بعد ليبيا.. تركيا من "صفر مشاكل" إلى "صفر أصدقاء"

وضعت تركيا نفسها في مرمى انتقادات حادة من عدة أطراف داخلية وخارجية بسبب دعمها لحكومة فايز السراج في ليبيا، بإرسال مقاتلين قالت تقارير إنهم "مرتزقة" ينتمون لفصائل سورية تدفع لهم أنقرة نظير المشاركة في هذه المعركة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد أعلن في الخامس من ديسمبر بدء نشر جنود أتراك في ليبيا، استنادا إلى الضوء الأخضر الذي منحه البرلمان التركي، لكن هذا التدخل "فاقم من مشكلات أنقرة مع جيرانها، على الرغم من تبنيها قبل نحو 10 سنوات سياسة "صفر مشاكل" التي تعتمد على عدم إثارة أية مشاكل مع جيرانها"، بحسب الكاتب كوري شاك في مقال له في موقع وكالة بلومبرغ.

يقول الكاتب في تحليله للتغير في السياسية الخارجية التركية على مدى 10 سنوات إن علاقة أنقرة بإسرائيل تضررت بسبب قضية "أسطول الحرية" وأغضبت تركيا مصر بانتقاداتها العنيفة "للانقلاب العسكري ودعمها الإخوان المسلمين".

وأفسدت تركيا علاقتها مع سوريا بمساعدة المناهضين للأسد، ومؤخرا غزت الشمال الشرقي للبلاد لإعادة اللاجئين قسرا، واستعدت السعودية والإمارات بالوقوف إلى جانب قطر ضد الحظر المفروض عليها. مع كل هؤلاء الخصوم أصبحت تركيا تقريبا بلا أصدقاء.

وقال التقرير إن أنقرة الآن تقدم الدعم العسكري لحكومة الوفاق الليبية بينما تدعم الإمارات ومصر وروسيا المشير خليفة حفتر، وبعد فشل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، توعد إردوغان حفتر بتلقينه درسا.

الكاتب في تحليله لهذا التحول في السياسة الخارجية قال إنه خلال 10 سنوات، "انحدرت تركيا من ديمقراطية إسلامية نابضة بالحياة إلى دولة استبدادية قمعية".

ورأى أن السبب في علاقاتها العدائية مع جيرانها أن أردوغان سعى بنشاط إلى النهوض بقضية الإسلام السياسي محليا ودوليا، وهذا ما جعله يقف إلى جانب قطر ويقف ضد معظم الدول العربية الأخرى، خاصة السعودية ومصر والإمارات.

وقال الكاتب إن الأسلمة في تركيا تقدمت خلال هذه المدة، ورغم أن الجيش التركي كان ينظر إليه باعتباره قوة علمانية، تراجعت قبضته على الدولة، وعاد الدين إلى السياسة بشكل أساسي مع صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتزعمه أردوغان.

وقال الكاتب إنه يمكن اعتبار محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 "بمثابة محاولة انتهازية من جانب بعض العناصر في الجيش للاستفادة من عدم الرضا المتزايد بين الأتراك بشأن تداول أردوغان للسلطة، وباعتبارها كانت تعبيرا عن منافسة مستمرة وعميقة بين الإسلاميين والقوى السياسية الأخرى".

وقال الكاتب إنه اتضح "مدى هشاشة" سيطرة أردوغان على السلطة بعد انتخاب رؤساء بلديات ينتمون لأحزاب المعارضة العام الماضي في إسطنبول وغيرها من المدن الكبرى، وانفصال حلفائه القدامى عنه بمن فيهم وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو.

وذكر الكاتب أن الخلاف مع مصر "يحمل مفاتيح فهم تدخل تركيا في ليبيا، فبعد الربيع العربي عام 2011، دعم أردوغان صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وساعد حكومة محمد مرسي، وعندما تمت إطاحة مرسي في عام 2013، وصف أردوغان هذه الأحداث بأنها "إرهاب الدولة".

ويبدو أنه يرى الأحداث في ليبيا بمثابة تكرار لما حدث مع مرسي في مصر: "قائد عسكري يهدد بإسقاط حكومة تفضي إلى رؤية تركيا العالمية".

وذكر الكاتب أن تركيا لديها صلات عميقة قديمة مع ليبيا، وهناك 18 مليار دولار من العقود التجارية التركية قيد التنفيذ في ليبيا، ويتقاسم البلدان منطقة اقتصادية خالصة، وتضم حكومة الوفاق الوطني إسلاميين وحلفاء طبيعيين لأردوغان وحزب العدالة والتنمية.