الرئيس التونسي يلوّح بحل البرلمان ويضع الغنوشي تحت الضغط

يبدو أن أزمة تشكيل الحكومة في تونس تدخل منعطفا جديدا. فالرئيس قيس سعيّد يلوّح بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، إذا لم تحصل حكومة إلياس الفخفاخ على ثقة البرلمان. تطور قد يضع حزب النهضة الإسلامي تحت الضغط.
 
ترواح الأزمة السياسية في تونس مكانها منذ تنظيم الإنتخابات الشتريعية والرئاسية في اكتوبر تشرين أول الماضي، فبعد فشل حكومة الحبيب الجملي مرشح حزب النهضة الفائز في الانتخابات في نيل ثقة البرلمان يبدو أن حكومة إلياس الفخفاخ الذي كلفه الرئيس قيس سعيد، ذاهبة بدورها في اتجاه الفشل. فقد أعلن الفخاخ رسميا يوم السبت عن تعثر المفاوضات، بالأساس مع حزب حركة النهضة الإسلامية، حول تركيبة الحكومة، وذلك بسبب القرار المفاجئ للحزب بسحب مرشحيه للحقائب الوزارية قبل ساعة فقط من طرح الحكومة.
 
وفي تطور لافت قال الرئيس قيس سعيد الاثنين(17 فيبراير شباط 2020) إنه سيدعو لانتخابات مبكرة وسيحل البرلمان إذا فشلت الحكومة المقترحة في نيل ثقة البرلمان لإخراج البلاد مما وصفه بأنه "أسوأ أزمة منذ استقلالها" في 1956.
 
انتخابات جديدة؟
 
تضم حكومة الفخفاخ المقترحة وزراء من التيار الديمقراطي وحركة الشعب وحزب تحيا تونس وحزب النهضة وحزب البديل إضافة لمستقلين.‭‭
 
وتواجه الحكومة صعوبات في إخراجها إلى النور، فقبل ساعة من إعلان تشكيلتها أعلن حزب النهضة السبت الماضي الانسحاب من الحكومة وعدم التصويت لها في البرلمان. والسبب في ذلك هو عدم إشراك حزب "قلب تونس" بالإضافة إلى خلافات حول الحقائب الوزارية، إذ تعتبر النهضة أن تشكيلة الحكومة لا تتناسب مع حجمها كأكبر حزب، بينما أعلن حزب قلب تونس وهو ثاني أكبر قوة في البرلمان أنه لن يصوت لحكومة الفخفاخ. وبما أن الحكومة تحتاج لنيل ثقة البرلمان ولم يتبق سوى بضعة أيام أمام الفخفاخ لتنتهي مهلة إعلان الحكومة فالأمر بحاجة لما يشبه المعجزة لكي تنال ثقة البرلمان وهذا سيناريو من السيناريوهات المطروحة لكنه لن يتحقق إلا إذا تمكن الفخفاخ من النجاح في التفاوض مع النهضة للبقاء في الحكومة خلال ما تبقى من المهلة.
 
أما في ظل استمرار الانسداد الحالي فستتجه الحكومة نحو السيناريو الثاني وهو السقوط. فالحكومة تحتاج لموافقة 109 نواب وهو أمر لا يبدو سهل المنال في ظل جبهة رفض قوية من أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة إضافة إلى الدستوري الحر.
 
تضارب في تفسير بنود الدستور
 
سيناريو عدم نيل حكومة الفخفاخ على الثقة وهو الأكثر توقعا سيفتح المشهد السياسي التونسي على أكثر من احتمال وذلك بسبب غموض بنود الدستور فيما يخص التعامل معه، وصراع لي ذراع فيما يبدو بين الرئيس قيس سعيد ورئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي. فمع انقضاء مهلة شهرين التي أعطيت للجملي وفشل فيها في تشكيل الحكومة ومضي شهر آخر حاول فيه الفخفاخ تشكيل حكومته وبات قاب قوسين من الفشل، يتبقى شهر كامل حتى تنقضي الفترة الزمنية التي يفترض، حسب الدستور، أن يعلن مع نهايتها رئيس البلاد قيس سعيد حل البرلمان والدعوة إلى تنظيم انتخابات جديدة.
 
