تونس: الكتل البرلمانية الكبرى تنأى بنفسها عن حكومة النهضة

حسم حزب “تحيا تونس” الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد موقفه من التحالفات القادمة وأعلن أنه سيختار المعارضة ليبدد بذلك رهانات حركة النهضة عليه كحليف مستقبلي يمكن أن يساعد في تكوين تحالف برلماني بالعدد الضروري لتمرير أي تشكيل حكومي (109 نواب).
 
وانضم الشاهد بهذه الخطوة إلى قائمة طويلة من الشخصيات والأحزاب التي أعلنت أنها لن تتحالف مع حركة النهضة مثل نبيل القروي الذي تم إطلاق سراحه، الأربعاء، بعد إيقاف دام قرابة الشهرين ووصف بأنه جزء من تصفية حساب سياسي. كما تضم القائمة التيار الديمقراطي (وسط يسار)، والحر الدستوري لعبير موسي، وحركة الشعب (تيار ناصري) وإن كان موقف الجهة الأخيرة لا يزال يلفه الغموض في ظل اتصالات ومشاورات من وراء الستار مع النهضة.
 
وأعلن قياديون في حزب “تحيا تونس” أن الحزب سيكون في المعارضة وأنه غير معني بالمشاركة في المشاورات الحكومية القادمة، وهو ما أكده مصطفى بن أحمد رئيس كتلة الحزب في البرلمان المنتهية ولايته، وكذلك محمد الصافي الجلالي عضو المجلس الوطني للحزب.
 
وانعقد المجلس الوطني الذي هو أعلى سلطة في الحزب، مساء الخميس، وقرر عدم المشاركة في الحكومة المقبلة.
 
وكشف الجلالي في تصريحات لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية أن المجلس دعا الأطراف الفائزة في الانتخابات التشريعية إلى الإسراع بتشكيل الحكومة، مشددا على أن حزب تحيا تونس لا تسمح له كتلته سوى بلعب دور المعارضة.
 
وقال “نحن الحزب السابع في البرلمان القادم وموقعنا الطبيعي هو المعارضة”، كاشفا عن أن رئيس الحزب يوسف الشاهد أعرب خلال حضوره المجلس الوطني عن استعداده لتسليم العهدة لأي حكومة مقبلة وفي أسرع وقت.
 
وتمكن حزب تحيا تونس، الذي يضم منشقين عن نداء تونس وكفاءات إدارية عليا، من الحصول على 14 مقعدا بالبرلمان الجديد.
 
وبهذا الاختيار يكون الشاهد قد قطع الطريق فعليا على تشكيل حكومة ترأسها النهضة، التي كانت تراهن عليه كشريك رئيسي لإقناع دوائر نفوذ محلية ودولية بأنها ستستمر على خطى الحكومات السابقة في العلاقة مع الصناديق المالية الدولية والالتزام بالإصلاحات المؤلمة لإعادة إنعاش الاقتصاد.
 
وسعى الشاهد خلال ثلاث سنوات من رئاسته للحكومة، أن يظهر اختلافه مع النهضة في ملفات عدة، وأن التحالف الحكومي الظرفي لا يعني تحالفا استراتيجيا. وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة رفض الشاهد أن يكون مرشح حركة النهضة ما دفع بها إلى اختيار عبدالفتاح مورو كمرشح من داخلها.
 
ويقول متابعون للشأن التونسي إن حزب الشاهد بات مقتنعا بأن تواضع نتائجه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يعود في جانب كبير إلى تحالفه مع النهضة في الحكومة السابقة، وهو ما وسع الهوة بينه وبين الناخبين ذوي التوجه الليبرالي الوسطي.
 
وجاء موقف الشاهد بعد ساعات قليلة من إعلان نبيل القروي، رئيس حزب تونس، أنه لن يتحالف مع النهضة في خطوة قال مراقبون إنها تعكس مخاوف جدية من تفتت حزبه إذا غامر بتوافق جديد مع الإسلاميين، فضلا عن اتهام النهضة كشريك حكومي مع الشاهد بالمسؤولية عن الزج به في السجن وتفويت الفرصة عليه للمشاركة بفاعلية في الحملة الانتخابية التشريعية ما مكنها من الفوز بالمرتبة الأولى.
 
وأكد القروي، المرشح الرئاسي للدور الثاني، مساء الخميس، أنه لن يكون في حكومة مع حركة النهضة. جاء ذلك في مقابلة مع قناة الحوار التونسي الخاصة.
 
وقال المرشح الرئاسي “كل من دخل معهم ( النهضة) دمروه وتجاوزوا للذي بعده”، مضيفا “برنامجنا ليس برنامج حركة النهضة، والسؤال، بعد 8 سنوات من حكمها ماذا تحسن (في البلاد)؟”.
 
وأكد القروي أن حزبه سيكون في المعارضة لأنه يرفض أن يكون “كبش فداء للنهضة”.
 
وشدّد على أن “قلب تونس مستعد للتحالف مع الجميع إلا مع الإسلام السياسي مثل النهضة وما حولها مثل ائتلاف الكرامة”.
 
وأشار إلى أن “التحالف ممكن مع حزب التيار الديمقراطي وكل الكتل الأخرى”.
 
ووفق نتائج أولية رسمية أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الأربعاء، جاء حزب قلب تونس ثانيا في الانتخابات التشريعية التي جرت، الأحد الماضي، بمجموع 38 نائبا.
 
وحذّر القروي مما أسماه بـ”تغوّل” حركة النهضة مؤكدا “أن رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ستؤول لها وإن فاز قيس سعيد ستفوز برئاسة الجمهورية، لاسيما أن الأخير أحد أذرعها”.
 
ويعتقد المتابعون أن موقف الشاهد والقروي، يضاف إلى موقف عبير موسي الحاسم من البداية بعدم التعامل مع النهضة، سيجعل فرص تشكيل الحكومة على الحزب الأول صعبة خاصة بعد تصريحات متعددة لقيادات في التيار الديمقراطي (صاحب المرتبة الثالثة بـ22 صوتا)، وهو ما يعني أن الحركة قد تضطر إلى التنازل عن أولويتها في تشكيل الحكومة ومنح الفرصة لصاحب الحزب الثاني، وهو أمر قانوني.
 
وكان رئيس التيار الديمقراطي محمد عبو قد قدم شروطا وصفت بالتعجيزية للتحالف مع النهضة في حكومتها الجديدة، وبينها الحصول على وزارات حيوية كالداخلية والعدل والإصلاح الإداري، فضلا عن رئيس حكومة مستقل، وهو ما يعني تحييد النهضة عن الحكم، ودفعها للحصول على أدوار ثانوية مقابل تحميلها مسؤوليات الفشل الحكومي.