في ذكرى انتفاضة (2 ديسمبر)

"أدعو كل جماهير شعبنا العظيم في كل المحافظات، في كل المديريات، في كل العزل، في كل الأحياء، في كل مكان.. إلى أن يهبوا هبة رجل واحد للدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والحرية من قبل هذه العناصر التي قامت بهذا العمل غير المسؤول منذ ثلاث سنوات وهي تعبث بمقدرات الشعب، وتنهب المؤسسات، وتقتحم المصالح الحكومية والوزارات لا لشيء إلا للانتقام من الثورة والجمهورية.. من النظام الجمهوري.. ممن فجروا ثورة سبتمبر، وممن حققوا وحدة اليمن ودافعوا عنها، انتقاماً من الثوار وثورة سبتمبر.. يا جماهير شعبنا، انتفضوا لثورتكم، وانتفضوا لوحدتكم، من المهرة حتى ميدي، ومن باب المندب حتى صعدة.. حافظوا على أمنكم وعلى استقراركم"..
الزعيم علي عبدالله صالح

دعوة حميرية جريئة، لم تكن في حسابات السياسيين، أو ضمن احتمالات المحللين والمراقبين المحليين والدوليين، أن تنطلق شرارتها من قلب العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية، إلا أن كل محال وارد في حسابات الحميري المعتّق بالحرية والوطنية، الرئيس اليمني السابق الشهيد علي عبدالله صالح –رحمه الله– فكان له شرف قيادتها وإعلانها صباح الـ2 من ديسمبر 2017م.

دعوة أشبه بتعويذة أصابت جان ومردة المليشيا الحوثية بالتيه والاضطراب.. كيف لا وقد أفقدتهم السيطرة على محافظات "صنعاء – المحويت - وإب"... وغيرها، في غضون ساعات، تزامن ذلك مع سقوط مدوٍ لعشرات المديريات، ما أصاب مليشيات الحوثي الإجرامية بالجنون، وأصبحت تتصرف بهستيريا بقتل وسحل العشرات، واعتقال المئات، ومطاردة كل من بارك أو غرد أو هتف... الخ، بعملية قمعية لم يشهدها اليمن إلا في حقبة حكم بيت حميد الدين.. بينما دفعت بثقلها العسكري المدججة به إلى صنعاء نحو منزل قائد الانتفاضة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، وقصفه بطريقة هستيرية بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة على مدار يومين، حتى استشهاده في الـ (4) من ديسمبر 2017م.

شجاعة ووطنية

يقول ناجي بابكر –عضو المكتب السياسي بحزب الشعب الديمقراطي "حشد"- إن "دعوة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح إلى انتفاضة شعبية في مثل ذلك التوقيت، حملت دلالات عدة، جسدت في أبرزها "شجاعة الرجل – وطنيته"، وهما الصفتان اللتان إذا اجتمعتا في إنسان ضمنتا له حب الملايين، بالإضافة إلى ما حباه الله من كارزما".

وأكد، أنه بالرغم من تمادي مليشيا الحوثي في العبث على مدار ثلاث سنوات بمقدرات البلاد وثرواته، ونكثها بالاتفاقات حين قامت باقتحام المؤسسات الحكومية والوزارات التي كان يديرها أعضاء ينتمون لحزب المؤتمر، نجح الزعيم "صالح" بامتصاص غضب قيادات وأعضاء حزبه، وكسب ولاء مئات الآلاف من غير المؤتمريين، واتسعت أرضية قاعدته، وهذا كان له دور كبير في كشف الوجه الآخر للمليشيا، وهو الوجه الإمامي الكهنوتي الذي أصبحنا نشاهده اليوم في ظل تفردهم بالسلطة وعدم قبولهم بالآخر وتخوينهم له على أبسط وأتفه الأمور.

وقال "لذلك يتوجب على الجميع إحياء انتفاضة الثاني من ديسمبر، فهي لا تقل شأناً عن مقاومة المليشيا الحوثية، حيث نجحت في تحقيق تحرك عسكري وشعبي واسع في مناطق سيطرتها".

الزعيم والأمين

استخدمت مليشيا الحوثي، ظروف المرحلة -آنذاك– غطاءً لانتهاكاتها وتفردها بالسلطة والمال، فيما فرضت على موظفي الدولة الصبر على عجاف قراراتهم أو اتهامهم بالتخوين والتخابر عند اعتراض قرارات تعييناتهم السلالية، ولذلك استطاعت أن تقوم بإعادة هيكلة للدولة بوقت قياسي.

