شباب العراق ينفجر غضباً في وجه عتاولة الفساد

تجددت الاحتجاجات في العاصمة العراقية بغداد وبعض المدن في جنوب البلاد، رغم الاستنفار الأمني الكثيف للقوات الأمنية، وقطع جزئي لخدمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وإغلاق بعض الطرق العامة، فيما قتل 11 شخصا على الأقل وأصيب مئات آخرون.

أفادت مصادر صحفية بأن 11 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب عشرات آخرون منذ اندلاع التظاهرات في بغداد وعدد من المحافظات الثلاثاء.

وذكرت المصادر أن 6 أشخاص قتلوا في بغداد، بينهم طفلة ووالدتها توفيتا بعد احتراق السيارة التي كانت تقلهما في منطقة الزعفرانية شرقي العاصمة.

وأضافت إن 4 أشخاص آخرين على الأقل قتلوا في محافظة ذي قار، فيما شهدت محافظة ميسان مقتل شخص واحد على الأقل.

وأسفرت التظاهرات أيضا عن إصابة أكثر من 200 شخص معظمهم إصاباتهم طفيفة.

ودخل الجيش على خط الأزمة، معززا انتشاره في مناطق عديدة من بغداد، معلنا حالة الإنذار القصوى "ج" في مواجهة الاحتجاجات بعد عجز القوات الحكومية عن السيطرة ووقف تقدم المحتجين.

وحث النائب أحمد الجبوري عن الموصل الرئيس العراقي برهم صالح على الدعوة إلى جلسة طارئة في البرلمان لمناقشة الأوضاع، مطالبا بإقالة حكومة عادل عبدالمهدي.

نساء تساند الشباب

وتقدمت العشرات من النساء المتظاهرين، في محاولة منهم للحفاظ على سلمية التظاهرة لاسيما، في ساحتي الأندلس والخلاني، فيما اتسعت التظاهرات لتشمل أحياء الأعظمية وشارع القناة وجسر ديالى والنعيرية والزعفرانية.

ولم يمنع استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، من خروج تظاهرة كبيرة غداة سقوط خمسة قتلى والعشرات من الجرحى.

وتجمعت العشرات من النساء في محافظة النجف في تظاهرة تلقائية مساندة للمحتجين في بغداد، فيما ذكرت مصادر أن المظاهرات انطلقت في محافظات الناصرية والسماوة وديالى وواسط والحلة وكركوك والديوانية وبابل في ظل انتشار غير مسبوق للقوات العراقية.

وفي البصرة كبرى المدن الجنوبية، رفع متظاهرون دعوات إلى إسقاط النظام.

ورافق هذه المظاهرات إحراق الإطارات وتصاعد سحب سوداء في سماء هذه المناطق والمدن، ما دفع الحكومة المركزية إلى مطالبة المحافظين بالامتناع عن منح التراخيص للتظاهرات، وذلك بعد اجتماع عقده مجلس الأمن الوطني بحضور رئيس الوزراء.

وأكد المجلس في بيان له ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وتسخير الجهود الحكومية لتلبية المتطلبات المشروعة للمتظاهرين .

لماذا خرجت التظاهرات؟

ولليوم الثاني على التوالي، تستمر الاحتجاجات الغاضبة في العراق، ضد فساد الطبقة السياسية، والبطالة، وسوء الإدارة، ونقص الخدمات، لكنها جوبهت بعنف حكومي غير مسبوق، أوقع قتلى ومصابين في صفوف المتظاهرين.

ولأول مرة، توصف حركة احتجاج في العراق بأنها بلا آباء سياسيين، ما منحها زخما كبيرا، ترجم إلى خشية شديدة في أوساط الطبقة السياسية والمسؤولين.

وتنوعت الشعارات التي رفعها المتظاهرون بين المطالبة بإسقاط النظام السياسي الحاكم كله، وعزل رئيس الوزراء المتهم بقتل المتظاهرين، فضلا عن الاحتجاج على شيوع البطالة في أوساط حملة الشهادات، والفساد المتفشي في المؤسسات الحكومية.

وهذه التظاهرات غير مسبوقة، إذا إنها لم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني كما تجري العادة في بغداد، بل جمعت الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة.

والتظاهرات هي الأولى منذ استلام حكومة عادل عبد المهدي السلطة قبل عام تقريبا، حيث يطالب المتظاهرون بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة، وصولا إلى رفض تنحية قائد عسكري شعبي.

وأثار قرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الأسبوع الماضي استبعاد قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي، الذي اضطلع بدور كبير في المعارك ضد تنظيم داعش، غضبا في البلاد وسط تساؤلات عن أسباب القرار.

ويبدو أن المتظاهرين عازمون على الاستمرار في تحركهم. ففي الزعفرانية، قال عبدالله وليد (27 عاما) لفرانس برس إنه خرج للتظاهر الأربعاء "لدعم إخواننا في ساحة التحرير" التي ضربت القوات الأمنية طوقا أمنيا حولها.

وأضاف في شارع تتمركز فيه مدرعات قوات مكافحة الشغب "نطالب بفرص عمل وتعيين الخريجين وتحسين الخدمات، مضت علينا سنوات نطالب، ولا جواب من الحكومة".

أما في حي الشعب، ووسط سحب الدخان الناتج عن حرق الإطارات، قال محمد الجبوري الذي يعمل كاسبا رغم أنه يحمل شهادة في الهندسة "نطالب بكل شيء، نطالب بوطن، نشعر بأننا غرباء في بلدنا، لا دولة تتعدى على شعبها كما فعلت هذه الحكومة. نحن نتعامل بسلمية ولكنهم أطلقوا النار".

ويعاني العراق، الذي أنهكته الحروب، من انقطاع مزمن للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات، ويحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

وبحسب تقارير رسمية، فمنذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.

الأمم المتحدة تدعو لضبط النفس

دعت الأمم المتحدة، الأربعاء، السلطات العراقية إلى "ضبط النفس"، معربة عن أسفها لسقوط ضحايا في التظاهرات التي تشهدها العاصمة بغداد ومحافظات أخرى.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده ستيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالمقر الدائم للمنظمة الدولية بنيويورك.

وقال دوغريك إن "الممثلة الخاصّة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، دعت إلى ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات، لضمان سلامة المتظاهرين السلميين، مع الحفاظ على القانون والنظام وحماية المواطنين والممتلكات العامّة والخاصّة".

وأضاف إن "هينيس-بلاسخارت أبدت أسفها الشديد لوقوع ضحايا بين المتظاهرين والقوات الأمنية".

من جهتها، قالت السفارة الأمريكية في بغداد إنها تأسف لاستخدام العنف خلال الاحتجاجات، ودعت إلى "تخفيف حدة التوتر".

وأوضحت السفارة أنها تواصل "مراقبتها عن كثب للاحتجاجات الأخيرة"، مشيرة إلى أن "التظاهر السلمي هو حق أساسي في جميع الأنظمة الديمقراطية ولكن لا مجال للعنف في التظاهرات من قبل أي من الأطراف".