وكان الحبيب الجملي مرشح الحزب الفائز في الانتخابات حركة النهضة الإسلامية، قد جرى تكليفه يوم 15 تشرين ثان/نوفمبر الماضي، وفشلت حكومته في نيل ثقة البرلمان بعد شهرين من المفاوضات، وهي المدة القصوى المحددة له في الفصل 89 من الدستور لكن الفصل نفسه لا يحدد على وجه الدقة ماذا يمكن أن يحدث في الوقت المتبقي من انقضاء أقصى مهلة مطروحة لإعلان حكومة.
 
ويطرح المأزق الحكومي الحالي تحديا إضافيا لهذه الديمقراطية الناشئة التي تواجه أصلا وضعا اقتصاديا صعبا وتحتاج تمويلا ضخما لانعاش اقتصادها العليل وسط ضغوط قوية من المقرضين الذين يطالبونها بإصلاحات لا تحظى بشعبية. وهو ما يجعل فاعلين ومتابعين للشأن التونسي يدعون إلى ضرورة تقديم حزب النهضة تنازلات أخذا بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي تعيشها تونس وتطلعات الكثيرين لتحقيق ديمقراطية حقيقية. وقام كل من مركيز الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد أرباب العمل بمساعي للتوسط بين رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة ورئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، من أجل ايجاد صيغة توافقية.
 
الرئيس سعيد يضع "النهضة" تحت الضغط
 
وفي الوقت الذي حذر منه الرئيس سعيد من "أي مناورات تحت عباءة الدستور" في معرض تعليقه على المأزق الحكومي وسط جدل غير مسبوق حول بنود السدتور، طرح حزب النهضة خيارا ثالثا للتعامل مع الأزمة الحالية.
 
فقد أعلن القيادي في الحزب نور الدين البحيري في لقاء تلفزيوني ليل الأحد/الاثنين أن حزبه قد يدفع في البرلمان مع حلفائه إلى المرور لخيار تقديم لائحة لوم ضد حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يقودها يوسف الشاهد لسحب الثقة منها. وفي تقدير النهضة، فإنه أمام هذه الحالة الخاصة التي يطرحها الفصل 97 يمكن للبرلمان أن يستعيد زمام المبادرة من الرئيس بتقديم مرشح آخر من قبل الحزب الفائز في الانتخابات لتكوين حكومة. مقترح قد يمكن من استخدام الوقت المتبقي من المهلة القصوى لتشكيل حكومة ويجعل البلاد تتفادى انتخابات جديدة إذا نجح مرشح جديد في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان.
 
ويرغب الحزب من وراء هذه الخطوة قطع الطريق على الرئيس سعيد لحل البرلمان في حال فشل رئيس الحكومة المكلف حاليا إلياس الفخفاخ في التوصل إلى توافق مع شروطها ونيل ثقة البرلمان خلال الأيام المتبقية من المهلة المحددة في الدستور.
 
ولم يتأخر رد فعل الرئيس سعيد الذي وصف الاثنين محاولة سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال الحالية بأنها خطوة خارج الدستور.
 
وقال الرئيس سعيد اليوم "سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال هو خارج إطار الدستور. لأنها حكومة غير مسؤولة انبثقت عن برلمان سابق قبل الانتخابات الأخيرة". وتابع سعيد وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد "لا يمكن للبرلمان ان يسحب ثقة من حكومة تصريف أعمال هي مكلفة بضمان استمرارية الدولة".
 
وينظم الفصل 89 من الدستور التونسي اجراءات تكوين حكومة جديدة بعد الانتخابات. ويشير في فقرته الرابعة إلى أنه للرئيس أن يحل البرلمان في آجال أربعة أشهر منذ التكليف الأول - للحبيب الجملي يوم 15 تشرين ثان/نوفمبر- إذا ما فشل الفخفاخ في نيل ثقة البرلمان لحكومته.
 
وقال سعيد "الدستور واضح. لا مجال إلا لتطبيق الفصل 89".
 
والخلاف مستحكم حتى اليوم بين الفخفاخ والنهضة حول استبعاد حزب "قلب تونس"، الحزب الثاني في البرلمان من الحكومة المقترحة فضلا عن توزيع الحقائب الوزارية.
 
وتنتهي المهلة المحددة بشهر واحد في الدستور امام الفخفاح يوم 20 من الشهر الجاري.