في مجتمع قبلي كاليمن، ليس سهلاً إقناع الآخرين بما تفكر به، أو تحاول أن تقدمه، ولا بد من الاستناد إلى شواهد، واختيار "الوقت" و"المكان" المناسبين، لذلك كان لا بد من وجود فترة زمنية تضمن طفح عيوب المليشيا أكثر بهدف إقناع الكثيرين، بحيث لا تصل المرحلة إلى تعاطي البشر مع الظلم كعادة بدلاً من كونه انتهاكاً، ضماناً لنجاح الدعوات التحررية، فكانت ثلاث سنوات يتسيد زعامتها حزب المؤتمر في كشف ومواجهة الصلف الحوثي، كافية بفضح جميع النوايا والانتهاكات، بالإضافة إلى رفض الزعيم الشهيد الدعوة إلى انتفاضة شعبية أمام أكبر حشد جماهيري شعبي وسياسي شهده تاريخ اليمن الحديث، واحتضنه ميدان السبعين والشوارع المؤدية إليه بأمانة العاصمة صنعاء، في الذكرى الـ37 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام التي صادفت الـ 24 من أغسطس 2017م، حتى لا تجير الدعوة إلى حرب بين تيارين سياسيين، أكثر من كونها انتفاضة شعبية خالصة، حسب قراءة سياسيين ومراقبين.

متابعون اعبروا تفويت إعلان الدعوة إلى انتفاضة عن ذلك اليوم التاريخي للحزب، هو بمثابة دعوة صادقة للحوثيين بالعودة إلى جادة الصواب، ولكنه الأمر الذي لا يكون غالباً في حسابات الجماعات الإرهابية والمارقة، ورجال العصابات والتمرد لا يمكن لهم أن يكونوا ذات يوم رجال دولة.

يمكن اختصار القول بأن هذه الانتفاضة جاءت تتويجاً لمعركة طويلة خاضها حزب المؤتمر الشعبي العام طيلة السنوات الثلاث، واستطاع أن يتقاسم شرف قيادتها، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، والأمين العام المساعد للحزب، الشيخ الشهيد عارف الزوكا.

تأسيس "حراس الجمهورية" امتداد لانتفاضة 2 ديسمبر

الطيش، البطش، الإقصاء، التهميش، النهب، الاصطفاء، التعالي، وغيرها من الانتهاكات الحوثية، وضعت نُصب أعين أهداف انتفاضة 2 ديسمبر، وامتداداً لها جاء تأسيس ألوية "حراس الجمهورية" بقيادة العميد الركن طارق محمد عبدالله صالح، وحققت نجاحاً كبيراً في الساحل الغربي لليمن، حسب تصريح للعميد طارق صالح في حوار مع "اندبندنت عربية".

استمرت الكثير من الحركات الشعبية والتحركات في مختلف المناطق والقرى اليمنية، مستمدة قوتها من روح أهداف انتفاضة 2 ديسمبر، التي آمنت بقداسة قضية الشعب اليمني. وخرجت عشرات المسيرات الشعبية في صنعاء وإب وغيرهما، للمطالبة بحقوقهم وحرياتهم، دونما خوف من قمع الكهنوت، مؤمنة بأن عناق قيود الطغاة والكهنوت لسيقان ومعاصم الثوار أمرٌ وارد قبوله في احتمالات الثوار والأحرار، حتى ينتزع أصحاب الحقوق حقوقهم، وهو الأمر الذي يجب أن يؤمن به الجميع دونما خوف من بطش الكهنوت.. وكما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدرْ
ولا بدّ للموت أن ينجلي
ولا بدّ للقيد أن ينكسرْ
ومن لم يعانقه شوقُ الحياة
تبخَّر في جوّها واندثرْ
فويل لمن لم تشقه الحياة
من صفعة العدم المنتصرْ
كذلك قالت لي الكائنات
وحدثني روحها المستترْ
ودمدمت الرِّيحُ بين الفِجاج
وفوق الجبال وتحت الشجرْ
إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ
ركبتُ المنى ونسيت الحذرْ
ولم أتجنَّب وعورَ الشعاب
ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفرْ