أسبوع حاسم لملف عزل ترامب وانقسام الكونغرس يراوح مكانه

تستعد الولايات المتحدة للدخول هذا الأسبوع في جدل صاخب حول عملية قانونية معقدة لمحاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومحاولة عزله من منصبه. والمسألة تختلط داخلها الأجندات السياسية وتلك القضائية القانونية المرتبطة بالعمل التشريعي للكونغرس في واشنطن.
 
والسجال في هذه القضية لا يدور بين السلطة التشريعية والبيت الأبيض، بل يشكل مجابهة واسعة مفتوحة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. يعتبر الجمهوريون ملف الاتهام مزيفا ووهميا وله مآرب سياسية، فيما يقول الديمقراطيون إن الملف محشو بالأدلة والقرائن التي ستسقط ترامب وتقطع ولايته وتبدد أحلامه في العبور إلى ولاية أخرى في انتخابات 2020.
 
ويعتقد الديمقراطيون أن ما يملكونه من معلومات، تخص التحقيق في طلب ترامب من أوكرانيا التحقيق بشأن جو بايدن النائب السابق للرئيس والمرشح البارز على بطاقة ترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة لعام 2020، يشكل أساسا متينا لخلع الرئيس الأميركي من منصبه.
 
ويعتبر جيري نادلر، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي والمكلف بصياغة لائحة الاتهامات ضد ترامب، أن الملف الذي سيقدمه الديمقراطيون متين وصلب، وأن ترامب أساء استخدام سلطاته، وأن هيئة من محلفين ستعتبره مذنبا خلال دقائق.
 
في هذا الصدد، وبسبب ما يمتلكونه من أغلبية داخل مجلس النواب، استطاع الديمقراطيون بسهولة فتح تحقيق أواخر سبتمبر الماضي بهدف الذهاب إلى خلع الرئيس الأميركي من منصبه. وكان الحزب الديمقراطي قد تلقى معلومات عن قيام ترامب بالطلب من أوكرانيا إجراء تحقيقات حول أنشطة جو بايدن، المرشح الأبرز للديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
 
ووفقا لنادلر، فإن “الاتهام الأبرز داخل ملف الاتهام هو أن الرئيس وضع مصالحه فوق مصالح البلاد في عدة مناسبات، وأنه طلب تدخل قوة أجنبية في انتخاباتنا عدة مرات”. وحذر من أن هذا الأمر يشكل “خطرا حقيقيا على الانتخابات الرئاسية” في نوفمبر 2020، والتي يأمل ترامب خلالها في الحصول على فترة ولاية ثانية.
 
ويسعى الرئيس الأميركي إلى التقليل من شأن هذه التحقيقات والإيحاء بأنها ستفشل كما فشلت كافة التحقيقات التي طالت أداءه منذ دخوله إلى البيت الأبيض. ويتحرك ترامب آخذا بعين الاعتبار أنه داخل حملة انتخابية وأن المواقف الصادرة ضده وتلك الصادرة عنه تؤثر مباشرة على حظوظه في الفوز برهانه الرئاسي المقبل.
 
ويؤكد دونالد ترامب ويكرر براءته من تلك التهم ويدين التحقيق الذي يعتبره غير دستوري ولا يعدو كونه ملهاة يمارسها الحزب الديمقراطي ضده، وبناء عليه فهو يرفض أي تعاون مع هذا التحقيق.
 
بالمقابل، فإن الأمر بات جديا ينتقل من مرحلة السياسة إلى مرحلة الإجراءات القضائية، ذلك أنه بعد شهرين من هذه التحقيقات في مجلس النواب و15 جلسة استماع، فإن اللجنة القضائية للمجلس تنظر هذا الأسبوع في التهم الموجهة إلى الرئيس.
 
بدأت العملية القانونية الاثنين من خلال الاستماع إلى ممثلين قانونيين للحزبين، الجمهوري والديمقراطي. والأمر يشبه جلسات المحاكمة بحيث قدم محامو الطرفين روايتهم القانونية للحدث.
 
