واشنطن تحصّن أمن عسكرييها في العراق وتتجنّب إثارة الفزع من هجمات وكلاء إيران

تقول مصادر عسكرية عراقية إن القوات الأميركية تدرس فعليا أمن عناصرها الموجودين في معسكرات داخل العراق، في ظل التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة وإيران.
 
وانقسمت المصادر بشأن حقيقة قرار القوات الأميركية سحب 150 مدربا وخبيرا منتشرين في قاعدة بلد الجوية شمال العاصمة العراقية، وسط إجماع بأن إجراءات الأمن في هذه القاعدة تغيرت جذريا خلال الأيام القليلة الماضية.
 
ونفت القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية الأنباء التي تحدثت عن عزم الولايات المتحدة سحب متعاقدين أميركيين من القاعدة المذكورة.
 
وتعليقا على ذلك قال ضابط متقاعد من القوات العراقية لـ“العرب” طلب عدم كشف عن هويته إنّ “من المعتاد أن تحيط الولايات المتحدة تحرّكاتها العسكرية وإجراءاتها الأمنية في العراق بالكتمان الشديد”، مضيفا “ليس من مصلحة واشنطن في الوقت الحالي على وجه الخصوص إظهار الفزع إزاء أي حادث تتعرّض له قواتّها لأنّ ذلك سيستثمر ضدّها سياسيا ودعائيا من قبل إيران وأتباعها في العراق والمنطقة”.
 
وقال الكولونيل كيفين ووكر مدير الحماية في القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية في تغريدة عبر تويتر إنّ “الادعاءات بشأن سحب المتعاقدين أو أي مواطن أميركي من قاعدة بلد الجوية غير صحيحة”.
 
وأضاف أنّ العمليات في قاعدة بلد الجوية تسير بشكل طبيعي، ولا توجد خطط في الوقت الحالي لإجلاء أي فرد من القاعدة”، مشيرا إلى أنّه “يتم دائما تقييم سلامة وأمن جميع موظفي القوة الجوية الأميركية وأولئك الذين يقدمون الخدمات لها، وفي حال وجود تهديدات متزايدة، سيتم اتخاذ تدابير إضافية لتوفير الحماية اللاّزمة”.
 
واستُهدفت القاعدة المذكورة الأسبوع الماضي بثلاث قذائف مورتر لم تسفر عن أي إصابات ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات، لكنّ جميع الشكوك اتجهت إلى الميليشيات الشيعية الموجودة بكثافة في العراق والمعروفة بموالاتها الشديدة لإيران التي توتّرت علاقتها بالولايات المتحدة بشكل كبير في الفترة الأخيرة.
 
وقاعدة بلد، التي تصنّف على أنها أبرز مرابض طائرات آف 16، في العراق، من بين 3 مواقع عسكرية عراقية تعرضت لهجمات بالصواريخ الأسبوع الماضي.
 
وبالرغم من أن الحكومة العراقية والجهات الرسمية لم تربط بين هذه الهجمات والتصعيد الخطير بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن مصادر قالت إن مجاميع عراقية خاصة تتلقى الأوامر من طهران هي من نفذ هذه الهجمات.
 
وتعد قاعدة بلد من أبرز مواقع انتشار الجيش الأميركي في العراق، إذ عززتها القوات الأميركية بمعدات ثقيلة. وتقول مصادر عسكرية رفيعة في بغداد لـ“العرب” إن “القوات الأميركية تنشر في هذه القاعدة الجوية الرئيسية 150 خبيرا ومدربا وفني تسليح وصيانة، متخصصين في تشغيل طائرات آف 16، التي باعت الولايات المتحدة عددا منها للعراق”.
 
ويضم فريق الدعم الأميركي وحدة لتقنيات الملاحة الجوية ومتابعة المسارات وأخرى لإدارة أبراج المراقبة وثالثة لصيانة المدرج ومرابض الطائرات. وتضيف المصادر أن الولايات المتحدة تعاقدت مع شركة أميركية متخصصة لتأمين هذا الفريق، مشيرة إلى أن العقد ينص على نشر 250 عنصر أمن من الشركة في مرافق قاعدة بلد لحماية 150 خبيرا.
 
والعام 2011 أبرم العراق عقدين مع الولايات المتحدة لشراء 36 طائرة مقاتلة من طراز آف 16، فيما أعلنت وزارة الدفاع العراقية مطلع الشهر الماضي اكتمال عمليات تسليم جميع الطائرات، بوصول الدفعة الأخيرة منها. ووفقا لمصادر عسكرية عراقية، فإن عقدي الشراء يلزمان بغداد بإخضاع تحركات وصيانة الطائرات المذكورة لإدارة خبراء ترشحهم الولايات المتحدة، ولا يمكن لهذه الطائرات التحليق من دون إشرافهم المباشر.
 
وتقول المصادر العراقية إن “الطيارين العراقيين الذين يقودون هذه الطائرات، بعدما تلقوا التدريب اللازم في الولايات المتحدة، مرتبطون تقنيا بتعليمات الخبراء الأميركيين، ولن يتمكنوا بمفردهم من قيادة الطائرات، بسبب تشعب المرافق التقنية الخاصة بها”.
 
وبالرغم من أن قرار استخدام هذه الطائرات في العمليات العسكرية هو عراقي بشكل كامل، إلاّ أن الولايات المتحدة لم تطلع الجانب العراقي على جميع الجوانب التقنية فيها خشية تسربها إلى إيران ما أوجب استمرار الحاجة إلى الخبراء الأميركيين في تشغيلها.
 
وتقول مصادر استخبارية عراقية إن معلومات بحوزتها تؤكد وجود تحركات من قبل مجاميع موالية لإيران لاستهداف قاعدة بلد الجوية تحت ذريعة قصف القوات الأميركية فيها.
 
لذلك، شددت السلطات الأمنية العراقية إجراءاتها في القاعدة ومحيطها خشية تعرضها للاستهداف مع إحاطة موقع وجود الخبراء الأميركيين العاملين فيها، وحرسهم من عناصر الشركة الأمنية بالكتمان، إذ ليس معلوما ما إذا كانوا نقلوا خارجها فعلا أم أنهم موجودون فيها حتى الآن بالرغم من نفي قيادة العمليات المشتركة المعلومات التي تتعلق بإجلاء الخبراء الأميركيين من القاعدة.
 
ومن بين الإجراءات الأمنية المتخذة في القاعدة، وفقا للمصادر، تقييد الحركة بشكل صارم داخلها وفي محيطها خلال ساعات الليل وإعادة النظر في جميع تصاريح الدخول الصادرة
لـ“عناصر ليست على درجة عالية من الموثوقية”. وتقول المصادر إن ضباطا عراقيين وأميركيين يدرسون فعليا تجهيز القاعدة بمنظومة دفاع جوي لاعتراض أي صواريخ قد تسقط عليها.
 
وينقل عسكريون عراقيون عن نظرائهم الأميركيين في العراق خشيتهم من أن تفسر قرارات إخلاء الخبراء الأجانب من قواعد عسكرية تتعرض لهجمات صاروخية على أنها هرب أميركي من مواجهة إيران، ولهذا عارض العسكريون الأميركيون خطة إخلاء الخبراء من قاعدة بلد، فيما قالت المصادر إن الولايات المتحدة منحت القادة الميدانيين صلاحية تقدير الموقف.