د. نزار باصهيب نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي بعدن، وقد أوقف كثيرا من تصريحات عملهم، التقى هو الوزير د. شريم وكنت حاضرا وتباحثنا في كثير من المسائل وتم الاتفاق على الاجتماع بممثلي هذه المكاتب وان د. باصهيب هو من سيرتب هذا الاجتماع، كون وزارة التخطيط هي نقطة الاتصال مع اليونسف وهي المسؤولة".

هناك بالطبع أخطاء لا تغتفر حدثت وكان يجب المحاسبة والمعاقبة وفتح تحقيق، فهناك حالات وفاة حصلت لبعض النازحين من الجوع، في حين أن هذه المنظمات تدعي أنها وزعت ورصدت مئات الآلاف من الدولارات لهذه المخيمات.

طبعا الرسائل تصل بتهدئة الوضع والعمل على إيجاد حلول، فتحدث المسؤول الأول عنهم بأنهم سوف يقومون بتغيير الخطة واستيعاب اية ملاحظات وسيعملون على تغطية المناطق التي تحت سيطرة الشرعية بنسبة تصل إلى 50% وانهم سوف يقومون بتغييرات في الموظفين الذين كانت لهم أخطاء، وسيتم عقد ورشة جديدة ودعوة كل الجهات المعنية بالحكومة الشرعية ووضع الخطة من جديد، إلا أن هذا لم يحدث حتى كتابة هذه السطور وما زال الشعب اليمني يتساقط من شدة المعاناة.

"وين الفلوس؟"

وخلال العام الماضي أيضاً قام مجموعة من النشطاء اليمنيين باتخاذ خطوات عملية مدعومة بالوثائق والحقائق تؤكد على وجود منهجية في عمليات نهب المساعدات الإنسانية في اليمن، خاصة أن المنظمات العامة في اليمن لم تصدر أي تقارير مالية تفصيلية بشأن مصير المبالغ التي تتسلمها والتي تقدر على الأقل بـ23 مليار دولار.

وأطلق هؤلاء حملة إليكترونية باسم "وين الفلوس"، استجابة لأصوات اليمنيين الذين يؤكدون على عدم وصول المساعدات لهم أو بوصول سلال غذائية منتهية الصلاحية، فحسب التقارير الحقوقية هناك نحو 20 مليونًا من اليمنيين (ثلثي سكان البلاد)، يعانون من الأزمة المتفاقمة منذ تصاعد الحرب قبل أكثر من أربع سنوات، والملايين منهم يعيشون أوضاعًا تشبه المجاعة.

وبرغم أن الأموال كانت تمنح لعشرات الوكالات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المحلية، إلا أن "برنامج الأغذية العالمي" هو فقط ما تحدث مؤخرًا عن قضية نهب المساعدات الغذائية الخارجية من قبل الحوثيين في بيان رسمي.

وذكر البرنامج أن مراقبيه جمعوا صورًا وأدلة أخرى تُثبت نقل الطعام بطريقة غير مشروعة على متن شاحنات من مراكز مخصصة لتوزيع الطعام، وأن مسؤولين محليين يزيّفون السجلات، ويتلاعبون باختيار المستفيدين، إلا أن الجديد هو دخول الحكومة الشرعية على الخط لتحقيق مكاسب وأرباح.

وكانت الحملة تهدف إلى تقصي مصير المساعدات التي تتبرع بها الدول لليمنيين، وقد بدأت الحملة بمخاطبة المنظمات الدولية والمحلية لنشر تقاريرها الخاصة بآلية صرف وتوزيع المساعدات حسب ما تنص عليه القوانين.