الصين تبحث عن المواهب الكروية بين أقدام الأطفال

شنغهاي (أ ف ب) - هم صغار كغيرهم يزاولون اللعبة ويتدربون على تقنيات يؤمل في أن تجعل من أحدهم يوما ما ليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو الجديد. لكن أبناء رياض الأطفال باتوا جزءا من مخطط الرئيس الصيني شي جينبينغ لجعل بلاده لاعبا عالميا فاعلا في كرة القدم.

تستثمر الصين الرسمية و"الخاصة" الكثير في اللعبة الشعبية الأولى عالميا، ساعية لجعل حجم البلاد في كرة القدم، على قدر ما هو عليه من حيث المساحة والتعداد السكاني والقدرات الاقتصادية، بحلول عام 2050.

وفي إطار هذا المسعى الذي يدفع من أجله الرئيس شي جينبينغ المحب لكرة القدم، أعلنت الصين في نيسان/أبريل الماضي أنها ستبدأ البحث عن المواهب الكروية في رياض الأطفال.

وفي روضة كانغتشنغ المحاطة بأبنية سكنية مرتفعة في شنغهاي، يشارك 23 طفلا من الذكور الذين تراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة، في تمارين تقام مرتين أسبوعيا، في سنتهم الأخيرة قبل بدء المدرسة الابتدائية.

وفي رياض أخرى، بدأت السلطات بتلقين الأطفال الذين لم يتجاوزوا الرابعة من العمر حتى، مبادئ وأساسيات كرة القدم، سعيا الى تلقينهم واكتشاف مواهبهم في أقرب وقت ممكن، وتنميتها وصولا الى الاحتراف.

ويقول زو غوانغو، رئيس اتحاد كرة القدم في شنغهاي، أنه في ما يتعلق بتدريب الأطفال على اللعبة، من المفضل البدء في أبكر مرحلة ممكنة.

ويوضح "على المستوى الشخصي، أعتقد أن الأطفال البالغين من العمر ثلاثة أعوام يمكنهم مزاولة كرة القدم، طالما أنهم قادرون على المشي بشكل ثابت والابقاء على استحواذهم للكرة بين أقدامهم".

وأثناء متابعته قيام مدرب يحمل صافرة بتلقين الأطفال مهارات المراوغة والتحكم بالكرة في روضة الأطفال في شنغهاي، يضيف "من المهم جدا أن نلقنهم الأساسيات في سن مبكرة"، مشيرا الى وجود نحو 200 روضة أطفال في المدينة تقوم بتدريب الذكور والاناث على مبادئ اللعبة.

- كرات وأرانب -

في روضة كانغتشنغ، يرتدي الأطفال الذكور قمصانا صفراء اللون ومتناسقة، ويمضون غالبية الوقت في التمرن مع كرة لكل منهم. وتركز التدريبات على التحكم والمراوغة، ويطلب من الجميع استخدام القدمين في الحركات، بدلا من التركيز على اليمنى أو اليسرى.

وفي ختام التمرين الذي يستمر لقرابة ساعة، يطلب من الأطفال القيام بحركات مراوغة من فوق الكرة بالقدمين بشرط عدم لمسها، في طريقة مشابهة لمراوغات اللاعبين الكبار من أمثال الأرجنتيني ميسي والبرتغالي رونالدو اللذين نال كل منهما جائزة أفضل لاعب في العالم خمس مرات.

في هذه المرحلة المبكرة من عمرهم، لا يحظى الأطفال بفرصة تشجيع من عشرات الآلاف الذين عادة ما تغص بهم المدرجات، بل يقتصر "جمهورهم" على مجموعة من الأرانب الكرتونية الموزعة في باحة الروضة.

ويقول وانغ زيلين البالغ من العمر سبعة أعوام، أن والده الذي لم يزاول كرة القدم في حياته، يريد له أن يصبح "لاعبا محترفا في صفوف شنغهاي سيبغ" المتوج بطلا للدوري المحلي هذا الموسم.

- "فجوة كبيرة" -

في الأعوام الأخيرة، جذب الدوري الصيني العديد من الأسماء المعروفة في عالم اللعبة، والتي اختارت الابتعاد في المراحل الأخيرة من مسيرتها، عن الأضواء والمنافسة في أوروبا، والقدوم الى الصين حيث تبذل مجهودا بدنيا أقل، تتخلى عن بعض الشهرة، لكنها تعوض ذلك بعقود مالية مغرية.

وعلى رغم أن المشجعين الصينيين رحبوا بقدوم هؤلاء النجوم، لكنهم انتقدوا الأندية التي فضلت استقدام لاعبين من الخارج بدلا من الالتفات الى تنمية مواهب محلية تساهم في تطوير وضع المنتخب الوطني، ما دفع السلطات الى فرض ضوابط على الانفاق على الأجانب والتشديد على أهمية توفير تنشئة كروية سليمة.

فالمنتخب الصيني يحتل حاليا المركز 73 المتواضع في تصنيف الاتحاد الدولي (فيفا)، وشارك مرة وحيدة في نهائيات كأس العالم (2002) حيث تلقى ثلاث هزائم في الدور الأول وفشل في تسجيل أي هدف.

وفي بلد يبلغ تعداد سكانه 1,4 مليار نسمة، يدور التساؤل حول السبب الذي يحول دون رفد المنتخب بمواهب قادرة على رفع اسمه.

في هذا السياق يأتي دور رياض الأطفال، على رغم أن مشروع كهذا يتوقع ألا يؤتي ثماره قبل عقد من الزمن على الأقل. وفي حين أن روضة كانغتشنغ بدأت بمبادرة فردية بالتدريب على كرة القدم منذ عامين، لكن دورها الآن بات جزءا من مخطط وطني شامل.

وتقول مدير الروضة تشو رونغ "لا نتمتع بالوقت الكافي أو القدرة البشرية الكافية، لذا ما نقوم به حاليا هو أشبه بمستوى نادٍ صغير".

وتضيف "لكن بالطبع اذا حصلنا على ضمانات على المستوى البشري والتجهيزي والموارد المالية في المستقبل، أعتقد أنه يمكننا توسيع ذلك".

ويرى المسؤولون الصينيون أن تدريب الأطفال على كرة القدم سيساهم ليس فقط في تنمية مواهبهم في اللعبة، بل تلقينهم مهارات قيادية ونفسية.

ويرى زو غوانغو أن "أوروبا تتمتع بتاريخ من كرة القدم الاحترافية لأكثر من مئة عام، تاريخنا عمره 20 عاما فقط. ثمة بالفعل فجوة كبيرة لكننا سنبذل جهدا كبيرا (...) آمل في أن نتمكن سريعا من أن نصبح الفريق المتميز في آسيا ولاحقا في العالم".