خسارة إسطنبول.. بداية لانفلات خيوط اللعبة من يد أردوغان؟

شكلت خسارة انتخابات إسطنبول للمرة الثانية، حرجاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه. وطرحت معها أسئلة عديدة: فهل سيُفتح بعد هذه الانتخابات فصل جديد في السياسة التركية؟ وهل تشكل هذه الخسارة تهديداً لأردوغان وحزبه؟
 
للمرة الثانية على التوالي يفوز مرشح المعارضة التركية من حزب الشعب الجمهوري، إمام أوغلو، بالانتخابات البلدية في إسطنبول. وبهذا يزيح أوغلو حزب العدالة والتنمية من هذا المنصب بعد 25 عاماً.
 
وكان إكرم إمام أوغلو (49 عاماً) من حزب الشعب الجمهوري، قد هزم بن علي يلديرم (63 عاماً) من حزب العدالة والتنمية الحاكم بفارق 13 ألفاً و 729 صوتاً في انتخابات على رئاسة البلدية في 31 مارس/ آذار الماضي. غير أن المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا، ألغى في 6 مايو/ أيار الماضي، نتيجة التصويت بناءاً على مطالب حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ، والذي ادعى بوجود مخالفات، وأمر بإعادة الانتخابات مرة أخرى. وأجبر إمام أوغلو على ترك منصبه بعد 18 يوماً فقط. ووصفت المعارضة قرار إعادة الانتخابات في إسطنبول بـ "انقلاب" على الديمقراطية في تركيا.
 
ملامح فصل جديد
 
تحظى انتخابات إسطنبول البلدية بأهمية خاصة وتؤثر بشكل كبير على السياسة الداخلية التركية. كما كان اعتقاد أردوغان بأن "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا". ولهذا سببت خسارة المدينة للمرة ثانية حرجاً للرئيس التركي.
 
فهل تفتح نتائج الانتخابات هذه فصلاً جديداً في السياسة التركية؟ غونتر زويفرت، الخبير الألماني في الشؤون التركية من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ( (SWP يرى أن البلد مقبل على تحولات هامة في سياسته الداخلية أكثر منها على المستوى الخارجي. وقال الخبير الألماني في حواره لـDWعربية: "أرى أن الارتباط القوي للناخبين بحزب معين تقف خلفه شخصية ذات حمولة دينية أو عرقية قد تراجع قليلاً. وللمرة الأولى ينتخب الأتراك المُرشح المعارض. الأمر، الذي يعد بالكثير وبأن تنال القضايا الجوهرية للبلاد أهمية أكبر في المستقبل."
 
على الصعيد الخارجي يعتقد زويفرت أنه و بعد هذه النتائج، على الحكومة التركية إعادة حساباتها السياسية فيما يخص بعض الملفات الخارجية، منها صفقة شراء صواريخ إس-400 الروسية وتبعاتها الاقتصادية على البلد. أما بالنسبة للسياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي يقول الخبير: "أعتقد أنه لن يطرأ عليها تغيير كبير، لكن اهتزاز صورة أردوغان بعد خسارة انتخابات اسطنبول قد تؤدي على المدى الطويل إلى إضعاف الحزب الحاكم في البلاد".
 
مع فرز نحو 99 بالمائة من الأصوات، حصل إمام أوغلو على 54% مقابل منافسه بن علي يلدريم الذي نال نسبة 45,1%. وحقق أوغلو بذلك تقدماً بأكثر من 775 ألف صوت بزيادة كبيرة مقارنة مع نتائج مارس/ آذار، عندما فاز بفارق 13 ألفاً فقط.
 
هذه النتيجة، جاءت للتأكيد على أن فوز إمام أوغلو في انتخابات 31 مارس/آذار لم يكن محض صدفة ولم تشوبه أي تجاوزات، كما يرى رئيس تحرير مجلة "شؤون تركية" والباحث في الشأن التركي من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد عبد القادر خليل. هذه النتائج قد تؤدي إلى تحولا ت كبرى على صعيد الوضع الداخلي، لكن الكرة الآن في ملعب المعارضة، كما يوضح الخبير في حواره لـDWعربية: "إذا ما أثبتت المعارضة جدارتها السياسة من خلال التعاون مع الناخب التركي وكسب ثقته، قد تنال شعبية أكبر ستكون على حساب الحزب الحاكم ما يمهد إلى مشهد سياسي جديد في تركيا".
 
تهديد للرئيس؟
 
تمنح نتيجة الانتخابات المعارضة السيطرة على مدينة يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة وتمثل القلب الاقتصادي لتركيا، والتي طالما كانت مصدر دعم مهم لأردوغان على مدار ربع قرن.
 
أردوغان نفسه، شغل منصب رئيس بلدية اسطنبول في التسعينيات، وكانت اسطنبول "بوابته" نحو كرسي السلطة، كما يرى محمد عبد القادر خليل: "اسطنبول كانت بوابة أردوغان للسطلة ومن المحتمل أن يتكرر هذا المشهد ولكن اليوم لصالح خصمه السياسي، إكرم إمام أوغلو، الذي فاز على ثاني أهم رجل في النظام السياسي التركي، بن علي يلديرم. ما يشكل تهديداً لأردوغان".
 
ويشاطره الرأي الخبير الألماني، غونتر زويفرت، الذي يرى في نتائج انتخابات اسطنبول تهديداً مباشراً للرئيس التركي وحزبه، ويقول: "أعتقد مركز أردوغان مهدد نظراً للتراجع في الأصوات. لم يكن تراجع الأصوات واضحاً خلال الثلاث أو الأربع أعوام الأخيرة كما هو عليه الآن". ويرجع زويفرت هذا التراجع إلى تركيز الحزب على فئة معينة من الناخبين ومنهم القوميين الأتراك ذوي الهوية الإسلامية ما يؤدي إلى خسارة المزيد من الأصوات".
 
إعادة هيكلة للحزب الحاكم؟
 
لا يزال حزب العدالة والتنمية الحزب الأكثر شعبية على مستوى البلاد، لكن الصعوبات الاقتصادية الأخيرة، منها معدل التضخم الذي بلغ 20 في المائة ونسبة بطالة مرتفعة، أضرت بتلك الشعبية. وفي هذا السياق يقول محمد عبد القادر خليل:"تضاعف التوتر السياسي والانهيار الاقتصادي للبلاد، بالإضافة إلى التصدع الداخلي لحزب العدالة والتنمية، فإن ذلك سيصب حتماً و بصورة مباشرة في صالح المعارضة وزيادة شعبيتها". وأضاف الخبير في الشأن التركي: "أن الناخب التركي يرى في المعارضة الآن البديل الجاهز والقادر على استقطاب الناخبين".
 
وتقاسم كل من زويفرت وعبد القادر خليل الرأي نفسه تقريباً على أن الضعف الداخلي للحزب والآليات التي يتحرك بها إن استمرت على هذا النحو ستؤدي إلى انهيار شعبيته وربما قد يشهد تصدعات داخلية خلال الأشهر المقبلة.
 
من جهته يرى زويفرت في إعادة هيكلة حزب العدالة والتنمية "ضرورة"، ولكنه لا يعتقد إن كان الحزب نفسه قادر على اتخاذ هذه الخطوة لأن السيادة المطلقة للرئيس ليس على الدولة وإنما على الحزب باتت موضع تساؤل الآن.