خوف من القادم.. لماذا تمنع إيران مواطنيها من زيارة العراق؟

تحرص إيران على تسهيل عبور الملايين من مواطنيها إلى العراق ضمن زيارات دينية للعتبات والمراقد والمزارات، خاصة في مدينة كربلاء ذات القدسية الدينية عند الشيعة.

لكن السلطات الإيرانية منعت هذه الإيام مواطنيها من دخول العراق، لـ"دواع أمنية" حسب تصريحات مسؤولين قالوا إن الظروف الأمنية في العراق غير مواتية، ولا تسمح بتسيير هذه الرحلات.

لكن مراقبين يعتقدون أن النظام الإيراني اتخذ هذا الإجراء خوفا القادم، والمتمثل في عمليات انتقام قد يتعرض لها إيرانيون، كرد فعل على عمليات القمع التي تنفذها مليشيات ممولة من طهران ضد المتظاهرين الغاضبين في بغداد والجنوب.

وتشهد العاصمة العراقية بغداد والمحافظات الجنوبية احتجاجات منذ الأول من أكتوبر ضد النخبة الحاكمة، والنفوذ الإيراني المتنامي في البلاد، قتل فيها أكثر من 250 شخصا وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين.

ووصلت الهتافات المنددة بالتدخل الإيراني في الشؤون العراقية إلى الأماكن الشيعية المقدسة خاصة في كربلاء، وهي نفس المدينة التي زارها ثلاثة ملايين ونصف زائر أجنبي على الأقل غالبيتهم العظمى من الإيرانيين خلال الأيام الماضية لإحياء ذكرى الأربعينية، رغم التوترات التي أعقبت الاحتجاجات الدامية.

لكن يبدو أن استخدام إيران مليشياتها في قمع المتظاهرين العراقيين والتسبب في قتل العشرات جعل المسؤولين العراقيين يغيرون سياستهم في التعامل مع الحدود والزيارات بين البلدين.

فقد أغلقت المنافذ الحدودية الإيرانية مع العراق، منها منفذ مهران الحدودي والذي يربط محافظة إيلام مع محافظة واسط العراقية.

وقال مسؤول عراقي نقلت وسائل إعلام محلية تصريحاته إن إغلاق الحدود يشمل منع المسافرين، والشاحنات والحافلات.

المتظاهرون العراقيون طالبوا بطرد إيران وأتباعها من العراق. وتخشى طهران من أن ينتقم غاضبون عراقيون من مواطنيها في العتبات والمزارات أو في الاسواق العراقية.

ويتهم العراقيون الغاضبون إيران بمحاولة وأد المظاهرات من خلال ميليشياتها المسلحة داخل العراق.

وكان معهد "واشنطن" لدراسات الشرق الأدنى أورد معلومات تشير إلى مجموعة من الميليشيات العراقية وقادة الأمن العراقيين وضباط في الحرس الثوري الإيراني شكلوا خلية أزمة في بغداد في الثالث من أكتوبر الماضي مهمتها قمع التظاهرات.

وشارك في الخلية، وفقا للمعهد، قاسم سليماني، ومستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، ومدير مكتب رئيس الوزراء العراقي أبو جهاد الهاشمي، ومجموعة من أبرز قادة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

وأكد تقرير لأسوشيتد برس، نشر الأربعاء، أنه بعد يوم على اندلاع الاحتجاجات الأولى المناهضة للحكومة مطلع الشهر الجاري ، توجه الجنرال الإيراني قاسم سليماني جوا إلى بغداد في وقت متأخر من الليل، واستقل طائرة هليكوبتر إلى المنطقة الخضراء شديدة التحصين، حيث فاجأ مجموعة من كبار مسؤولي الأمن بترأسه اجتماعا ليحل محل رئيس الوزراء.