وكما حال المحاكمات فإن استنتاجات المحامين متناقضة ومتعارضة في تفسير الفعل الذي على أساسه يبني الديمقراطيون لائحة اتهاماتهم، والذي يبرر الذهاب إلى عملية خلع الرئيس الأميركي من منصبه، وهو إجراء نادر في تاريخ الولايات المتحدة.
 
ولا يبدو أن ترامب يستسلم لسجال المحامين والحجج التي سيقدمها محامو الحزب الجمهوري. فهو يعتبر أن هذه الجلسات وهمية. ومع ذلك فإن الجلسات ستمثل خطوة إضافية للديمقراطيين لتوجيه اتهامات لترامب بإساءة استخدام السلطة والفساد وإعاقة سير الكونغرس بسلاسة وإعاقة العدالة.
 
ويعتبر خبراء في القانون الدستوري الأميركي أن الدخول في هذه المرحلة يسرّع إجراء تصويت عام في مجلس النواب على عزل الرئيس. ويرجّح هؤلاء أن يتم ذلك قبل عيد الميلاد. ويضيف هؤلاء أنه قبل ذلك، سيكون من الضروري تمرير تصويت رئيسي في اللجنة القضائية بشأن هذه التهم نفسها، والتي يمكن تنظيمها في نهاية الأسبوع.
 
وبالنظر إلى الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، سيصبح دونالد ترامب الرئيس الثالث في تاريخ الولايات المتحدة الذي يتعرض لهذا الإجراء. فقد سبق أن وجهت اتهامات ضد أندرو جونسون وبيل كلينتون من قبل الكونغرس الأميركي. فيما اضطر ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة قبل أن يتم التصويت بشأنه في جلسة عامة في الكونغرس.
 
ويتوقع المراقبون أن تصطدم عملية الخلع بمقاومة داخل مجلس الشيوخ حيث الأغلبية للحزب الجمهوري. ويتوقعون أيضا أن تتم تبرئة ترامب سياسيا ضد اتهامات يعتبرها ترامب وحزبه سياسية. فالجمهوريون يعتبرون أن الديمقراطيين يقومون بتصفية حساب ضد المرشح الجمهوري القوي في سياق المعركة الرئاسية المقبلة. والمشكلة أن الحزب الجمهوري لا يمتلك مرشحا بديلا عن ترامب ولم يضع في الحسبان إمكانية أن يفقد مرشحه الوحيد من خلال عملية خلع يشنها الحزب الخصم.
 
ويبدو أن الجمهوريين يراقبون هجوم الديمقراطيين المتسارع ويستعدون لالتقاط الكرة في مجلس الشيوخ قبل أن تصل إلى هدفها، غير أن دونالد ترامب يريد أكثر من ذلك، ويود أن يرد الجمهوريون الصاع صاعين باستدعاء خصمه الديمقراطي البارز جو بايدن وابنه هنتر.
 
وتكمن التهمة التي يلوح بها ترامب لبايدن في واقعة أنه كان تم تعيين نجل بايدن في مجلس إدارة مجموعة غاز أوكرانية كبيرة عندما كان والده نائب الرئيس السابق باراك أوباما. ويقول مراقبون إن هذا الاتهام سياسي ولا يرتكز على أي أدلة تقود إلى اتهام بايدن بالفساد.
 
وفيما لوح ترامب بأن لديه شهودا باستطاعتهم إثبات الأمر وإسقاط بايدن وتبديد أحلامه الرئاسية، فإن السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الحليف المؤثر للرئيس، قد حذر الأحد من التورط في عملية من هذا النوع، ناصحا بعدم استدعاء هؤلاء الشهود وعدم اللجوء لمثل هذا الإجراء والانتهاء سريعا من سجال يعتبر أنه بات “يمزق البلد”.
 
ويرى محللون أن الديمقراطيين جديون في الذهاب إلى الحدود القصوى في عملية خلع ترامب. ويضيف هؤلاء أنه في حال وقف مجلس الشيوخ سدا منيعا أمم خطط الحزب الديمقراطي، فإن هذا الأخير سيستفيد مما ستكشفه هذه العملية ضد ترامب على نحو يشوه سمعته وصورته أمام الأميركيين على أمل في عرقلة حظوظه في البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات إضافية.