وبعد ساعات من تسريبات قرار السلطات الإيرانية بوقف الزيارات الدينية للإيرانيين إلى العراق، اندلعت مظاهرة جديدة ضد الفساد في العراق والطبقة الحاكمة، لكنها وصلت هذه المرة إلى محاصرة القنصلية الإيرانية في كربلاء ومطالبة موظفيها بمغادرة الأراضي العراقية.

وهتف المتظاهرون "إيران برة برة، كربلاء تبقى حرة"، ورفع بعضهم العلم العراقي على أسوار القنصلية، ورشقها البعض بالحجارة.

وقال مصدر أمني لوكالة أنباء فارس الإيرانية إن جميع الموظفين الإيرانيين في العراق قد عادوا إلى إيران.

ومنذ يومين، أطلق عراقيون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة البضائع الإيرانية تحت هاشتاغ #خليها_تخيس، بالتزامن مع تصاعد حدة الغضب الشعبي تجاه الدور الذي تلعبه إيران في العراق والحديث عن مشاركتها في قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية.

وفي الرابع من أكتوبر الماضي بعد اندلاع المظاهرات في الأول من الشهر نفسه، دعت إيران الجمعة مواطنيها العازمين على زيارة العراق بمناسبة أربعينية الإمام الحسين، إلى تأجيل سفرهم بسبب التظاهرات المطلبية التي أسفرت عن عشرات القتلى في ذلك الحين.

خوف من انتقال التظاهرات إلى طهران

يقول مغردون إن النظام الإيراني بات يخشى على نفسه من انتقال عدوى التظاهرات من بغداد إلى طهران، حيث يتابع الشعب الإيراني التظاهرات في الدولة الجارة.

وكان الإيرانيون خرجوا منذ مطلع العام في تظاهرات حاشدة ضد فساد النظام الإيراني والتدخل في شؤون الدول المجاورة، حيث استنكر المتظاهرون الإيرانيون ضياع مقدرات الشعب على فساد المسؤولين وتمويل المليشيات التي تنشط في دول مجاورة مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن.

لكن السلطات الإيرانية قمعت التظاهرات وتعاملت معها بقسوة حيث اعتقلت آلاف المشاركين فيها وشددت من قبضتها الأمنية على مرافق البلاد.

عقاب للعراقيين

يرى آخرون أن إيران ربما تحاول معاقبة العراقيين الذين انتفضوا في وجه نظامها، عبر حرمان المدن العراقية من دخل اقتصادي تعتمد عليه الأسواق المحلية أثناء الزيارات التي يقوم أعداد كبيرة من الإيرانيين سنويا.

وتشارك أعداد كبيرة من الإيرانيين سنويا في إحياء الذكرى الأربعين لوفاة الإمام الحسين في كربلاء، على بعد 110 كيلومترات إلى الجنوب من بغداد، وصادفت الذكرى هذه السنة 17 أكتوبر الماضي.

وفي عام 2018، شارك حوالي 1.8 مليون إيراني في زيارة الأربعين، وفقا للأرقام الرسمية.

وخلال تلك الزيارات يجوب الزوار الإيرانيون المدن العراقية ويقصدون الأماكن السياحية والأسواق، ما يشكل مصدرا هاما للدخل عند العراقيين.

وقال مصدر أمني إيراني مطلع، الأحد، في تصريح لوكالة أنباء فارس، إن "ضمان أمن الزوار هو أولويتنا، ومن هذا المنطلق وبعد أيام زيارة الأربعين ونظرا إلى الظروف المستجدة والوضع في العراق، لم يكن لدينا إيفاد إلى العتبات المقدسة، وإن جميع الموظفين الإيرانيين في العراق قد عادوا إلى البلاد".

وأغلقت سابقا إيران معبر خسروي الحدودي مع العراق بطلب من السلطات العراقية مع ارتفاع حدة التظاهرات في البلاد، لكنها أعادت فتحه أمام زوار العتبات المقدسة قبل الذكرى الدينية مباشرة.